قبل إفتتاحه بساعات .. جريدة عراقية تحيي المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي ب (رأي)، وإضاءة كاشفة للوضعين: الداخلي والعام

بغداد- العراق اليوم:

المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي (درسٌ وطنيٌ) أكثر من كونه مؤتمراًً حزبياً

رأي جريدة الحقيقة

حتى والعراق يخوض غمار مخاضات صعبة، لم ينسَ الحزب الشيوعي العراقي، استحقاقات وضعه الداخلي، ولم ينسَ وهو الذي يتخذ موقف المقاطعة السياسية الايجابية، أن جزءاً مهماً من مسار تعزيز خطاب الدولة، وترشيد العمل السياسي فيها، يأتي عبر  استعادة الحاضنة الشعبية للقرار داخل القوى السياسية كافة، لذا نراه يبرق عبر مؤتمره الحادي عشر والذي سيعقد اليوم، رسالة مفادها ضرورة ان تعيد هذه القوى برمجة خطابها متساوقاً مع خطاب الكوادر العاملة في مختلف مفاصلها وإداراتها وجهازها البيروقراطي الحديث.

في الواقع، فإن مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي الحادي عشر، هو فرصة أخرى يحاول عبرها الحزب أن يعيد تنشيط الأعراف السياسية الخاملة، وان يمنح القوى المنافسة او الشريكة او المختلفة بالتوجهات الايدلوجية والفكرية والعقدية، قدرة على ان تواكب وتستشعر أهمية العودة الى الجذور، وانهاء حالة القطيعة المتواصلة بينها وبين الجهور.

بمعنى آخر، فإن مؤتمر الحزب يريد ان يقول للقوى السياسية كافة، إن البقاء في جزر السلطة المعزولة، ليس آمناً، ولا يمثل حلاً، وانما هو هروب من مواجهة استحقاقات التغيير الذي يحدث نتيجة لصيرورة حتمية، وصيروة تاريخية يفرضها منطق الصراع الجيلي والازاحات في الخطاب المتحول كحالة طبيعية، تفرضها طبيعة الاجتماع السياسي كما تدلنا التجارب، وإلا فهو ليس ذلك الحزب المؤمن بحتمية التاريخ، وديالكتيكه المادي.

 ولعل حراك تشرين 2019، قد كشف عن حالة الفصام الهائلة بين القوى الشعبية والقوى السياسية التي من المفترض ان تتحول الى حامل لمشروع القوى الشعبية، لكن تكلس الحياة السياسية، وتحول الممارسة الحزبية  الى مفهوم زبائني ضيق، ادت الى حالة من الانسداد والقطيعة، وبالتالي عرض العملية الديموقراطية كلها الى اهتزازات عنيفة كادت ان تطيح بالعراق ككل، وتزلزل المنطقة برمتها، ولعل المحاولات " الاستعادية" والحلول التي كان الحزب الشيوعي جزءاً من طرحها، تواجه حالة من التمرد والتلاعب بالوقت من بعض القوى التي لا تريد ان تعترف بما جرى، وتظن انه مجرد موجة عابرة مرت وانتهت وتلاشت!.

لا نريد أن نخوض في أوراق عمل المؤتمر، فنحن نعرف طبيعة مؤتمرات الحزب الشيوعي العراقي، ونعرف درجات الصراحة والوضوح فيها، وكذلك ما يجري أثناء الجلسات من عمليات التقويم العالي، والتحليل، والنقد والنقد الذاتي، وتوصيف الأداء بما ينطبق وتعاليم الفكر الماركسي اللينيني، مع الأخذ في الاعتبار تلك الأسس الكونكرتية الحديدية الصلبة التي شيد فوقها الشهيد فهد بناءات الحزب الداخلية، لذا فجميع القريبين من الحزب الشيوعي يدركون بل هم واثقون من قراراته التي ستخرج من المؤتمر بخصوص الحياة الداخلية للحزب، فالحزب متين البناء ولا يمكن ان تحدث أية هزة في بنائه الداخلي.

لكن الشيء الذي قد يحمل مفاجأة، هو ما سيأتي من قرارات تتعلق بسياسة الحزب اللاحقة تجاه الأوضاع السياسية في العراق الراهن، فثمة من يعتقد أن المؤتمر سيقرأ أداء الحزب خلال الفترة الأخيرة قراءة فيها الكثير من المراجعة، والتدقيق الشديد خصوصاً في موضوعة مقاطعة الانتخابات، على الرغم من أن قرار المقاطعة اتخذته القواعد - التي هي تعد العمود الفقري للمؤتمر - ولم تتخذه القيادة بمحض ارادتها.

ان الجماهير الشعبية في العراق تنتظر الكثير من هذا المؤتمر المهم جداً، لاسيما وأن برنامجه الطموح قد عملت على اعداده نخب فكرية وثقافية وسياسية وازنة، لها مراس وتجربة ثرة في انتاج وانجاز هكذا برامج، فضلاً عن الاسترشاد التنظيمي الواسع الذي يجريه الحزب استباقاً لكل مؤتمراته الحزبية السابقة كما درج العرف على ذلك، لكننا في " الحقيقة" نأمل بصدق أن يتبلور من خلال هذا المؤتمر، مشروع آخر ناضج، لا على المستوى الحزبي والتنظيمي وهذا حق مشروع، ولكننا نرغب أيضاً في ان يترجم الحزب عمق قراءته للمشهد السياسي، والمحيط الدولي، ومجريات الأحداث المؤثرة في مجالنا الحيوي الى برنامج وطني، لا يبتعد عن القوى التي تحمل الهم المشترك ذاته، وأن يصيغ عبر برنامجه دليلاً شاملاً لكيفية بناء الدولة واستعادتها، وتعريفاً وافياً لمفردات العمل السياسي الناضج المؤسس على القاعدة الشعبية، لا كما عشنا في تجربة معكوسة تحولت القوى والأحزاب الماسكة للسلطة الى "دكاكين"  لبيع الوظائف الحكومية، او مكاتب " وساطات" هدت اركان الدولة ودمرت مؤسساتها.

نتمنى ان يتكلل مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي بالنجاح، وأن يضع الحزب كل تراثه وتاريخه النضالي الذي يمثل سفراً في حركة العمل الوطني كتجربة حية وثرية امام الاجيال الصاعدة التي نأمل ان تأخذ موقعها القيادي في صفوف حزب عودنا على المبادرة وروح التمرد وقوة الحضور في الوجدان الشعبي مهما قست الايام ودارت الحوادث، اليس هو الحزب الذي زرع  فهد جذره في الاعماق العراقية، وسقى أغصانه بالدم الشهداء سلام عادل وجمال الحيدري وجورج تلو وحسن السريع وعايدة ياسين وخيون حسون الدراجي وغايب حوشي وخالد حمادي ومئات الآلاف من أروع العراقيين البواسل.

علق هنا