بغداد- العراق اليوم: فالح حسون الدراجي افتتاحية جريدة الحقيقة تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي، مقطع فيديو مسيئاً للجيش العراقي، ومستفزاً جداً لمشاعر العراقيين، يتمثل بمشهد (سخيف) لضابطَين عسكريين، يقوم أحدهما وهو برتبة مقدم بصفع وضرب زميل له برتبة عقيد حد البكاء !! ولعل ما خفف من وطأة وحجم الألم الذي تركه هذا الحدث في نفوس المواطنين، استجابة وزارة الدفاع السريعة لمعالجة الخلل، واحالة هذين (الضابطين) إلى التحقيق، ومن ثم إلى المحاكمة، وقد أصدرت المحكمة العسكرية الاولى حكماً عادلاً بحقهما، كان أهم ما فيه: طردهما من الجيش، وتنظيف هذه المؤسسة من مثل هذه (النماذج)، فضلاً عن سجنهما سنة ..! إلى هنا، نستطيع القول، إن وزارة الدفاع، والقضاء العسكري العراقي، انتصرا للقيم والمبادئ والأسس الأخلاقية الرفيعة التي نما عليها جيشنا العظيم .. ولمّا كان الجيش العراقي هو الابن الشرعي لشعبنا العراقي المجيد، وهو أحد انصع صفحاته وأكرمها، كان من الطبيعي، بل والواجب على شعبنا أن يتابع بعين الرعاية الأبوية ما يخص هذا الابن العزيز، ويحيطه بمتابعاته وملاحظاته، وأن يشعر بالألم حين يرى انحرافاً ما في سلوك البعض ممن يحسبون على جيشنا الغالي.. ومن هذه الزاوية الكريمة رأينا كيف أن العراقيين شعروا بالإحباط لما حصل من سلوك خاطئ وفعل شاذ اتى به هذان الضابطان اللذان ينتميان للأسف إلى جيش العراق .. واسمحوا لي ان اقول وبصراحة، إني شعرت بالعار والخزي وليس بالإحباط فحسب، وانا أرى هذين الشخصين يعبثان بأمجاد الجيش العراقي، ويسحقان بأقدامهما تاريخه المعطر بدماء الشهداء على طول وعرض التاريخ المجيد.. ولا أكشف سراً لو قلت بأني تمنيت ان يكون المشهد الذي ظهر في مقطع الفيديو، مشهداً تمثيلياً او مسرحياً، او أن يكون على الأقل مزاحاً بين ضابطين، رغم أن كرامة المؤسسة العسكرية العراقية وصرامة نظامها، لا تسمحان بهكذا مزاح ثقيل باهض الثمن.. كما تمنيت أيضاً أن يكون الفيديو (مفبركاً) من قبل شياطين التقنيات، لكن للأسف خابت كل تمنياتي، حتى تأكد لنا جميعاً أن الفيديو صحيح وصاغ سليم، وأن الأفندية هما ضابطان حقيقيان، وليسا ممثلين، وقد أكد ذلك التحقيق الذي تم معهما، وقرار المحكمة العسكرية التي أدانت فعلهما المعيب.. وللحق، فإني خشيت جداً أن يتدارك (المتداركون )، ويتداخل المتداخلون، و(تتلفلف) القضية قبل أن تصل المحكمة كما (تلفلفت ) غيرها الكثير من القضايا، فيأتي قرار العقوبة ربما : حجز ثكنة خميس وجمعة، ويخرجان هكذا بلا سجن ولا طرد، ولا بطيخ ..! وهذ ليس غريباً إن حصل في ظل وجود أحزاب ومراكز قوى متنفذة جداً، وشخصيات فاعلة قادرة على التدخل والتوسط وحماية من تريد حمايته، وحين تريد ذلك، ستجد الف عذر ومسوغ لديها من أجل إخراج هذين الـ (…..) من ورطتهما.. وطبعاً فإن هذا الأمر عادي أو (عاتي) وغير مستغرب في عراق هذه الأيام المباركة ! لقد كنت أشاهد الفيديو وأعيده اكثر من مرة، رغم مرارته، وفي الوقت ذاته كانت تحضر في مخيلتي خلال هذه الدقائق القليلة اسماء ووجوه كوكبة من الضباط والقادة العظام الذين ساهموا في تأسيس جيشنا العراقي، وحملوا على أكتافهم هذا الكيان الوطني الفذ منذ تاسيسه، فضلاً عن اولئك الرجال الذين رووا بدمائهم الطاهرة ارض العراق، وسقوا نبتة الحرية، دون أن يبخلوا بدمائهم في الدفاع عن أشقائهم في فلسطين وسوريا والأردن. لقد تسابق الضباط والجنود العراقيون عبر قرن من الزمان، في ساحة الفداء، مضحين بالغالي والنفيس من اجل عزة وطنهم..