العواصف الترابية المدمرة تكبد المنطقة 13 مليار دولار.. كم خسر العراق منها؟

بغداد- العراق اليوم:

حتى فترة ليست ببعيدة، لم يكن المرء يتصور حدوث ما يشبه الشلل أكثر من مرة في بلد بكامله جراء العواصف الترابية والغبارية. هذا ما حصل في العراق مؤخرا بسبب قسوة هذه العواصف وتكرارها بشكل غير مألوف من قبل.

ويدل على ذلك أن تسع عواصف حصلت في شهري مايو/ أيار الجاري وأبريل/نيسان الفائت، ما يعني تضاعف عددها قياسا لنفس فترة السنوات الماضية.

أما تبعاتها فلم تقتصر على إغلاق المؤسسات الحكومية والخاصة وتوقف الموظفين عن عملهم وحسب، بل أدت أيضا إلى إغلاق المدارس وتوقف حركة المطارات وتقليص حركة النقل البري والبحري.

كما أن نعومة الغبار الذي تنقله العواصف يتسرب بسهولة إلى الآلات وتجهيزات البنية التحتية الحيوية؛ ما يتسبب في إلحاق أضرار بها أو تخريبها.

وتقدر الخسائر الاقتصادية السنوية الناتجة عن العواصف الرملية والغبارية في منطقة الشرق الأوسط بنحو 13 مليار دولار، حسب البنك الدولي.

وُيعد العراق في مقدمة الدول الأكثر تضرراً بسبب شدة العواصف وتكرارها. وإضافة إلى الخسائر، تتسبب العواصف في انعدام الرؤية وصعوبة التنفس ونقل الآلاف إلى المستشفيات، ليس في العراق وحسب، بل أيضا في دول أخرى مجاورة كالسعودية والكويت والإمارات وسوريا والبحرين.

هذا على المدى القصير، فإن هناك أضرارا كثيرة ليس أقلها هجرة السكان من مناطق العواصف بسبب صعوبة العيش فيها.

لماذا تفاقمت المشكلة؟

يعزو الخبراء حدوث العواصف الترابية المتكررة بوتيرة متصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في العراق، إلى التغيرات المناخية التي يرافقها ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار والتصحر الذي يصيب الأراضي الزراعية والرعوية.

ويزيد الطين بلة تراجع منسوبي نهري دجلة والفرات في العراق؛ لأٍسباب من أبرزها بناء تركيا لمزيد من السدود التي تحجب منابع مياه النهرين عن بلاد الرافدين التي تعتمد عليهما بنسبة 90% منذ آلاف السنين.

كما أن إيران قامت بتحويل منابع العديد من الروافد التي كانت ترفد نهر دجلة وتروي مناطق عديدة في المناطق العراقية المحاذية لحدودها.

وإضافة إلى العوامل الخارجية، هناك عوامل داخلية ساهمت في تفاقم الوضع المائي؛ ومن أبرزها النزاعات المسلحة التي أدت إلى إهمال صيانة السدود وأقنية الري وتحديثها، لاسيما في مناطق الشمال والشمال الغربي حيث يعبر النهرين.

كما أن نظم استهلاك المياه القائم حاليا سواء في الزراعة أو للأغراض الأخرى يهدر الكثير من المياه بسبب أساليب الري بالغمر وتسرب المياه من الشبكات والفساد المالي الذي يعطل ويؤجل تنفيذ الكثير من المشاريع الملحة، بما فيها التي تشمل مياه الشرب المعرضة للشح في مناطق ومدن جنوب العراق خلال السنوات القليلة القادمة.

وقد أدى نقص المياه والأمطار إلى تراجع مساحة الأراضي الزراعية وفقدان الغطاء النباتي، وتفيد وزارة الزراعة العراقية بأن المساحة التي تعرضت للتصحر خلال السنوات العشر الماضية بلغت نحو 27 مليون دونم من الأراضي الصالحة للزراعة والرعي، ونحو مليوني دونم من الغطاء النباتي.

