بعد انتهاء مهزلة مؤتمر جنيف لمناقشة أوضاع سنة العراق بعد داعش والذي تكلل بسيل من الاتهامات المتبادلة والاستنكارات، فضلاً عمَّا اكتنفه من شبهات وغموض وسرية في بعض مفاصله، انطلقت أعمال الدورة (53) لمؤتمر ميونيخ السنوي للأمن والسياسة، وقد حضره من العراق وفد رفيع المستوى برئاسة السيد رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، حقق الوفد العراقي حضوراً ملفتاً من خلال مستوى الاهتمام بالقضية العراقية، واللقاءات مع كبار سياسيي العالم، إذ بلغت في اليوم الأول (30) لقاء، توافدت الوفود والشخصيات للقاء السيد العبادي في مقر إقامته، ومن بينهم نائب الرئيس الأميركي، ووفد من الكونغرس الأميركي ضم جمهوريين وديمقراطيين، والمستشارة الألمانية، والأمين العام للأمم المتحدة، وأمين عام الجامعة العربية، وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، ووزراء خارجية كل من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وهولندا والتشيك وإيران، وكذلك وزير الدفاع الباكستاني، فضلاً عن ممثلي شركات عالمية كبرى لمكافحة الإرهاب والفساد وغيرهم. لم يقف الأمر عند ذلك، بل إن السيد العبادي نجح من خلال كلمته بتوضيح الكثير من القضايا التي كانت مثار جدل في بعض الأوساط نتيجة لما تروجه بعض وسائل الإعلام المغرضة، كقضية الحشد الشعبي، فالحشد أصبح مؤسسة أمنية من مؤسسات الدولة، تأتمر بأمر القيادات العسكرية العليا، وهو اليوم جزء من منظومة الدفاع الأمنية للبلد، كما أكد بما لا يقبل اللبس نظافة معارك التحرير، برغم الصعوبات، فالحرب من بيت إلى بيت، وعصابات داعش تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية، ومع ذلك كان إنقاذ الأنسان قبل تحرير الأرض، وهذه المعادلة تعد صعبة بالنسبة للواقع الميداني لحربنا المقدسة ضد الإرهاب، لكنها كانت مفصلاً استراتيجياً للعمليات القتالية، إلى جانب الحفاظ على المساكن والبنى التحتية والمنشآت الحكومية. ملف النازحين أيضاً كان حاضراً في كلمة رئيس الوزراء، وقد شهد العالم بأسره مستوى التعامل الإنساني للمقاتلين العراقيين من كل الصنوف والتشكيلات، كما أشار إلى مشاركة قوات البيشمركة لأول مرة إلى جانب قواتنا الأمنية، وقد شكلت وحدة العراقيين المحور الأساسي الذي ركز عليه العبادي، لا لتبديد مخاوف البعض من مرحلة ما بعد داعش، وإنما لنقل الحقيقة كاملة لشعوب العالم وقادته، فلا أحد ينكر من أن الحرب ضد داعش وحدت العراقيين، وبتعبير أدق كشفت حقيقة المجتمع العراقي وما يتمتع به من استعدادات حقيقية للتعايش ومواجهة التحديات، وروح الأخوة الوطنية التي تسود المقاتلين من مختلف الأطياف والمكونات وهي المعدن الحقيقي لكل عراقي، وما الفرقة والعداء والكراهية إلا مشاريع سياسية سوقتها بعض قوى الظلام والطائفية. نجح العراق في تسويق قضيته في إطارها الوطني كما هي من دون زيف، وحقق تحشيداً دولياً غير مسبوق، وكسب تعاطف العالم في عدالة حربه ضد الإرهاب في مؤتمر ميونيخ، وأخرس الأبواق التي جرت أذيال الخيبة بعد عودتها من مؤتمر جنيف سيئ الصيت، فالفرق شاسع والمقارنة مجحفة بين هذا وذاك.