بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
ثلاث قضايا ارتايت التوقف عندها. الأولى هي التهديد الأمريكي بهجوم عسكري على اهداف في الشرق الأوسط، والثانية هي عدم اكتراث المثقفين بحرب الإبادة التي يتعرض لها شعب غزة، اما القضية الثالثة فهي حالة الغضب الشعبي التي عمّت اثر خروج العراق من كأس اسيا. القلق يساورنا من أن يكون العراق أحد ساحات الهجمات الامريكية المتوقع تنفيذها. والعراق لا يحتاج المزيد من التوتر قدر حاجته الى الاستقرار والسلام، بعيدا عن صراع الضواري القائم بين أمريكا وايران، والذي لا مصلحة لشعبنا فيه. بعد كل الدماء الزكية التي نزفت في العراق، نرى الا ضرورة لاهدار قطرة دم عراقية هباء. وطغمة الحكم وحدها تتحمل مسؤولية تعرض العراق الى أي ضربة أمريكية. فهي المساهم الأساس الذي سهل للعاملين الإقليمي والدولي التحكم بالوضع العراقي، وجعله ساحة صراع لمصالح دولية. طغمة الحكم هي المسؤولة الوحيدة عن تهديد حياة أي مواطن (مواطنة) في أيّ شبر من ارض العراق. ما يؤسف له هو صمت النخب ازاء كل ما يجري، فلا كلمة قيلت ولا فعل حدث. يبدو ان الاستكانة هي رد الفعل الذي اختاره عقل النخب. ربما تتصور ان حرب غزة لن تطالنا، لذا فنحن غير معنيين بها، متناسية تداخل وتشابك المصالح وتعقيداتها. فهي لا تتمعن في مغزى مسيرة كفاح المثقفين والفاعلين الاجتماعيين بالعالم، الذين طالما تطوعوا للوقوف ضد الحروب ومشعليها، وابدعوا في ابتكار شتى الفعاليات التي تستنكر التهديد وترفض الحروب والعدوان على الشعوب. وهنا نشير الى التظاهرات الكبرى التي تشهدها عواصم ومدن عديدة في العالم أسبوعيا، مستنكرة حرب إسرائيل الإبادية على غزة. فيما شكلت اللامبالاة وعدم الاكتراث سمة رد فعل النخب العراقية، وكأنها غير معنية بقول كلمة حق امام المآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. ما يؤسف له هو موقف الصمت هذا الذي اصبح سلوكا تمارسه النخب العراقية، حيث لم نشهد لها موقف يبين عدم قبولها بالسياسات التي جعلت العراق متأخرا، يستفحل فيه ثالوث التخلف، رغم ما يمتلك من موارد واموال، إذ تتصاعد فيه نسب الامية والفقر والامراض. وشكّل هذا الى جانب الفساد والطائفية السياسية، احد مصادر ألم العراقيين المتطلعين الى رؤية بلدهم يتقدم في خطوات واثقة نحو أي نصر. لم تدرك النخب اندفاع وحماسة العراقيين وتأهبهم لمساندة أي انجاز يمكن ان يتحقق على أي صعيد. ومن هذه الزاوية وبناء على فواعل أخرى، جاءت مؤازرتهم للفريق العراقي وهو يخوض المنافسة الرياضية على كأس اسيا، وجاء غضبهم حين خرج الفريق العراقي من المنافسة امام منتخب الأردن. ومن دون الخوض في تفاصيل المباراة ودور الحكم وقدرات الفريق الدفاعية وغير ذلك، تشعر وكأنهم فقدوا فرحة كانوا يحتاجونها، ونصرا كانوا يتمنونه، وكأن الفوز الرياضي هو طوق نجاتهم من واقعهم المعيشي المزري، في ظل الانقسام الطبقي الحاد، واتساع الفجوة المعيشية بين القلة المترفة من النهّابين ووضعهم المُخمّلي وبين المنهوبين المكبلين بالحرمان. ان من واجب النخب الامعان في التفكير في مغزى الخيبة الشعبية ورد الفعل على خسارة لعبة على كأس، فيما لا تجد رد فعل مناسبا على الصعيد الشعبي، تعبيرا عن الغضب من خسارة المليارات المنهوبة. هناك غضب شعبي عارم من قرار حَكَمٍ أفسد مباراة، فيما غاب أيّ نوع من الغضب على افساد مؤسسات دولة بكاملها. هذا ما يجب ان تتوقف النخب عنده، وان تقف مع شعبها، وتنشر وتعمق الوعي بإمكانية التغيير، وتبشر بالأمل الصادق، لا ان تسقط في فخ الوهم الزائف الذي تجيد صناعته ماكنة اعلام طغمة الحكم.
*
اضافة التعليق