عادل عبد المهدي
سقط السبت المنصرم 4 شهداء وجرح 320 متظاهراً حسب السيد محافظ بغداد.. وسقط شهيد و88 جرحى من القوات الامنية حسب قيادة عمليات بغداد.. واطلقت 3 قذائف على المنطقة الخضراء من منطقتي البلديات وشارع فلسطين وفق خلية الاعلام الحربي.. واعلنت "سرايا السلام" براءتها من الفاعلين، وقالت "اننا نقولها بملىء الفم ان العمل العسكري مرفوض ومدان.. ولا نؤيده اطلاقاً كوننا دعاة وحدة وسلام.. وان السلاح يجب ان يكون مكرساً فقط لحماية بلدنا ومقدساتنا من المحتل واذنابه كداعش وغيرهم". واكدت عمليات بغداد انه "تم العثور على اسلحة نارية وسكاكين لدى بعض المتظاهرين.." و"ان القوات الامنية ستقوم بواجبها في حفظ الامن والنظام وحماية المواطنين والاموال العامة والخاصة".
ان هذه التداعيات تتطلب تحقيقاً جدياً يكشف الملابسات ومحاسبة المسؤولين، لمنع تكرارها. فسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحي هو امر مؤلم وضار ومدان في كل الاحوال. فنحن نخوض معركة قاسية ضد "داعش"، ونقدم يومياً عشرات الشهداء، اضافة لضحايا التفجيرات الارهابية التي تحصد شهرياً مئات الشهداء. فعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم. فلماذا آلة الموت والتخريب فعالة ومستمرة، بينما آلة الامن والاصلاح معطلة؟
امام البلاد طريقان.. اما ان تنجح محاولات الاصلاح لتجدد البلاد قواها، وقدراتها للانطلاق والقضاء على الارهاب وتحقق الامن والاستقرار والاعمار ومكافحة الفقر والبطالة والجهل والمرض، او الغرق اكثر في الفوضى والفراغ والمجهول الذي هو هدف الاعداء. فمحاولات اسقاط الوضع الحالي من قبل "داعش" وغيرهم عبر المواجهات المباشرة قد فشلت. وان الفتن والانشقاقات والفوضى وضعف السياسات والاوضاع السيئة التي تثير سخط العامة والخاصة ستكون ارضية خصبة لاصحاب الاجندات ولفتن وانقسامات {لا تبقي ولا تذر} شيئاً. فهذه اوضاع تكررت في العراق طوال العقود الماضية، ولم نكرر سوى دورة الموت والتخريب، رغم كل التضحيات التي دفع الجميع من كافة التيارات والقوميات والمذاهب والاديان ثمنها.
منذ جاء الاحتلال البريطاني قبل قرن تقريباً، والى الاحتلال الامريكي، والى يومنا، ونحن ننتفض ونتظاهر ونقوم بالانقلابات والثورات، فاسقطنا انظمة، ثم تمنى بعضنا عودتها.. وقُتل وسُحل واعدم الملوك والزعماء والرؤساء، ثم تكشف الخطأ، وظهرت قيمة معظمهم، فندم البعض، وتأسف اخرون، وتمنى غيرهم عودة تلك الاوضاع، وكأن من قام بذلك لم يكن الشعب او شرائح منه. فهل سنعيد الكرة مرة اخرى؟ وان فعلنا فهل ستكون الاخيرة؟ ام ندرأ ذلك، لئلا ينطبق علينا قوله تعالى: {كلما دخلت امة لعنت اختها حتى اذا اداركوا فيها جميعاً قالت اخراهم لاولاهم ربنا هؤلاء اضلونا فاتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}. وهذا مآ لا نريده لأحد، الا لمن يعيث في الارض فسادا وينحرف عن جادة الصلاح. ونعتقد جادين، ان معظم القوى، بل لنقل معظم كادرها وجمهورها هو عجينة مهيئة للسير في طريق الاصلاح، وكل ما يقتضيه العمران ومنفعة الناس ومحاربة القتل والموت والارهاب.
لا طريق امامنا سوى طريق الاصلاحات الجدية، ببرامج تستطيع فعلاً محاربة الارهاب وتحقيق الامن والاستقرار وتمنح الناس حقوقها في الاعمار والتنمية والخدمات والعمل والصحة والتعليم والحقوق والعامة والخاصة، وعبر قوى ومسؤولين اكفاء يعملون من اجل بناء الدولة والمجتمع بناءاً صحيحاً بعيداً عن الطائفية والكراهية والانقسامات والاحقاد، ويحققون وحدة البلاد والشعب.. وهذه كلها لن تتحقق بدون انتخابات سليمة غير مغشوشة او مزورة، تفتح الفرص امام جميع الكفاءات، وتمنع اي شكل من اشكال الاحتكار، سواء من السلطة، او هيمنة الاحزاب والقوى، او عبر التهديدات ووسائل الضغط غير المشروعة. وان اصلاح الذات هو اول خطوات النجاح، وهو برهان الجدية والاخلاص لكل من يرفع هذه الشعارات.
لنختلف ونتدافع ونتفق بشكل سلمي وايجابي، كما يؤكد كل القادة والمسؤولين، وكل التنظيمات والمؤسسات والهيئات الجادة. فالتظاهر حق، وواجب على الدولة حماية المتظاهرين، كما ان حماية المتظاهرين للمصالح العامة والخاصة واجب عليهم وحق للاخرين والدولة. وان اختيار الوقت والمكان وحماية التظاهرات وقطع الطرق يجب ان لا يعطل المصالح العامة والخاصة، ولا يتسبب بمضايقات وصعوبات تكون موضع شكوى وتذمر من المواطنين.