مختصر مفيد:
1. عدو عدوي صديقي
2. الرياض تغض الطرف وتجيد المجاملة
3. الشراكة الاستراتيجية تعيد إعلاء صوت "السياسة الرشيدة"
.4 السعوديون أثرياء ويدفعون بسخاء
وصف مستشار ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لقاءه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ"نقطة تحول تاريخية"، حيث احتفت وسائل الاعلام السعودية اللقاء بشكل لافت للنظر، وتحدثت عن الانسجام التام بين الرجلين في العديد من المواقف.
وذكر موقع ساسة بوست، بأنه قبل شهور قليلة، لم تكن العلاقة بين "ترمب المرشح" والرياض بهذا الدفء فقد حفلت حملة ترامب الانتخابية بالكثير من الجمل المتهكمة على الرياض وحكامها، مهددًا بأن "المملكة لن تصمد طويلًا بدون الأميركيين، ومتوعدًا بالتوقف عن قبول واردات النفط من الخليج ما لم يرسلوا قواتهم لمحاربة داعش، أو على الأقل يدفعوا للأميركيين أتعابًا لقاء ذلك.
وتسأل الموقع"فما الذي قلب المعادلة؟ ولماذا يمكن أن تصبح السعودية حليفًا وثيقًا لترمب رغم عدائه الظاهر للمسلمين؟"، واضاف " هناك 4 اسباب لجواب هذه الاسئلة وهي كالأتي:
عدو عدوي صديقي
منذ اللحظة الأولى لبروزه في المشهد السياسي، حمل ترمب على عاتقه شن هجوم إعلامي على طهران متى توافرت الفرصة لذلك، فقد أعرب خلال حملته الانتخابية عن معارضته للصفقة النووية التي وقعتها إدارة أوباما مع ايران، واصفًا إياها بـ"أسوأ صفقة في التاريخ"، رافضًا مبدأ التفاوض مع إيران، واصفًا إياها بأنها "دولة احتلال".
ومنذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض، واصل ترمب هجومه على النظام الإيراني، فوصفه "بالراعي الأول للإرهاب في العالم" متعهدًا بمواجهته، وشن هجومًا على إدارة أوباما التي اتهمها بـ"ـتسليم" العراق إلى طهران بعد الغزو، وقد كانت إيران أولى الدول التي قررت الإدارة الأميركية الجديدة فرض عقوبات عليها حين أقدمت على تجربة إطلاق صاروخ باليستي، فكان الرد الأمريكي سريعًا بفرض عقوبات جديدة على الشركات التي تورد معدات إلى البرنامج الصاروخي الإيراني.
كما نشرت واشنطن المدمرة الحربية "كول" قبالة سواحل اليمن، فيما وصفته بأنه خطوة ضرورية لحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب الاستراتيجي، ما رآه مراقبون إشارة تصعيد أميركية ضد نفوذ إيران في الساحة اليمنية، كما أن إيران كانت من بين الدول التي شملها قرار ترمب الأول والثاني بحظر السفر، رغم أنها لا تعاني من اضطرابات أمنية فعلية قد تجعل لإدراجها ضمن القائمة مسوغًا مفهومًا.
وربما حملت تلك الإشارات رسالة طمأنة إلى السعوديين الذين تأكدوا أن الرئيس الجديد لا يحمل إلا العداء لإيران التي تصنفها الرياض عدوًا أولًا وثانيًا وثالثًا، وخففت من حدة التخوفات السعودية نتيجة التصريحات العدوانية السابقة لترمب تجاه المملكة -إبان الحملة الانتخابية- فكانت العداوة المشتركة لنظام خامنئي هي البوابة الرئيسية التي أُعلن من خلالها عن تجديد التحالف الاستراتيجي القائم بين البلدين منذ عقود.
ومما يؤكد ذلك ما جاء في البيان الختامي للبيت الأبيض الذي أكد أن محادثات الرجلين قد أشارت إلى "أهمية التصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وذلك بالتزامن مع استمرار عملية تقييم وضمان التطبيق الصارم للخطة المشتركة الشاملة للعمل حول برنامج إيران النووي".
