بغداد- العراق اليوم: تدرك البشريّة، بطريقة أو بأخرى، أنّ وجودها على الكوكب ليس مضموناً. حدثت عمليّات انقراض واسعة للحياة في الماضي، وثمّة احتمال كبير لتكرّرها في المستقبل. لكنّ الإشكاليّة تكمن في هذا "الاحتمال" نفسه. هل لدينا رقم واقعيّ عنه؟
بحسب الفيلسوف الأستراليّ توبي أورد، الإجابة هي نعم: 1 من بين 6، أو تقريباً 17 في المئة. لكن هل هذا الرقم واقعيّ؟
تناول أستاذ علوم البيانات في جامعة بوند الأستراليّة ستيفن ستيرن هذا الرقم في موقع "ذا كونفرسيشن". وكتب ستيرن: سنة 2020، نشر الفيلسوف توبي أورد المقيم في أكسفورد كتاباً بعنوان "الهاوية" يتطرق إلى خطر انقراض الإنسان. وقدّر احتمالات وقوع "كارثة وجوديّة" لجنسنا البشريّ خلال القرن المقبل بواحد من كل ستة. إنّه رقم محدّد تماماً، ومثير للقلق. احتلّ هذا الادّعاء عناوين الأخبار آنذاك، وأصبح مؤثّراً منذ ذلك الحين، وقد طرحه مؤخّراً السياسي الأستراليّ أندرو لي خلال خطاب ألقاه في ملبورن. من الصعب الاختلاف مع فكرة أنّنا نواجه آفاقاً مثيرة للقلق على مدى العقود المقبلة، بدءاً بالتغيّر المناخيّ والأسلحة النوويّة ومسبّبات الأمراض المعدّلة وراثيّاً (وهذه جميعها قضايا كبيرة بحسب وجهة نظري)، إلى الذكاء الاصطناعي المارق والكويكبات الكبيرة (والتي قد أراها أقلّ إثارة للقلق).
ولكن ماذا بشأن ذلك الرقم؟ من أين يأتي؟ وما الذي يعنيه حقّاً؟
تقليب العملة والتنبّؤات الجوّيّة
للإجابة على هذه الأسئلة، يتعيّن علينا الإجابة على سؤال آخر أولاً: ما هو الاحتمال؟ النظرة الأكثر تقليديّة للاحتمال تسمى التكراريّة، وتستمدّ اسمها من تراثها في ألعاب النرد والورق. من هذا المنظور، نعلم أنّ ثمّة احتمالاً واحداً من ستة في أن يُظهر حجر النرد عند رميه الرقم ثلاثة (على سبيل المثال) من خلال ملاحظة تكرّر هذا الرقم في عدد كبير من الرميات. أو فكّروا في الحالة الأكثر تعقيداً للتنبؤات الجوية. ماذا يعني عندما يخبرنا رجل الأرصاد الجوّيّة أنّ هناك احتمالاً لسقوط أمطار غداً بنسبة واحد من ستة (أو 17 في المئة)؟ من الصعب تصديق أنّ خبير الأرصاد الجوّيّة يقول لنا أن نتخيّل مجموعة كبيرة من أيام "الغد" والتي ستشهد نسبة معيّنة منها هطول الأمطار. بدلاً من ذلك، نحتاج للنظر إلى عدد كبير من هذه التنبّؤات ومعرفة ما حدث بعدها. إذا كان المتنبّئ جيّداً في عمله، فيجب أن نرى أنّه عندما قال إنّ "فرصة هطول أمطار غداً هي واحدة من كل ست" فرص، أمطرت في اليوم التالي مرّة واحدة من كل ست مرات. لذلك، يعتمد الاحتمال التقليديّ على الملاحظات والإجراءات. من أجل احتسابه، نحتاج إلى مجموعة من الأحداث المتكرّرة التي نبني عليها تقديرنا.
هل يمكننا التعلّم من القمر؟
ما الذي يعني هذا بالنسبة إلى احتمال انقراض الإنسان؟ مثل هذا الحدث سيتحقّق لمرّة واحدة: بعد وقوعه، لن يكون هناك مجال لتكراره. عوضاً عن ذلك، قد نجد بعض الأحداث الموازية لنتعلّم منها. في الواقع، يناقش أورد في كتابه عدداً من أحداث الانقراض المحتملة، والتي يمكن فحص بعضها تحت ضوء التاريخ. على سبيل المثال، يمكننا تقدير فرص تعرّض الأرض لاصطدام كويكب بحجم يثير انقراضاً من خلال فحص عدد هذه الصخور الفضائيّة التي ضربت القمر على مدار تاريخه. فعل ذلك عالم فرنسيّ يدعى جان-مارك سالوتي سنة 2022، حيث احتسب احتمالات وصول مستوى الانقراض في القرن المقبل إلى نحو واحد في 300 مليون. بطبيعة الحال، إنّ مثل هذا التقدير محفوف بعدم اليقين، لكنّه مدعوم بشيء يقترب من حساب التردّد المناسب. على النقيض من ذلك، يقدّر أورد خطر الانقراض بسبب كويكب بنسبة واحد في المليون، على الرغم من أنّه يشير إلى درجة كبيرة من عدم اليقين.
