لم ينتظر الرئيس الأميركي ترامب ظهور ادلة حقيقية وصارمة تثبت تورط نظام بشار الأسد في هجوم خان شيخون الكيميائي ، قبل ان يوعز لسلاح البحرية الاميركي، بتوجيه ضربة صاروخية لتدمير احد المطارات العسكرية السورية ، حيث ان ترامب تصرف وكأنه الحاكم المطلق للعالم منصبا نفسه القاضي والجلاد في آن واحد ،محملا نظام بشار الأسد المسؤولية الكاملة عن هذه الحادثة . السوريون جربوا معاناة الاتهام بالسلاح الكيميائي من قبل ، خلال العام 2013 حتى كادوا ان يتعرضوا الى هجوم أميركي عنيف ،لولا تدخل بوتين الذي اقنع بشار الأسد بتسليم مخزونه من الكيمياوي ، كثمن للتخلص من خطر الضربة الأميركية ولتجنب تدخل واشنطن ودعمها للمعارضة، لغرض اسقاط النظام . المنطق يقول ان النظام السوري ليس غبيا ،حين يجازف بمصيره ، من اجل شن هجوم صغير ضد هدف لا قيمة له بالأسلحة الكيمياوية ، يعلم جيدا انه سوف يستخدم ضده بضراوة وسيغضب الأميركيين والأوروبيين ،الذين سيستغلون هذه الحادثة من اجل اسقاط النظام نفسه ومحاسبة زعمائه ورموزه . فرضية تعرض مخزن سري للأسلحة الكيمياوية في منطقة الهجوم احتمال وارد جدا ، اذ إن عملية الحصول على السلاح الكيمياوي وإنتاجه من قبل زمر «داعش» والقاعدة غيرها تبدو ممكنة ،خصوصا وان هذه التنظيمات تملك بين صفوفها خبراء وعلماء يعملون في خدمتها وهم يستغلون الموارد والإمكانات المتوفرة في المدن ،التي يسيطرون عليها، لإنتاج مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات بضمنها الأسلحة الكيمياوية ، اضافة إلى إمكانية الحصول عليها من تركيا نفسها ،التي تعد خط التموين الرئيس لهذه التنظيمات باعتراف الإرهابيين أنفسهم ،فضلا عن أجهزة الاستخبارات الغربية . وعملية خزن السلاح في المدن أسلوب تلجأ إليه هذه المنظمات الإرهابية من اجل منع سلاح الطيران من ضربها لما لها من خطورة على حياة المواطنين . عملية فبركة التهم وتلفيق الأدلة إمكانية تملكها عدة أجهزة استخبارية عالمية وهي تعمل في الخفاء من اجل ترتيب الأوضاع في سوريا بطريقة تمنع هزيمة تنظيماتها الحليفة لها والتي تعمل بإمرتها وربما هجوم خان شيخون الأخير واحد منها . التحقيق الدولي المحايد وغير المنحاز بهذه الجريمة البشعة احدى الوسائل المطلوبة لكشف الجهة الحقيقية المتورطة بهذه الجريمة وإدانتها لقطع طريق الاتهامات المسبقة ،التي باتت واشنطن تستغله بمهارة من اجل تصفية حساباتها مع نظام دمشق ،الذي طالما سعت واشنطن لاسقاطه لولا خوفها من أن يتحول هذا السقوط إلى فوضى عارمة ، تسمح للتنظيمات الإرهابية بالسيطرة على سوريا بأكملها وتحويلها الى دولة فاشلة أخرى وهو ما تريد تجنبه والدليل ان ترامب اختار هدفا صغيرا وغير مؤثر في قدرات الجيش السوري في الحرب لقصفه وتحذير بشار الاسد من تكرار مثل هذا الهجوم . عملية اسقاط الأنظمة بالقوة، سياسة ظن الجميع بأنها قد انتهت مع مجيء اوباما الى الحكم لكنها اليوم تعود مع عهد ترامب ، الذي يحاول تقمص دور الرؤساء المؤثرين في التاريخ الاميركي وهو أمر له مخاطره على المنطقة ،خصوصا مع بلوغ التنظيمات الإرهابية المتطرفة الذروة في صعودها وقدراتها وما تلحقه من مخاطر وتهديدات لدول المنطقة وشعوبها وهو مالا تستطيع واشنطن ان تكبحه أو تحد منه . من الواضح ان واشنطن تبحث عن نفوذ مؤثر لها في سوريا وتوجيه الضربة الصاروخية الأخيرة إعلان واضح عن هذا الدور، الذي نلاحظ مؤشراته بزيادة عديد الخبراء العسكريين المصاحبين لقوات سوريا الديمقراطية ،الحليفة والمدعومة بقوة من قبل واشنطن والتي تنتشر في مناطق شرق سوريا وخصوصا في محيط محافظة الرقة ،التي تعد العاصمة الثانية لتنظيم «داعش» وهي مقر رئيس لادارة عملية تحرير المدينة من فلول عصابات «داعش» وهو ما يعني عمليا ان هذه المنطقة باتت تحت النفوذ والسيطرة الأميركية المباشرة ، لأهمية هذه المنطقة جغرافيا وستراتيجيا ، باعتبارها غنية بحقول النفط والغاز وممرا لأي خطوط مواصلات بين غرب العراق وسوريا ،اذ ان واشنطن ترغب مسبقا في قطع أي طريق إمداد محتمل بين الإيرانيين والسوريين من خلال هذه المنطقة . تخليص سوريا من الإرهاب يحتاج إلى تضافر دولي وإقليمي يسعى لحل هذه الأزمة التي بات استمرارها يمثل تهديدا حقيقيا وستراتيجيا لدول المنطقة وهو ما يحتم على واشنطن والأوروبيين، إضافة الى الروس تكريس تعاون حقيقي يراعي مصالح الشعب السوري من دون أي تدخل في اختياراته والعمل على مكافحة الإرهاب بشكل جدي وترك سوريا تقرر مصير شعبها فقط وليس أي احد آخر .