بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة
ثمة ارتباط وجداني وثيق بين الإمام الحسين عليه السلام، وبين العراق. وهذا الارتباط القوي الذي يصل أحياناً حد التشابك بين أغصان وجذور وأفياء وأثمار هاتين الشجرتين العظيمتين، وأقصد بهما شجرة الإمام الحسين العالية، وشجرة العراق الوارفة، هو ارتباط سريالي، يحتاج فيه المرء الى ثقافة خاصة، ووعي ودراية متقدمة، ومشاعر صافية، وإيمان وطني وعقائدي كبير، كي يستطيع معرفة سر هذه العلاقة الاستثنائية بين سيدي الحسين، وسيدي العراق..!! ولعل الصعوبة تكمن في أن طريق مكة أو المدينة لم يكن يوماً مفروشاً بالورد امام القاصدين لارض العراق، وكان الحسين يعلم جيداً مخاطر هذا الطريق، وله في تجربة أبيه الإمام علي بن أبي طالب درس في ذلك، لاسيما وأن جرح النبوة باستشهاد الإمام علي في كوفة العراق لم يزل ندياً، وأخضر ، فلماذا قصد الحسين أرض العراق دون أرض غيرها؟! أهو القدر المبارك، أم الصدفة، أم أن الطبيعة والأقدار والصدفة وحظوظ العراقيين اجتمعت كلها، لتمنح العراق بركة هذا الدم الشريف، ويصبح العراق من كربلائه حتى أبعد شبر في خارطته مقدساً بوهج الحسين، ونعمة وجوده.. ولكي أكون دقيقاً فإني لن أستطيع الاجابة لوحدي على هذا السؤال الصعب، لذلك أحتاج الى أكثر من رأي، وأكثر من جواب على سؤال يراودني كثيراً، وهو كيف نسجت هذه العلاقة بين هذين الحبيبين في دمي، وهل أن غيري من الناس تنبه لهذه العلاقة المتينة مثلي، ولهذا الحب الفريد أيضاً؟ لماذا العراق والحسين يمشيان معاً في دمنا، ويسريان سوياً في عروق حياتنا دون أن يفارق أحدهما الآخر كل هذه السنين التي لاتعد ولا تحصى؟. فأية صحبة، ورفقة جميلة جمعت بين هذين المقدسين (الحسين والعراق)، وهما يقيمان الى الأبد في أرواحنا الطاهرة؟
صحيح أن هناك كثيرا من المعشوقين، والعظماء في حياتي، فأمي مثلاً التي هي عندي أغلى من روحي، وأبي الذي يحبه الناس أكثر منا، والحزب الشيوعي الذي أعطيته زهرة شبابي، وأعطاني الثقة والشروط والمبررات في أن اكون (إنساناً) بكل معنى الكلمة، وعلي بن أبي طالب، الذي لا يقاس حبه عندي، وعند أفراد عائلتي بمقياس قط.. حتى أن ابنتي (زهراء) التي تسكن مع أخوتها في الولايات المتحدة، قد تعرضت قبل فترة لسؤال مفاجئ من احدى زميلاتها الأمريكيات، التي زارتنا في البيت، عن صاحب الصورة الكبيرة جداً، المعلقة في الصالة - والصورة للإمام علي - فأجابتها ابنتي زهراء (بالإنجليزية طبعاً) دون تأخير أو تفكير: (هذه صورة ربنا الثاني)! فقلت لها بحدة: كيف تقولين هذا يا بنتي..حرام؟ فضحكت، وقالت رغم صغر سنها: لا اعتقد أن الله سيغضب أو يزعل من كلام جميل بحق الإمام علي، حتى لو كان الكلام مبالغاً فيه..! إذاً فمكانة الإمام علي عندي، ومحبة أمي التي لا تضاهيها محبة، وروعة والدي في نظري، ونظر الناس أيضاً، (وغلاوة) الحزب الشيوعي في قلبي، فضلاً عن مساحة الحب الواسعة لزوجتي وأولادي، وأصدقائي الذين احب بعضهم أكثر من حبي لأفراد أسرتي، فهي كلها كبيرة ومهمة، لكني صدقاً لا أعرف لماذا يرتبط عندي الحسين بالعراق؟ ولماذا يحضر الحسين في وجداني حين أبكي على العراق.. ويحضر العراق في عيني عندما أبكي على الحسين.. ولماذا أشتاق لرؤية قبة الحسين، ومرقد الحسين، وشباك ضريح الحسين بمجرد أن يهزني الشوق الى العراق حين أكون بعيداً عنه..؟ ولماذا أيضاً أشتاق لرؤية العراق عندما أشتاق الى كربلاء.. ما سرِّ هذا التداخل العجيب بين هذين الرمزين الحبيبين؟. وما سرِّ هذا التلاقي بين حب هذين ( الشيئين )؟ .. فاليوم مثلاً، وأنا في أمريكا، تأتي أربعينية الحسين، فتمنيت أن أكون هناك في هذه الأيام الحزينة، وأمشي مع الماشين على الأقدام الى كربلاء، ولكن سرعان ما حضر العراق أيضاً في هذا التذكر، واشتبك الأسى في عيني، فبكيت دمعتين، واحدة على العراق وواحدة على الحسين!! أيها العراق المقدس، سيُلعَن قتلتك الى الابد، كما يلعن اليوم وغداً قتلة الحسين، ولا فرق في أن يكون قتلة العراق أو سارقوه وناهبوه من أهل الشام، أو من أهل الكوفة، أو من ( غيرهما)، فالناس تلعن يزيد كل ساعة، وستلعن معه كل القتلة واللصوص الذين جاؤوا بعده، بدءاً من صدام حسين مروراً بأبي مصعب الزرقاوي وانتهاءً بمجرمي ومنفذي ومخططي (سرقات القرن)، دون تمييز.. فشكرا لمصيبة العراق التي تذكرني بالحسين كل حين، وشكراً لفاجعة الحسين التي تذكرني بفاجعة العراق كل يوم.
*
اضافة التعليق