نظام تصنيف للنتائج
ثمّة طريقة أخرى للتفكير في الاحتمال، تسمّى الإحصاء البايزيّ نسبة إلى عالم الإحصاءات الإنجليزي توماس بايز. إنّه يركّز بشكل أقلّ على الأحداث نفسها ويركّز أكثر على ما نعرفه ونتوقّعه ونؤمن به. بعبارات بسيطة جداً، يمكننا القول إن البايزيّين يرون الاحتمالات كنوع من نظام التصنيف. من وجهة النظر هذه، لا ينبغي أخذ الرقم المحدّد المرتبط بالاحتمال بشكل مباشر، بل عوضاً عن ذلك، يجب مقارنته بالاحتمالات الأخرى لفهم النتائج الأكثر احتمالاً. يحتوي كتاب أورد مثلاً على جدول لأحداث الانقراض المحتملة وتقديراته الشخصيّة لاحتمالاتها. من وجهة نظر بايزيّة، يمكننا أن ننظر إلى هذه القيم على أنها مراتب نسبيّة. يعتقد أورد أنّ الانقراض بسبب ضربة كويكب (واحد في المليون) أقلّ احتمالاً بكثير من الانقراض بسبب تغيّر المناخ (واحد في الألف)، وكلاهما أقل احتمالاً بكثير من الانقراض بسبب ما يسمّيه "الذكاء الاصطناعي المحايد" (واحد في عشرة). تكمن الصعوبة هنا في أنّ التقديرات الأوّليّة لاحتمالات بايزيّة (والتي تسمى غالباً "الأسبقيّات") هي تقديرات ذاتيّة إلى حد ما (على سبيل المثال، سأصنّف فرصة الانقراض القائم على الذكاء الاصطناعيّ في مرتبة أقلّ بكثير). ينتقل المنطق البايزيّ التقليديّ من "الأسبقيّات" إلى "اللاحقيّات" من خلال دمج الأدلّة الرصديّة للنتائج ذات الصلة مرّة أخرى من أجل "تحديث" قيم الاحتمال. مرّة أخرى، إنّ النتائج المتعلّقة باحتمال انقراض الإنسان ضئيلة على أرض الواقع.
تقديرات ذاتيّة
ثمّة طريقتان للتفكير في دقّة وفائدة الحسابات الاحتماليّة: المعايرة والتمييز. المعايرة هي صحّة القيم الفعليّة للاحتمالات. لا يمكننا تحديد ذلك بدون معلومات الرصد المناسبة. من ناحية أخرى، يشير التمييز ببساطة إلى التصنيفات النسبيّة. ليس لدينا أساس للاعتقاد بأنّ قيم أورد تمّت معايرتها بشكل مناسب. وبطبيعة الحال، ليس من المرجّح أن تكون هذه هي نيّته. هو يشير بنفسه إلى أنّها مصمّمة في الغالب لإعطاء مؤشّرات "مرتّبة من حيث الحجم". مع ذلك، ومن دون أيّ تأكيد رصديّ ذي صلة، إنّ معظم هذه التقديرات ببساطة هي مجرد تخمينات
لم تتمّ معايرتها جيداً، لكن ربّما لا تزال مفيدة
إذاً، ماذا نفهم من "واحد من ستّة"؟ تقترح التجربة أنّ معظم الناس ليس لديهم فهم كامل للاحتمال (كما يتضح، من بين أمور أخرى، من الحجم المستمرّ لمبيعات تذاكر اليانصيب). في هذه البيئة، إذا كنت تقدّم حجّة علنيّة، فإنّ تقدير "الاحتمال" لا يحتاج بالضرورة إلى أن تتمّ معايرته جيّداً - بل يحتاج فقط إلى أن يكون له النوع الصحيح من التأثير النفسيّ. من هذا المنظور، أودّ أن أقول إنّ عبارة "واحد من كلّ ستة" تناسب الفاتورة بشكل جيّد. قد يبدو "واحد من كل 100" صغيراً بما يكفي لتجاهله، في حين أنّ "واحد من كل ثلاثة" قد يثير الذعر أو يتم تجاهله باعتباره هذياناً أبوكاليبتيّاً. كشخص قلق بشأن المستقبل، آمل أن تحظى المخاطر مثل تغيّر المناخ وانتشار الأسلحة النوويّة بالاهتمام الذي تستحقه. ولكن كعالِم بيانات، آمل أن يتمّ ترك الاستخدام المتهوّر للاحتمال على جانب الطريق واستبداله بالتثقيف على نطاق واسع حول معناه الحقيقي واستخدامه المناسب.
*
اضافة التعليق