الرياض تغض الطرف وتجيد المجاملة
على عكس الإيرانيين الذين لا يتورعون عن خوض "معارك الميكروفون" مع الولايات المتحدة، فيقابلون التهديد بالتهديد والتلميح بالتصريح، فإن المسؤولين السعوديين قد حرصوا على انتهاج سياسة إعلامية أكثر هدوءًا تجاه الإدارة الأميركية الجديدة، وهو الأمر الذي يبدو أنه قد أتى بثماره أخيرًا فمنع المزيد من التصعيد بين الجانبين.
فرغم أن السعودية قد تعرضت لهجوم إعلامي من ترمب خلال الحملة الانتخابية كما ذكرنا، فإن الرد الرسمي لم يكن بذات القسوة، بل قابل وزير النفط السعودي خالد الفالح تهديد ترمب بأنه سيجعل الولايات المتحدة تتوقف عن شراء النفط من المملكة بالتأكيد أن ذلك سيحمل الكثير من الضرر على اقتصاد الولايات المتحدة نفسها.
ولم يكد الرئيس الجديد يخطو بقدميه إلى داخل البيت الأبيض، حتى سارع المسؤولون السعوديون إلى التقرب إليه، والبعث برسائل الود إلى إدارته، فكان الملك سلمان من أوائل زعماء العالم الذين هاتفوا ترامب فور توليه منصبه، ووافق على طلب الرئيس الأميركي بدعم إنشاء مناطق آمنة في سوريا واليمن.
كما أن الرياض -وهي الدولة الإسلامية الكبرى- وفي موقف مفاجئ للكثيرين لم تُبد غضبًا رسميًا من قرار الرئيس الأميركي، بل ذهبت الحكومة السعودية أبعد من ذلك حين دافعت على لسان وزير الطاقة عن "حق الولايات المتحدة في ضمان أمن وسلامة شعبها" الأمر الذي يُقرأ باعتباره إشارة على عدم رغبة الرياض في توجيه أي نقد إلى إدارة ترمب، حرصًا على عدم استعدائها مبكرًا.
وقد أعادت السعودية التأكيد على الموقف السابق بعد اللقاء بين ترمب وبن سلمان، إذ أشار بيان لأحد كبار مستشاري ولي ولي العهد السعودي أن "المملكة لا ترى في هذا الإجراء -أي قرار ترامب بخصوص تعليق السفر- أي استهداف للدول الإسلامية أو الدين الإسلامي بل هو قرار سيادي لمنع دخول الإرهابيين إلى الولايات المتحدة".
الشراكة الاستراتيجية تعيد إعلاء صوت "السياسة الرشيدة"
تأسست العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية -ومنطقة الخليج العربي عمومًا-، على أساس معادلة "النفط مقابل الحماية" التي شكلت أساس ذلك التحالف بشكل أكثر وضوحًا في "عقيدة كارتر" التي نصت على أن "للولايات المتحدة مصالح أمنية حاسمة في منطقة الخليج المستقرّة وستدافع عن المنطقة بالقوة إن تطلب الأمر".
كان تدفق النفط العربي أمرًا حيويًا للولايات المتحدة لعقود طويلة، ومن ثم فقد أصبح من الضروري لصناع القرار في واشنطن الحفاظ على علاقات مودة مع الملوك الذين يحكمون منطقة الخليج العربي الغنية بالسائل الأسود، وقد سارعت الولايات المتحدة لإرسال قواتها لحماية المملكة حينما بدا أن نظام صدام حسين على وشك تشكيل تهديد لحليف واشنطن العتيق.
وحتى بعد أن تراجعت أهمية النفط السعودي داخليًا بالنسبة للأميركيين -مع صعود نجم النفط الصخري-، ظلت الشراكة الاستراتيجية قائمة وراسخة، إذ ليس من مصلحة واشنطن بحال فقدان السيطرة على أحد أهم منتجي الطاقة عبر العالم.
