بغداد- العراق اليوم:
مع اقتراب زوال داعش إلى أين يتجه مقاتلوه؟...هذا السؤال بات يتردد على ألسنة سياسيين وخبراء في مكافحة الإرهاب في ظل تراجع مساحة سيطرة التنظيم الإرهابي، خاصة خلال الأشهر الست الأخيرة. وكتب في مجلة ذا أتلانتيك كولين كلارك، عالم سياسي في مؤسسة راند، وزميل في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وآمارناث آماراسينغام، زميل بارز في معهد الحوار الاستراتيجي في برنامج عن التطرف تابع لجامعة جورج تاون أنه مع تواصل الهجوم غرب الموصل، وتراجع موارد داعش المالية بمقدار النصف، ووصول آلته الإعلامية إلى الحضيض، يبدو أن نهاية الخلافة باتت حتمية. وبات من الواضح أن القوات الأمريكية وحلفاءها سيهزمون التنظيم عبر قتل واعتقال مقاتليه، وطردهم من كبرى المدن والقرى التي سيطروا عليها سابقاً، والاستيلاء، في نهاية المطاف على معقلهم، الرقة.
تركيز وعندها، يرى كلارك وآماراسينغام أن التركيز سوف يتجه نحو مصير مقاتلي داعش الأجانب، الذين قدر عددهم بعشرات الآلاف من عشرات الدول. وهناك عدة احتمالات. عندما يتوقف القتال، سواء عبر القوة، أو من خلال مفاوضات تقود لتسوية، يتوقع أن يتفرق الإرهابيون العابرون للحدود في اتجاهات عدة. ويلفت الباحثان إلى مهارة اكتسبها مقاتلو داعش في التخفي عبر حفر خنادق وشبكات تحت الأرض نقلوا عبرها ذخيرة ومقاتلين، وتمرسوا في إنتاج ونشر عربات مفخخة استخدموها ضد أعدائهم.
الدائرة الضيقة ومن المتوقع أن يبقى المقاتلون الأساسيون، وخاصة من الأجانب الذين هم ضمن الدائرة الضيقة لزعيم داعش، أبو بكر البغدادي وكبار قادته، في سوريا والعراق، والسعي إلى الانضمام للمقاومة السرية لداعش. وفي كل الاحتمالات، يتوقع أن يشكل أولئك المقاتلون شبكة إرهابية خفية. وبالإضافة لشنهم غارات وهجمات كبرى من خلال تكتيكات انتحارية، سيعمدون لإعادة تجميع صفوفهم.
تغيير ولاءات وباعتقاد الباحثين، يحتمل أن يغير هؤلاء ولاءاتهم بين مجموعات منتشرة على الأرض، منها داعش وجبهة فتح الشام وأحرار الشام، وسوف يلجؤون حتماً إلى مناطق خارجة عن سيطرة الحكومتين السورية والعراقية. ورأى بروس هوفمان، خبير في شؤون الإرهاب، أنه في ظل استمرار انهيار داعش، قد يتقارب بعض الجهاديين مع القاعدة كخيار وحيد أمامهم لمواصلة القتال. وقد أوحت لقاءات مع بعض المقاتلين الغربيين في صفوف داعش بوجود فروق إيديولوجية صغيرة بين القاعدة وداعش، ويمكن تجسيرها بسرعة.
مرتزقة ويشير كلارك وآمارسينغام لوجود فئة من المقاتلين ممن يحتمل تحولهم إلى مرتزقة نتيجة استحالة عودتهم إلى أوطانهم. وقد يشكل هؤلاء مجموعة جهادية تتنقل عبر الحدود بحثاً عن مسرح جهادي آخر، في اليمن وليبيا وغرب أفريقيا، أو في أفغانستان، بهدف حماية وتوسيع حدود ما يسمونه "الخلافة". وهؤلاء هم من أشد المقاتلين، ومن نوعية الجهاديين العابرين للحدود الذين شكلوا صفوف القاعدة سابقاً، وحاربوا في أفغانستان ضد السوفييت وفي الشيشان والبلقان. وسيرحبجهاديون آخرون ومنظمات مرتبطة بداعش في تلك المناطق بأمثال هؤلاء الرفاق المتمرسين على القتال.
مجموعة ثالثة ويقول الباحثان إن هناك فئة ثالثة من المقاتلين الأجانب، وهم "العائدون"، وهي الأكثر إثارة لقلق دوائر مكافحة الإرهاب. فقد يحاول هؤلاء العودة إلى أوطانهم الأصلية، ومن ثم الانتشار في أوروبا وآسيا، أو أمريكا الشمالية. وتستطيع دول تتمتع بهيكليات دفاعية قوية، وشرطة حدود ذات كفاءة عالية، وأجهزة استخبارات متطورة، الحد من نشاطهم. ولكن ليست جميع الأجهزة الأمنية الغربية في مستوى واحد، وسيواجه بعضها صعوبات في احتواء خطر هؤلاء المقاتلين الأجانب.
عدم تجانس وبحسب كلارك وآمارسينغهام، ليس جميع أولئك العائدين متجانسين في العقيدة والهدف. فقد ذهب بعضهم إلى سوريا بحثاً عن الدولة الفاضلة أو المغامرة أو للتعبير عن هويتهم الدينية، ولكنهم وجدوا شيئاً شديد البعد عما توقعوه. واستناداً للقاءات ودراسات أخرى، لا يبدي سوريون تقديراً لأولئك المقاتلين الذين قالوا إنهم ذهبوا "لإنقاذهم". فقد استغل هؤلاء وجودهم هناك للاستحواذ على أموال وإتاوات فرضوها على السوريين. ولكن عند عودتهم إلى الغرب، قد يستخدمون لنشر التطرف بين الشباب. ويحتاج هؤلاء لرعاية نفسية، وإعادة تأهيل، وليس للسجن وحسب.