بغداد- العراق اليوم:
إذا قمت بجولة للتعرف على الطبق التاريخي الذي كان الناس يأكلونه منذ القدم، ولا يزال يحظى بشعبية حتى يومنا هذا؛ فلن تجد منافساً لـ"المعكرونة"؛ فعلى الرغم من أن أشكال تحضيرها اختلفت عبر التاريخ، إلا أنها تعتبر الطبق الأقدم والأكثر شعبية.. لكن كيف أصبحت المعكرونة رائجة بهذا الشكل في جميع أنحاء العالم؟ إليكم لمحة سريعة عن تاريخها..
هل جاء ماركو بولو بالمعكرونة إلى إيطاليا؟
عندما نفكر بالمعكرونة أو "الباستا" نتذكر إيطاليا على الفور؛ فهي البلد المشهور بطبقين رئيسين: البيتزا والمعكرونة، وهي تسيطر فعلياً على 30% من سوق المعكرونة العالمية البالغة 22 مليار دولار.
تقول الشائعات إن المستكشف الإيطالي ماركو بولو قد جاء بالمعكرونة إلى إيطاليا في القرن الـ13، بعد عودته من رحلته إلى الصين.
وبعد 100 عام، انتشرت المعكرونة المجففة؛ لأنه كان من السهل تخزينها على السفن. وفي القرن الـ18، دونت طريقة تحضير المعكرونة بصلصة الطماطم للمرة الأولى في كتاب طبخ عام 1790.
وعلى الرغم من أن قصة ماركو بولو تلك قد لاقت رواجاً واسعاً، إلا أن الخبيرة الإيطالية أناليزا ميريللي تقول لموقع QZ الأمريكي، إن تلك القصة ما هي إلا كذبة شائعة بدأها برنامج أمريكي، ثم انتشرت بين الناس، وأضافت أن الطليان يأكلون المعكرونة قبل رحلات ماركو بولو بكثير.
التاريخ الحقيقي للمعكرونة في إيطاليا
وعن التاريخ الحقيقي للمعكرونة، تقول ميريللي إن فكرة خلط دقيق القمح والماء وإعداد عجين يمكن تناوله؛ ليست فكرة إيطالية بصورة حصرية، إذ لم تنشأ في إيطاليا، لكن المعكرونة كما نعرفها الآن هي اختراع إيطالي ظهر للمرة الأولى في صقلية في حوالي عام 1200؛ إذ إن هذه الحقيقة موثقة في السجلات.
وتضيف ميريللي أن الطليان هم من حولوا المعكرونة من طبق يتم تحضيره يدوياً في المنازل، إلى منتج يصنع في ورش العمل ويباع، بحيث يتم غليه في الماء فقط وتجهيزه للتقديم.
وكانت المعكرونة محلية الصنع شائعة في جميع أنحاء إيطاليا، لكن من المثير للاهتمام رؤية الاختلافات بين الأقاليم.
في الشمال، نظراً لأن نوع القمح، الذي يسمى القمح القاسي، الذي تحتاجه لصنع المعكرونة الجافة، لم يكن متوفراً، كانت هناك أنواع مختلفة من المعكرونة المصنوعة من البيض، والتي لا تزال موجودة.
وظهرت العديد من الأشكال والأنواع المختلفة من المعكرونة محلية الصنع في جميع أنحاء إيطاليا. في الواقع، كان هناك نوع من القوانين واللوائح التي وضعها الفاتيكان، في فلورنسا، وفي جميع الأماكن.
ولكن المعكرونة الجافة التي نعرف الآن أنها المعكرونة المثالية، هذا النوع من المعكرونة قد تلاشى بعد النجاح الأولي في صقلية، وعاد بعد عدة قرون ليصبح منتجاً مسوقاً، ثم في النهاية ظهر ما هو الآن المعكرونة ذات الإنتاج الضخم.
هجرة من الجنوب إلى الشمال
وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً عن الحديث عن أصل المعكرونة، فلا بد أن نذكر رحلتها من الجنوب إلى الشمال.
