(احمني يا دولة الرئيس).. سيدة عراقية  تستنجد بالسوداني

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

تلقيت من سيدة عراقية، اربع رسائل صوتية (بصمات)، عن طريق الزميل العزيز الكاتب رحيم يوسف، تطلب مني المساعدة بإيصال قضيتها الى دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأن أتولى شخصياً عرض هذه المناشدة على دولته.. 

ولا أكشف سراً لو قلت إني في البدء استغربت هذا التكليف، لأن علاقتي بالسيد السوداني عادية، بل هي أقل من العادية، وإن ثمة زملاء (قريبون) جداً من السيد السوداني ومتواصلون معه جداً، كما إن علاقتهم به أقوى وأوثق من علاقتي به، فلماذا اختارتني هذه السيدة دون غيري ؟!

وهنا تذكرت المقالة التي كتبتها قبل فترة وجيزة، والتي عرضت فيها على الرئيس السوداني مشكلة (بيت) الشاعر العزيز جبار صدام، وقد استجاب وقتها دولته، وقام بحل المشكلة مشكوراً. 

لذا فكرت في أن تكون هذه السيدة قد سمعت بهذا الامر، وظنت ان علاقتي بالرئيس محمد السوداني (دهن ودبس)، وإن كل ما أطلبه منه ينفذ حالاً، لذلك اختارتني لهذه المهمة.. لكني لم أستسلم  لهذا الاعتقاد، فانا صحفي ولعل من أشرف مهمات الصحفي، إيصال معاناة الناس الى المسؤول، وهذا ما فعلته اليوم..

لقد استمعت للرسائل الصوتية الأربع بدقة تامة، فوجدت فيها عرضاً لمشكلة تتعلق بمشغل تملكه وتديره هذه السيدة، حيث يضم هذا المشغل أكثر من سبعين عاملة -أغلبهن من الأرامل والمطلقات، وصبايا يتيمات، لا معيل لهن- وهذا المشغل الذي يقع في السماوة، قضاء الخضر، مختص بالحياكة والنسيج، والتطريز والعمل التراثي المميز، ويضم عدداً من اقسام الحياكة والصبغ وغير ذلك.. ومنتجه كما فهمت يحظى بتقدير واعجاب الجميع، بسبب خصوصيته وجودته الفنية العالية .. رغم ان المشغل عبارة عن بناء جاهز يسمى سندويچ بنل: 

( Sandwich Panel)

وإن أرضه التي مساحتها 200 متر، مملوكة لبلدية الخضر، مجتزأة ومستقلة عن ارض مساحتها 1200 م،ولأن ملكية الارض تعود للبلدية، فقد استأجرتها هذه السيدة منها منذ سنوات، لكن السادة في البلدية يمارسون ضغوطاً كبيرة عليها، كزيادة قيمة الايجار الى ثلاثة اضعاف، وحين وافقت المسكينة مكرهة على هذه الزيادة، توجهوا الى اسلوب التهديد بالطرد، بحجة بيع الأرض لأحد المستثمرين، وغير ذلك من اساليب الابتزاز التي يجيد فنونها مثل هؤلاء !

وللحق فإن هذه السيدة خائفة وقلقة، ليس فقط على مصير هذا المشغل، والذي هو باب رزقها، ورزق عيالها، إنما خوفها الأكبر على مصير هؤلاء النسوة، اللائي يكسبن قوتهن بشرف، ويحصلن على لقمة عيشهن وعيش عوائلهن من عملهن في هذا المشغل، الذي تتوفر فيه كل الشروط القانونية والأسرية والأخلاقية، حتى بات بمثابة البيت الثاني لهؤلاء النسوة والبنات الكادحات.. 

وهنا أود أن أشير الى أمرين لفتا انتباهي في هذه البصمات الصوتية الموجعة.. وهما عندي الأهم في الموضوع.. اولهما فرحي وسعادتي بأن في العراق ( الآن) وفي هذه الظروف التاريخية المعقدة، سيدات مجاهدات يتحملن بشرف مسؤولية طبقية واجتماعية واخلاقية دون ضجيج، وبلا اعلام مزيف، وبهرجة (السوشل ميديا)، فهن يكدحن ويساعدن أيضاً نساء وبنات أخريات على العمل الشريف، ولا يدعن هؤلاء السيدات يقفن في طوابير إعانات الرعاية الاجتماعية ينتظرن رواتبها الشحيحة، والمذلة!