ولا تتوقف الشراكة الاستراتيجية عند مسألة النفط، بل تُعتبر المملكة أحد أكبر حلفاء واشنطن الأمنيين في الحرب على "الإرهاب"، فهما شريكان في الحرب على داعش وتنظيم القاعدة.
ظلت علاقة التحالف بين الجانبين أحد مسلّمات العلاقة الدولية لعقود طويلة، وحتى بعد أن قررت إدارة أوباما انتهاج مقاربة أكثر تسامحًا حيال إيران، كانت حريصة على تأكيد أن ذلك التقارب النسبي لن يؤثر على العلاقة مع المقابل العربي، وأنه سيظل محكومًا بخطوط حمراء ممثلة بأمن دول الخليج وفي مقدمتها بالطبع المملكة العربية السعودية، حتى وإن شاب تلك العلاقة بعض التوترات مثل "قانون جاستا" المثير للجدل.
تعيد زيارة ابن سلمان إذًا التأكيد على أن "صوت السياسة" سيأخذ مجراه داخل إدارة ترمب، وأن هجوم الرجل على السعودية إبان حملته الانتخابية قد لا يعكس سلوك إدارته تمامًا، وأنه لا تغيير في العلاقات الاستراتيجية التاريخية التي حكمت سياسة الولايات المتحدة لعقود طويلة، على الأقل في المدى المنظور.
السعوديون أثرياء ويدفعون بسخاء
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن السعودية هي دولة "ثرية" للغاية، لا يمكن المجازفة بفقدان صداقتها بسهولة، وهي أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لواشنطن في الشرق الأوسط بأكمله، فهي تضخ نحو مليون برميل من النفط يوميًّا إلى السوق الأميركية، بل إن الأيام القادمة تنبئ بتعاون أكثر طموحًا، إذ تحمل "رؤية المملكة 2030" خطة اقتصادية طموحة لتنويع ركائز الاقتصاد السعودي، وصرف جهد أكبر إلى التجارة والاستثمارات الخارجية، وفي مقدمة ذلك بالطبع ستكون الولايات المتحدة الأمريكية أحد أبرز المستفيدين من هذا التعاون المفترض.
كما أن السعودية تعد زبونًا دائمًا لدى شركات السلاح الأميركية، إذ كشفت التقارير أن المملكة تصدرت قائمة مشتري الأسلحة الأميركية ما بين عامي 2011 و2015، من مقاتلات الـ(F15) إلى دبابات أبرامز (M1A1) وكذلك مروحيات الأباتشي الهجومية وبطاريات صواريخ الباتريوت، وقد أظهر تقرير أن إدارة أوباما عرضت على السعودية أسلحة وغيرها من العتاد العسكري والتدريب بقيمة تزيد عن 115 مليار دولار، وهو أكبر عرض تقدمه أي إدارة أمريكية على مدى 71 عامًا من التحالف بين البلدين.
ثمة صورة أخرى للأموال السعودية الموجهة إلى الداخل الأميركي، ربما نتحدث هنا عن "لوبي" سعودي في واشنطن، إذ تعاقدت السعودية مع عدد كبير من شركات اللوبي مثل "سكوير باتون بوجز"، و"بوديستا جروب"، كما ظهر منذ شهور لوبي مباشر خاص بالسعودية على نمط اللوبي الإسرائيلي (ايباك)، وأُطلق عليه اسم "لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأميركية (سابراك)" ويترأسه سلمان الأنصاري.
قد يرى البعض أن ترمب في الواقع لا يكره جميع المسلمين، وإنما كراهيته موجهة نحو الفقراء منهم فقط، أما المسلمون الأثرياء فلا يبدو أن الرجل يحمل لهم الكثير من البغضاء، ولدى ترمب "رجل الأعمال" شركاء تجاريين من المسلمين الأثرياء، ومن ثم فإن ترمب "الرئيس" الذي يكره المسلمين ولا يتورع كل يوم عن الإشارة إلى "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، لن يجد غضاضة على الأرجح في الإبقاء على تحالفه مع إحدى أكبر الدول الإسلامية، طالما أن ذلك يقوده إلى تحقيق مصالحه.