بغداد- العراق اليوم: افتتاحية جريدة الحقيقة فالح حسون الدراجي ماذا يفعل الفرح الحقيقي بالقلب حين يهزه ويعصف به كما تعصف الريح بسعف النخيل.. وماذا يفعل هذ الفوز الجنوني بالأعصاب المستفزة أصلاً، ولماذا أبكي أنا، ويبكي الجميع، بمجرد أن يعلن الحكم عن نهاية المباراة، وفوز العراق على اليابان .. لماذا يحصل كل هذا بربكم؟ ألأننا فزنا على منتخب الساموراي القوي..؟ طيب، لمَ كل هذا (الدمار) النفسي والشد العصبي، ثم هذا الفرح المجنون.. ألأننا فزنا في مباراة بكرة القدم فقط، أم لاجل شيء ربما أعظم من الكرة والفوز، ومن كأس آسيا ؟! هو سؤال واحد، لكن ثمة اسئلة كثيرة تتناسل منه، اسئلة انهمرت أمامي مثل زخة مطر تشريني، بعد فوزنا الكبير على منتخب المحاربين القدماء، حتى رحت أبحث عن سر ومعنى هذا (الشي) الذي حصل معنا يوم الجمعة.. فزنا؟ أي نعم فزنا..! وماذا يعني ان نفوز في مباراة بكرة القدم على منتخب آخر حتى لو كان منتخب اليابان بروعته وفخامته؟! طبعاً ستقول لي إن اليابان منتخب عملاق، لم يخسر في آخر 25 مباراة خاضها في دور المجموعات خلال كأس آسيا ولم يخسر أمام منتخبنا منذ 42 عاماً، أو ستقول لي إن منتخب اليابان الذي فزنا عليه، هو نفسه الذي هزم منتخبات المانيا وإسبانيا، وفرقاً عالمية، وسجل خلال آخر عشر مباريات ستة واربعين هدفاً في مرمى فرق عربية وأجنبية من بينها تركيا والسعودية وتونس وقطر وغيرها. وأظن أنك ستذكرني بأن منتخب اليابان فاز بالمركز الرابع بكأس العالم 2022 وفاز اربع مرات بكأس آسيا، فضلاً عن أنه يحظى بأفضل موقع في الترتيب الذي يصدره (الفيفا) !! وسأقول لك؛ نعم أعرف هذا، بل وأعرف أكثر منه، لكن، هل الفوز في مباراة كروية، يستحق كل هذا الخوف والقلق والتوتر والدعاء والدمع والفرح والجنون، وماذا سيفرق لنا لو فزنا على أرجنتين ميسي، وبرازيل نيمار، وفرنسا گريزمان وغيرها من المنتخبات الكروية العالمية، أو خسرنا مع منتخب فيتنام واندنوسيا أو منتخب الهندوراس ؟! وهنا أود أن اسأل أيضاً: لماذا بكت زوجتي بعد فوزنا على اليابان، وهي التي لاتعنيها (الطوبة)، ولا تعرف في منتخب العراق سوى اللاعب أيمن حسين - لأنه يتيم وأمه تدعو له - وتعرف (ميمي)، لأنه فقير الحال وابن حلال، ويكدح لشراء دار لاهله الذين يسكنون الحواسم- ؟!! ولماذا يصرخ اولادي بكل ما في شبابهم وفتوتهم من قوة وكأنهم (مجانين) بعد كل هدف يحرزه لاعبو العراق، بل ولماذا بكى وغنى ورقص العراقيون في ملعب الريان بالدوحة، وكأنهم يقولون للآخرين: ها نحن العراقيين هنا، يا من لا تعرفون من نحن ! ولماذا يخرج العراقيون بتظاهرات الفرح المجنون في جميع مدن العراق، ودموعهم تتلألأ في محاجر العيون، ولماذا ينسى العراقيون الذين يتوزعون بأحزانهم على قارات العالم، برودة الطقس، ومتطلبات معيشتهم القاسية، بل وينسون أوجاع المهاجر والمخيمات برمتها، ولا يتذكرون سوى شيء واحد اسمه (العراق)، ثم لماذا يخرج العراقيون جميعاً - المسلمون والمسيحيون والمندائيون والايزيديون، العرب والكرد والتركمان والكلدا آشوريون، وهم يحتضنون بالفرح بعضهم البعض، دون أن يفكر احدهم -مجرد تفكير - بديانة أو مذهب أو قومية المتظاهر الذي يحمله على أكتافه من أجل أن يهتف لأسود الرافدين بعد الفوز على اليابان؟.. وأخيراً أقول : لماذا يخرج الايزيديون الكبار في قضاء سنجار، ويخرج أطفال المخيمات الايزيدية في كردستان، وسط الثلوج والبرد، وهم يغنون (لوطنهم العراق) بعد الفوز على اليابان ؟ إن هذه الاسئلة تحتاج إلى أجوبة شافية. وقبلها يجب البحث عن السبب الجوهري، إذ ليس من المعقول أننا نسفح كل هذا الدمع، ونتحمل كل هذا الالم والمعاناة، وارتفاع الضغط، فقط من أجل الفوز على اليابان أو الفوز بكأس آسيا حتى؟! إن القضية برأيي أكبر من كرة القدم ومن كأس آسيا. وحتماً أن هناك شيئاً أغلى بكثير من الغالي، وأقل بقليل من (المقدس)، وأجزم أن هذا (الشيء) هو الذي جعل لاعبينا يقاتلون في الملعب قتال الأبطال، حين واجهوا واحداً من اعظم الفرق بالعالم، ويهزمونه بهدفين مقابل هدف، و قطعاً فإن هذا (الشيء) هو نفسه الذي جعل الصغار والكبار من العراقيين لاسيما اصحاب الدخل الواطئ، يستدينون المال من أجل الذهاب إلى الدوحة، وتشجيع منتخب بلادهم.. وبشهادة الجميع فقد كان هذا الجمهور العظيم الذي حضر يوم الجمعة في الملعب، كان بمثابة اللاعب رقم 12 إن لم يكن الرقم 1 بمنتخبنا الوطني ! ولا يحتاج القارئ الكريم إلى أن أقول له: إن هذا (الشيء) هو العراق الجميل، العراق الذي يسري حبه في شرايين العراقيين.. لذلك يتوجب على كل محلل وناقد أن يدرس هذا (الشيء) قبل كل بحث ودرس، ويعرف جيداً هذه البيئة الوطنية، وهذه التضاريس العراقية ليكتشف معدن العراقي، ويتمكن من خلاله معرفة كيف فاز هؤلاء الفتية البواسل على قاهر فرق آسيا واوربا وأفريقيا ؟! وبالمناسبة، فقد أعجبني فيديو لأحد المحللين المصريين تحدث فيه عن اسباب فوز العراق على اليابان رغم الفارق الفني، قائلاً: ( مع كل احترامي للمستوى والتكنيك العالي الذي ظهر به اللاعبون العراقيون في مباراتهم مع اليابان، لكني اعتبر الروحية القتالية التي لعبوا فيها، هي السبب الاول بالفوز، لقد كانوا يقاتلون فعلاً.. وطبعاً فأن وطنيتهم هي المنتج، والمحرك لهذه الروحية القتالية).. ويكمل هذا المحلل كلامه قائلاً: (كلنا نحب بلداننا بقوة .. فالمصري يحب مصر بقوة، والسوري يحب سوريا بقوة، واللبناني والكويتي والتونسي وكذلك المغربي وغيرهم، فكلهم يحبون بلدانهم بقوة، إلا العراقي، فهو العربي الوحيد الذي يحب بلاده بجنون.. وهذا (الجنون) هو الذي صنعوا به الأعاجيب والمعجزات الرياضية والعسكرية)… لقد صدق هذا الشقيق.. فنحن فعلاً نحب بلدنا بجنون، رغم ما لاقيناه فيه من مصائب ومآس وآلام.. لكنّ عزاءنا في الحب الذي نكنّه له كبير وكبير جداً.. ألم يقل شاعرنا الفذ كاظم إسماعيل الگاطع: " ألله يا هالوطن شمسوي بيّه ألله .. نيرانه مثل الثلج كلما تدگ عالضلع أبرد و أگول إشاه ..) !! إن هذا الجنون في حب العراق يتوارثه الابناء عن آبائهم جيلاً بعد جيل، وإلا مَن علم هؤلاء الأطفال الأيزيديين المحرومين والمظلومين، المزروعين في مخيمات النزوح، أن يخرجوا رغم أنف الثلوج، ويحتفلوا بفوز بلادهم، ويرفعوا الأعلام العراقية ويرددوا الاغاني الرياضية والوطنية الحماسية؟! لقد كان الفوز على اليابان إنجازاً فنياً ورياضياً مهماً دون شك لكن الأهم برأيي، تحقيقه في ظل ظروف أمنية، وسياسية، ونفسية صعبة، يحتاج فيها العراقيون حتماً لهذا الفوز، خاصة وأن الرياضة والسياسة (تتناصان)، فتؤدي الرياضة دور وفعل السياسة، والعكس صحيح ايضاً.. ودعوني أذكركم بهزيمة الأرجنتين العسكرية الساحقة أمام إنكلترا في حرب فوكلاند عام 1982، لكن الفتى الأرجنتيني مارادونا ثأر بعدها لوطنه، وتمكن من الحاق هزيمة رياضية تاريخية ساحقة بمنتخب إنكلترا في بطولة كأس العالم عام 1986، والفوز بالكأس، ليخرج الشعب الأرجنتيني عن بكرة أبيه إلى الشوارع وهو يبكي ويرقص ويغني حتى نهار اليوم الثاني .. ! صحيح أن دولة اليابان لم تهزمنا عسكرياً، لكن فوزنا عليها حسب مبدأ التناص بين السياسي والعسكري، يبعث برسالة إلى الشرق والغرب مفادها أن العراق لم يزل (قوياً)، وأن أبناءه مازالوا (أسود الرافدين) .. فلا تستهينوا به ، واحذروا غضبة الحليم !!
رابط أطفال المخيمات الايزيدية يحتفلون بفوز (منتخب بلادهم) على منتخب اليابان :
https://youtube.com/shorts/WM2w_I9T4dw?feature=share
دعاء الوالدة مستجاب .. ايمن حسين وأمه بعد الفوز
*
اضافة التعليق