فقد بدأ تصنيع المعكرونة بشكل أساسي في جنوب إيطاليا، في نابولي وجنوة بشكل خاص، حيث ساد نوع من المعكرونة الذي يمكن تخزينه لفترة طويلة، وهذا كان سبب رواجه في كل أنحاء البلاد. إذ بدأ هذا النوع من المعكرونة بالانتشار في الشمال أيضاً، ثم بدأ يصنع بكميات كبيرة كي يصدر إلى الخارج أيضاً، خاصة مع التطور الصناعي وظهور المعامل الضخمة.
وكان عام 1600 هو اللحظة الحاسمة التي انتقلت فيها المعكرونة من مجرد طبق إيطالي تقليدي إلى صناعة ضخمة منتشرة في كل أنحاء إيطاليا، بينما كان عام 1914 موعد انتشار المعكرونة لتصبح رائجة في كل أنحاء العالم، ففي ذاك العام تم اختراع آليات للتجفيف الصناعي للمعكرونة؛ الأمر الذي جعل تصنيعها بكميات أكبر أمراً أكثر سهولة للغاية.
مع ذلك، في ذاك الوقت، وفي إيطاليا تحديداً، لم تكن المعكرونة تباع بأكياس مغلفة كما هي اليوم، إنما تباع بالجملة بصناديق ضخمة، وهو أمر يعكس مدى تعلق الإيطاليين بطبق المعكرونة الشهي.
كيف أصبحت المعكرونة عالمية؟
بكل الأحوال تعتمد شعبية المعكرونة في كافة أنحاء العالم على عدة عوامل؛ إذ لا يكفي أن يتم تصنيع منتج بشكل ضخم كي يصبح عالمياً.
إلى جانب أنها سهلة التحضير، وغنية بالكربوهيدرات التي يعشقها الكثيرون، يعتقد الخبراء أن للدعاية والإعلان دوراً أساسياً في رواج المعكرونة عالمياً.
فقد تم تصدير المعكرونة على أنها طبق فاخر يرتبط بنمط حياة الأغنياء، ومع ذلك فهي متاحة للطبقة المتوسطة بسبب أسعارها المعقولة، الأمر الذي جعلها تلقى رواجاً في جميع أنحاء العالم.
فقد ارتبط المعكرونة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بنمط الحياة الإيطالي، ومحلياً تم الترويج للمعكرونة على أنها مرتبطة بدفء المنزل، وهذا يظهر بشكل خاص بإعلانات شركة باريلا الإيطالية الشهيرة، التي تعتبر من أقدم وأشهر ماركات المعكرونة في إيطاليا.
التغير المناخي ومستقبل المعكرونة
فيما شقّت المعكرونة طريقها بثبات من الماضي إلى الحاضر، يوجد اليوم العديد من العوامل التي تهدد مستقبلها ومكانتها العالمية، ولعل التغير المناخي من أبرز تلك العوامل.
إذ تعتمد المعكرونة الجافة أساساً على نوع واحد من القمح، القمح القاسي، والذي يُنتَج فقط في أجزاء معينة من العالم.
كندا هي أكبر مصدر له في الواقع؛ إذ لا تنتج إيطاليا ما يكفي تقريباً، لكن إنتاج هذا القمح يتأثر سلباً مع الوقت بالتغير المناخي الذي يجعل الإنتاج أكثر كلفة.
وبالتالي فإن هناك احتمالاً أن تتحول المعكرونة من طبق رئيس رخيص الثمن، إلى طبق باهظ، بل وغير متوفر في جميع الأماكن.
وأزمة إنتاج القمح التي سببها التغير المناخي دفعت المصنعين لأن يبحثوا عن بدائل أخرى لصنع المعكرونة، منها العدس والبقول وأنواع أخرى من القمح غير القمح القاسي.
وفي الوقت الحالي يُستخدَم الحمص أيضاً كطحين جديد في صناعة المعكرونة أيضاً.
كذلك يؤثر نمط الحياة الصحي الجديد، الذي يتبعه كثيرون حول العالم، على شعبية المعكرونة الغنية بالكربوهيدرات، التي يفضل كثيرون تجنب تناولها أو تناولها بكميات قليلة جداً.
الغلوتين الموجود في المعكرونة عامل آخر يؤدي إلى انخفاض شعبيتها في الوقت الحالي، فقد أصبح عدم تحمل الغلوتين والحساسية أكثر شيوعاً.
*
اضافة التعليق