بغداد- العراق اليوم:
وُزعت في بغداد، يوم السبت الماضي، جائزة الإبداع العراقي للدورة الثانية 2016، التي تنظمها وزارة الثقافة، على الفائزين بها في الحقول التسعة المشاركة في المنافسة، وهي السرد، والشعر، والإخراج السينمائي، والتمثيل، والتأليف الموسيقي، والنحت، والترجمة، وتاريخ الحضارة والمثيولوجيا العراقية، والتصوير الفوتوغرافي.
تسعة فروع
حصد الروائي وارد بدر السالم جائزة السرد عن روايته “عذراء سنجار”، والشاعر عمر السراي جائزة الشعر، فيما ذهبت جائزة الإخراج السينمائي إلى المخرج رعد مشتت عن فيلمه الروائي “صمت الراعي”، ونال جائزة التأليف الموسيقي المايسترو محمد أمين عزت. وعن دورها في مسرحية “يا رب” نالت الفنانة سهى سالم جائزة التمثيل، وحصد النحات العراقي مرتضى حداد جائزة النحت، كما فاز كامل عويد العامري بجائزة الترجمة عن ترجمته لرواية “الرقة” للكاتب الفرنسي دافيد فونكينوس. أما في مجال تاريخ الحضارة والميثيولوجيا العراقية فقد آلت الجائزة إلى محمد غازي الأخرس عن كتابه “قصخون الغرام”، وعن اقتناص صور الذاكرة حصد المصور الفوتوغرافي أكرم جرجيس جائزة الفوتوغراف.
وقال الفنان والأكاديمي سامي عبدالحميد، الذي ألقى كلمة اللجنة العليا للجائزة التي تبلغ 5 آلاف دولار لكل حقل، نيابة عن رئيسها فرياد راوندزي، وزير الثقافة، “إن الهدف من هذه الجائزة هو منح المثقف العراقي في الداخل والخارج فرصة جديدة لإبراز نتاجه الإبداعي، واعترافا من وزارة الثقافة بالعطاء الثري للمثقف العراقي في مختلف التخصصات”.
الجائزة تمنح المثقف العراقي في الداخل والخارج فرصة جديدة لإبراز نتاجه الإبداعي، واعترافا بعطائه أيا كان اختصاصه
وأضاف عبدالحميد أنه “رغم الصعوبات التي يمر بها العراق، فقد بذلت اللجنة العليا جهودا كبيرة استمرت عاما كاملا في اجتماعات مكثفة ونقاشات مفتوحة من أجل الوصول إلى نتائج أفضل. واختارت بدقة بالغة أعضاء لجان التحكيم الفرعية، الذين عُهد إليهم تقييم النتاج الإبداعي للمتقدمين لنيل الجائزة وفق معايير معينة، من دون تدخل أعضاء اللجنة العليا. وهذا لا يعني إطلاقا أن المثقفين المتقدمين الآخرين الذين تقدموا، أو الذين لم يتقدموا بطلباتهم، هم أقل إبداعا من الذين فازوا بالجوائز، ولكن شروط التحكيم ومعايير التقييم هي التي كانت الفيصل”.
وأشار عبدالحميد إلى أن اللجنة العليا ستبدأ بالتحضير للدورة الثالثة للجائزة، التي ستنطلق قريبا، وتشمل مجالات وفروعا ثقافية وفنية وإبداعية جديدة ستعلن عنها الوزارة لاحقا.
الرواية العراقية
وقد تحدّث الروائي وارد بدر السالم عن فوزه بالجائزة قائلا “الجائزة عامل معنوي محفّز للإنتاج النوعي، وتشكل بقيمتها المعنوية هذه بصمة معينة في مسيرة أي كاتب تدفع نحو المزيد من الإخلاص في عمق الكتابة الفنية، وفي العديد من الدول تُقام مسابقات أدبية للأجناس الأدبية، لا سيما الرواية التي استحوذت على بقية الأجناس تتويجاً لعصرها الذهبي الآن. وخطوة وزارة الثقافة خطوة صحيحة للاهتمام بالفنون الأدبية وأجناسها المتعددة، وهي دافع مهم لتشجيع الأدباء وتوسيع انتشارهم، والتعريف بنتاجاتهم الإبداعية، وأعتقد أن الاستمرار بهذه الجائزة سيوسّع من آفاقها كثيراً”.
وأكد السالم أن الجائزة قد لا تعني بقيمتها المادية شيئاً مهماً بالنسبة إليه، لكن قيمتها الاعتبارية تساوي الكثير، خاصة أن روايته “عذراء سنجار” قد تنافست بقوة مع عدد غير قليل من الروايات العراقية التي يتصاعد حجمها الإبداعي والنوعي يوماً بعد آخر، مع المزيد من الإنتاج السردي العراقي اللافت للأنظار، بغض النظر عن عدم أهلية الكثير منه، لكن النوع السردي بدأ يأخذ حيزه المهم في المشهد الثقافي العربي عامة.
سرد لآلام الناجيات من داعش
وأضاف السالم أن “هذه الجائزة وغيرها من الجوائز العربية الخاصة بالسرد الروائي قد كشفت عن أن الرواية العراقية أخذت تنطلق من بؤر فنية متعددة، مستلهمة الواقع العراقي بتعقيداته السياسية والعسكرية والاجتماعية والدينية في مهمات واسعة النطاق، للكشف عن الكثير من مزايا المجتمع المتحول من حالة سابقة إلى واقع مفتوح ومنفتح ثقافياً وإبداعياً وإنسانياً، وعلاقته بمحيطه الإقليمي والعربي والعالمي في سرديات متعددة برع الكثيرون في تجسيدها بنصوص كبيرة ومهمة شاركت فيها أجيال أدبية مختلفة، وهو ما جسدته مناسبات ثقافية عربية بوصول عدد غير قليل من الروايات العراقية إلى محافل الجوائز الكبرى كالبوكر وكتارا وسلطان العويس والبابطين ونجيب محفوظ وغيرها، لتؤشر في النهاية على أن الرواية في العراق غير فقيرة، وأنها نتاج وعي فني متراكم، مثلما هي نتاج واقع سياسي– اجتماعي حافل بالكثير من المعطيات الثرية التي يستلهم منها الروائيون متون رواياتهم”.
وعن روايته “عذراء سنجار” الحائزة على الجائزة الأولى يقول السالم “هي ملحمة وطنية أدركتها بوقت مناسب جداً حينما وجدت الحالة الأيزيدية تتعرض للتشويه لأسباب سياسية في معظمها، الأمر الذي تطلب مني البحث الدؤوب عن هذه الشريحة المهملة في المتن الاجتماعي والدين قراءةً ومتابعةً وزياراتٍ ميدانية إلى كردستان ومخيمات المهجرين في دهوك وشاريا وايسيان وباعذرا، والتقيت بعدد من الأيزيديات الناجيات من داعش للوقوف على تفريعات كثيرة مارسها داعش على العراقيات الأيزيديات وما ترك فيهنّ من آلام كبيرة في الجانبين النفسي والجسدي”.
ويشير السالم إلى أنه أراد في روايته أن يقدم بعض الحقائق الواضحة والمستترة أيضا، محاولاً تسيير خطين فنيين لتوثيق هذا الأثر السردي كما حدث في مزاوجة الخيال بالواقع وصولاً إلى فنية سردية ممكنة تتناسب مع حجم الألم الأيزيدي الهائل.