أما الأمر الثاني، فهو لجوء هذه السيدة الى مناشدة اخيها (رئيس وزراء العراق) وليس غيره، فهو المسؤول الأول عن الدولة العراقية والمواطنين العراقيين- وهي مواطنة عراقية - ولها الحق بالتوجه اليه بل والاستقواء به دون حرج، على من يريد ابتزازها وتدمير حياتها وحياة سبعين عائلة عراقية أخرى.. وفي هذه الجزئية، فإن مناشدة هذه السيدة لأخيها (السوداني)، وطلب المساعدة منه في مواجهتها لتهديدات بلدية الخضر عبر جريدة الحقيقة، أي عبر وسيلة من وسائل الاعلام الوطني الملتزم، وليس عبر استخدام إحدى فاعليات (الطشة) او  ما يسمى بـ (المحتوى الهابط)، وما شابه ذلك،  لهو امر يثير الاعجاب والتقدير فعلاً.. فأصحاب الغايات السليمة لا يسلكون سوى الطرق والوسائل السليمة لتحقيقها..

إن هذه السيدة لا تطلب من دولة الرئيس مالاً، ولا قصراً، ولا سيارة، ولا تبتغي إطلاق سراح مسجون أو معتقل لها، ولا تطلب وظيفة لأحد أقاربها، إنما تريد فقط أن يحميها، ويحمي معها سبعين حرة عراقية، من أنياب الفقر والعوز، والحاجة، وأن يصد عنهن مخالب الشارع، وما أدراك ما في الشارع من مصائب  ومخالب في هذا الزمن الذي لا يرحم.. 

إن شرف هؤلاء السيدات الكادحات، و ( ستر ) هؤلاء البنات العاملات في هذا المشغل، أمانة في عنق أخيهن الكبير، رئيس وزراء العراق محمد شياع .. وهذه الحماية تتمثل بالابقاء على هذا المعمل شغالاً، وأبواب رزقه الحلال مفتوحة، من خلال بيع الارض لهذه السيدة بما يقدر سعرها أصحاب الشأن والإختصاص، او منحها عقد إيجار رسمي لعشرين سنة مثلما معمول به في الكثير من الحالات المشابهة.. كي يمكن تشييد بناية حقيقية لائقة للمشغل، وبهذا لن تجرؤ أضراس الابتزاز على نهشها.. 

ختاماً أقول لدولة الرئيس: إن حماية هذه الأسر الكادحة والفقيرة من الضياع والزلل والخلل، مسؤوليتك الوطنية، والشرعية، والأخلاقية أولاً.. فهؤلاء هم أهلك يادولة الرئيس، وحمايتهم واجبك الوظيفي قبل أن يكون واجبي، فهل يعقل أن يرتجف قلبي خوفاً وقلقاً ووجعاً على حفيدات أبطال (ثورة العشرين) النجيبات، الطاهرات، المكافحات، الكادحات، ولا يستجيب قلبك لندائهن الموجع!.. وحاشا لابن مدينة العمارة أن لا يسمع صرخة حرة عراقية استغاثت به، ونداء أخت نجيبة استنجدت بنخوته..

إن العمل- برأيي - أسلم الوسائل والطرق لحماية بيرق الشرف العالي من السقوط .. ذلك الشرف الغالي والعزيز على كل عراقي غيور.. وكما قال مفخرة الشعر العراقي، مظفر النواب، في قصيدة (حسن الشموس) على لسان أم من أهوار ميسان، وهي تخاطب ولدها بشموخ، قائلة: - چا هو الشرف شكلين.. جاوبني؟

ولا أظن ان أحداً سيجيبني بغير جواب واحد مفاده: ان الشرف شكل واحد، وليس شكلين قطعاً ..

لذا، ونحن نتحدث عن الشرف ليل نهار، ونردد  هذه الكلمة التي دخلت بقداستها منظومة حياتنا واحتلت أسمى المواضع في ضمائرنا، وأريق من أجلها الدم الطهور.. كما يقول المتنبي : (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم)! يتوجب علينا توفير البيئة الآمنة لعناصر الشرف، وحماية عفته قبل فوات الأوان لا سمح الله..

فلماذا نريق على جوانبه الدم، ولا نحترس قبل أن تقع الفأس بالرأس؟!

وسيكون الامر رائعاً حين تنتبه الدولة الى دعم المشاريع النسوية، فالعوز والبطالة والأمية وكبت الحريات، أسلحة فتاكة لإسقاط ( الشرف الرفيع) واجباره على الرضوخ لعوامل الزلل والرذيلة، فالشرف يستقوي عوده وايمانه، بالوعي والتربية، والعمل والقيم والوطنية والاحترام المتبادل..

وحين نجد ومضة نسوية هنا وإضاءة مميزة لنسائنا هناك،  أو مشروعاً مثمراً  تقوده سيدة عراقية، وتشغله فتيات عراقيات، في أية بقعة عراقية، يجب علينا - كمسؤولين واعلام مهني وطني مسؤول واع- أن نحرسه بحدقات عيوننا ونبضات قلوبنا.. أليس كذلك يا دولة الرئيس؟.

علق هنا