كلُّ عامٍ وفيروز بخير.. رغماً عن أنف الزمن والمرض والشيخوخة

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

اليوم، يصبح عمر (فيروزة) الدنيا، وكنز الجمال، وسفيرة الحب الى النجوم، وجارة القمر، ومغنية الأعياد، ومواسم العصافير، سبعة وثمانين عاماً بالتمام والكمال.

إذن..! سيكون عمر ايقونة الغناء والجمال سبعة وثمانين عاماً، وهو -لغيرها- عمر يستحق التقاعد الأبدي، بعد أن يكون قد عبر صحراء الكهولة والشيخوخة، ودخل- كما يفترض- مرحلة العجز شبه التام..

لكن فيروز لم تزل تحب، وتغني، وتشرق مثل شمس آذار كل صباح، وهي ذاتها التي كانت تسعد الملايين منذ عام 1946، تسعدهم الآن في هذا العام، وفي العام القادم، وستظل تشدو لهم، وتطربهم حتى فجر التاريخ الجديد، ستسعدهم بشدوها الساحر، وحضورها الجذاب. حتى انها وقفت قبل فترة ليست بعيدة، على مسارح الجزائر لتحيي ثلاث حفلات غنائية..

وقد استغرقت إحدى هذه الحفلات خمس ساعات متتالية.. ففيروز لن تكبر، ولا تشيخ مطلقاً. إذ لا يمكن لعُمر أن يعجز وهو يعود لفيروز، ولا صوت يشيخ، وهو صوت فيروز، ولا شدو يموت، وقد زرعه الله بيديه الجليلتين في حنجرة قيثارة السماء.. وسقته الطبيعة بكفيها الجميلتين.. وحاشا لله أن يتخلى عن (فيروزته) في أواخر عمرها، فيهزل روعتها، ويضعف جسدها، ويوهن صوتها البنفسجي في آخر مشاوير العمر.. ثم من قال إن لفيروز عمراً له أول، وفيه آخر..؟

وإذا كانت فيروز تكبر في عدد سنوات العمر مثل أي كائن بشري آخر، فإنها لن تكبر وتشيخ مثل أي كائن بشري آخر، إلا في شهادة الميلاد، وطبعاً فإن شهادة الميلاد لا تملك صوتاً كصوت فيروز، فتغني فيه لشادي، ولحبيبها الذي كتبت اسمه (عالحور العتيق)، أو الذي أحبته بكبر البحر، وبعد السما!!

إن صوت فيروز الذي يشبه النبيذ المعتّق، الذي تزداد جودته، ويغلو سعره كلما تقدم فيه العمر، هو مثل دهن العود الأسطوري، أو عود البخور الهندي الذي يتميز عن غيره، حتى لو كان بين ألف عود. ومثل هذا الصوت لا يمكن أن يكبر، أو يذبل، أو يموت..

فيروز ستصبح في التسعين بعد ثلاث سنوات، وسأحتفل معكم بعيدها او عيدنا التسعين، ورغم التسعين، ستبقى أم زياد، تلك الصغيرة التي تلعب مع شادي، وتظل (بنت زغيرة على سطح الجيران) تطير طائراتها الورقية المصنوعة من (ورق وخيطان).. وتلعب تحت ضوء القمر لعبة العسكر والحرامية.. لقد كبر الزمان وشاخ، وفيروز لم تزل هي هي، ندية، عطرة، مشرقة. مشاكسة كأية طفلة (زغيري)، تخرج لسانها للزمان هازئة به، وساخرة منه، وكأنها تقول له: أتحداك إن وصلتني!!

فيروز الواثقة مما تقول تدرك جيداً أن عصا الزمان لم ولن تصل اليها، لسبب بسيط، هو السبب ذاته الذي اعتمده يوماً الفنان الكبير محمد عبد الوهاب في إجابته على سؤال وجهه له أحد المذيعين عن أجمل الأصوات النسائية في تاريخ الغناء العربي، فذكر عبد الوهاب أسماء ام كلثوم واسمهان وسعاد محمد ونجاة وفائزة وغيرهن، وحين انتهى من ذكر قائمة الأصوات النسائية العربية دون ان يكون اسم فيروز بينها، ادركه المذيع بسؤال عاجل، قال فيه: وأين اسم فيروز من هذه القائمة يا جناب الموسيقار الكبير؟

فانتفض عبد الوهاب، وقال له:

انت سألتني عن الأصوات الجميلة في الأرض، ولم تسألني عن التي في السماء!!.

علق هنا