ولم يرضخوا يوماً لجبروت الاستعمار قط، فثاروا عليه وانتفضوا على أذنابه ألف مرة، ودافعوا بارواحهم عن حدود بلادهم بلا عدّ ولا حساب، وتصدوا للطغاة إلى الحد الذي يبدو لمن لا يعرف الجيش العراقي، وكأنه ضرب من الخيال.. وبذات وهج البطولة، مرت امام ناظري أيضاً كوكبة من الشهداء الذين تصدوا للمجرم صدام حسين ونظامه الدكتاتوري، حين كان صدام في ذروة قوته وبطشه وفاشيته وغروره، ولم يخشوه او يهابوا زبانيته.. فها هم أمامي يتألقون بكامل أناقتهم، ووسامتهم، وقيافتهم العسكرية : شهداء ودماءً وضباطاً عراقيين يقدمون ارواحهم فداء لهيبة العراق وكرامة العراقيين.. وإذا ما أردت أن أدخل في عرض أسماء هذه الكوكبة، فلن تكفي صفحات هذه الجريدة لأسمائهم الشريفة، وكي اكون منصفاً، فإن ثمة أبطالاً من الضباط، تصدوا لصدام ببسالة فائقة، لكنّ الأقدار الرحيمة (أفلتتهم) من مقصلة الطاغية، وبعضهم لم يزل يعيش بيننا اليوم اطال الله في أعمارهم، وبعضهم توفاه الله، وعذراً عن عدم ذكر هذه الأسماء الكريمة، تلاشياً من الوقوع في خطأ نسيان أحدهم ليس إلا.. ها هي أسماء وصور الضباط الشهداء تعطر ذاكرتي باريج تضحياتها، فأقارن بين أصحابها وبين هذين (الضابطين)،صارخاً بحسرة، قائلاً بألم كبير: هذا ليس عدلاً أبداً، كيف يتساوى هذان الضابطان مع تلك الكوكبة!.. وكيف يرتديان بدلة الجيش، ويحملان رتباً عسكرية عالية، ويضعان على رأسيهما البيرية العسكرية الواحدة، حالهما حال عبد الكريم قاسم، وفاضل المهداوي وجلال الاوقاتي وطه الشيخ أحمد، وعبد الكريم الجدة، ووصفي طاهر، وكنعان خليل حداد وغيرهم من الضباط الشهداء البواسل ..كيف؟! وكيف لي ان أضع هذين الضابطين في نفس خانة (المؤسسة المهيبة) التي ضمت الرجال الشجعان الذين وقفوا بوجه صدام وقفة الأسود، مثل العقيد الطيار محمد مظلوم والشهيد العميد فالح أكرم فهمي، والعقيد حامد عبد الكريم السامرائي، واللواء عبد الكريم الحمداني، واللواء بارق الحاج حنطة ابن الصويرة الذي بصق في وجه صدام كامل قبل إعدامه، واللواء عصمت صابر عمر، ابن كركوك، الذي رد الشتيمة لصدام حسين بكل شجاعة، قائلاً: (إحنه شجعان مو جبناء.. الجبان اللي من يطلع، تطلع قبله فرقة حماية، وتطلع وياه فرقة حماية)! والفريق ثابت سلطان، والبطل سطام غنام الجبوري، والفريق عمر محمد هزاع التكريتي، والفريق كامل ساجت الجنابي، والفريق محمد عبد الله الشهواني، الذي أعدم النظام الصدامي أبناءه (الضباط) الثلاثة دون ان يرضخ للطاغية ! وغيرهم من البواسل الذين تزدحم ببطولاتهم سجلات الشهادة، وتغص بأمجادهم لوحات الشرف وهي أكبر من مساحة هذا المقال المحدود.. ومع هذه الكوكبة الطيبة، يمر البطل الطيار ابن العمارة عبد الله لعيبي، الذي فجر طائرته بالطائرة الإيرانية فوق العاصمة بغداد، بعد ان نفد عتاده.. وهو لم يضحِ هنا بحياته من أجل النظام الصدامي، إنما فدى بنفسه مدينة بغداد، لكي يعيش أطفالها بأمان. وكذلك الشهيد الرائد صدام لازم، آمر الفوج الأول لواء 66 قوات خاصة- ابن مدينة الثورة الباسلة، الذي حرر جبل بلغة بأعجوبة، وقبل ان يرتقي بسريته ذلك الجبل الذي كان يقف على قمته مئات الجنود الايرانيين، هتف صدام لازم بصوت عال قائلاً: انقلوا رسالتي إلى صدام حسين، وقولوا له: إني سأموت الليلة في هذه المعركة، من أجل وطني الحبيب، وليس من أجل أمه الـ ( ..… ) !! ومن الصدف الحسنة، أني شخصياً كنت هناك، وعرفت ماجرى، وما قاله هذا الضابط الشجاع، الذي استشهد فعلاً في تلك المعركة بعد أن حرر الجبل، لكن قائده الذي نقل لصدام حسين خبر (تحرير) جبل بلغة، ودور، ورسالة صدام لازم، لم ينقل له كل (ما قاله) هذا البطل، ولا وصيته الجريئة المكتوبة لعائلته المكونة من (زوجتين) وعدد من الأبناء الذين يفخرون اليوم بأبيهم حتماً ..!
اضافة التعليق