ومع ازدياد وتيرة التغيرات المناخية وتراجع منسوب النهرين، تذهب التوقعات إلى تسارع وتيرة التراجع. ومن تبعات هذا التصحر هشاشة التربة وتفتتها وجعلها عرضة للرياح والعواصف التي تحملها إلى المناطق السكنية والصناعية، وتعطل الحياة فيها.

وستحدث الكارثة الكبرى في حال أصابت العواصف صناعة استخراج النفط وناقلاته عبر مياه الخليج؛ لأن اقتصاديات العراق والدول الخليجية المجاورة تعتمد على الذهب الأسود بنسب تتراوح بين 40 إلى أكثر من 90%.

إحصاء الخسائر بدلا من الإسراع بالحلول!

تقرع جهات عراقية عديدة، كوزارة البيئة، ناقوس الخطر من تصاعد وتيرة العواصف الرملية والغبارية التي باتت أكثر قوة وشدة من قبل.

ولا تكمن المشكلة في ذلك وحسب، بل أيضا في ارتفاع عدد الأيام المصحوبة بالغبار إلى أكثر من 270 يوما في السنة؛ وعلى ضوء ذلك تتصاعد الأصوات المطالبة بتكثيف الجهود التي من شأنها الحد من تراجع مصادر المياه والحفاظ عليها بالتوازي مع توسيع مساحات الغطاء النباتي وزراعة أشجار كثيفة تشكل مصدات للرياح والرمال حول المدن والتجمعات السكانية والواحات الصحراوية.

كما تتزايد المطالب بالاستغناء عن طرق الري التقليدية لصالح الري الحديث بالتنقيط والرش، والتوقف عن هدر المياه وتحديث وصيانة السدود والبحيرات الاصطناعية.

غير أنه ورغم هذه المطالب وخطورة الوضع، فإن الخطوات التي تقوم بها الجهات الرسمية المعنية متواضعة ولا ترقى إلى مستوى مواجهة المشكلة، باستثناء تلك المتعلقة بإحصاء العواصف والخسائر التي تسببها.

ففي وزارة الزراعة العراقية على سبيل المثال، يتم من فترة لأخرى الإعلان عن مشاريع عديدة لمكافحة التصحر وتثبيت الكثبان الرملية.

ومن هذه المشاريع تأهيل غابات اصطناعية وإقامة عشرات المشاتل لاستنبات ملايين الشجيرات والشتول فيها سنويا. غير أن عملية التنفيذ تسير ببطء وبشكل غير مستدام حسب مصادر الوزارة نفسها؛ لأسباب عديدة.

ولعل الغريب في الأمر أن من بينها قلة المخصصات المالية في بلد يصل دخله الشهري الحالي من مبيعات النفط إلى 10 مليارات دولار في الوقت الحالي.

ضرورة التعاون الإقليمي لتجنب الأسوأ

يعقد تكرار العواصف الرملية والغبارية وقسوتها المتزايدة مشاكل العراق الأساسية وفي مقدمتها تردي مستوى البنية التحتية؛ بما فيها المتعلقة بالمياه وتوفير الاحتياجات الأساسية منها.

وفي كل يوم يتم فيه تأجيل الخطوات اللازمة لمواجهتها، يزداد الخطر على حياة السكان وصحتهم ومصادر عيشهم. وتكتسب هذه المواجهة أهمية أكثر من أي وقت مضى على ضوء أزمة الغذاء العالمية الحالية، التي تزداد حدة بسبب الحرب في أوكرانيا وقبلها بسبب تبعات جائحة كورونا.

كما تأتي أهميتها من أن زيادة حدتها يهدد مناطق استخراج النفط وطرق نقله الحيوية عبر مياه الخليج وباب المندب وقناة السويس.

ويشكل إغلاق القناة المصرية في مارس/ آذار 2021، بسبب انحراف سفينة نتيجة عاصفة رملية، درسا ينبغي التعلم منه، لاسيما وأن الأضرار التي أصابت اقتصاديات الدول العربية والاقتصاد العالمي بلغت عشرات المليارات، في غضون أقل من أسبوع.

وعليه، ولأن العواصف الرملية لا تعرف الحدود، فإن تعاونا إقليميا للحد منها، بين العراق ودول الخليج ومصر، يبدو حيويا لاقتصادياتها أكثر من أي وقت مضى.

علق هنا