بغداد- العراق اليوم:
هل تكرس الانتخابات العراقية المسار الديمقراطي؟
شذى العاملي يشهد العراق انتخابات الدورة البرلمانية الخامسة، التي تُعدّ أول انتخابات مبكرة منذ إقرار الدستور عام 2005. وإذا ما نظرنا إلى توالي تنظيم الانتخابات في مواعيدها الدستورية في سياق عملية الانتقال التي انطلقت في البلاد بعد التغيير عام 2003، ندرك أنها تعكس تكريساً وترسيخاً للمسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، إذ وفّرت الانتخابات فضاء مؤسسياً حقق في إطاره مشاركة ممثلين سياسيين للأطياف المتنوعة التي يتكوّن منها الشعب. وأسهمت المجالس النيابية التي تعاقبت خلال الدورات الماضية في حفظ الطابع السلمي للصراعات ما بين القوى النافذة وفي توفير أضواء كاشفة على مساحات الاختلاف والالتقاء ما بينها، ساعدت بدورها على التوصل إلى توافقات سياسية شكلت القاعدة الأساسية لإدارة الدولة وتقاسم سلطاتها وفق نهج المحاصصة الطائفية والقومية. وسبق للعراق أن مارس العملية الانتخابية منذ عام 1924 لغاية 1958 وكانت عملية مقبولة الى حد ما، قياساً بتلك الفترة. لهذا لا يمكن أن نعدّ انتخابات عام 2005 "أول انتخابات في العراق". وبموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 92 لعام 2004، تأسست المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وأنيطت بها مهمة إجراء الانتخابات باعتبارها هيئة مستقلة عن السلطات الثلاث للدولة. مرحلة مجلس الحكم في يوليو (تموز) 2003، تشكلت هيئة لحكم العراق تحت عنوان "مجلس الحكم"، تكوّنت من 25 عضواً اختيروا على أساس المحاصصة. وفي 1 يونيو (حزيران) 2004، أقسم مرشحا مجلس الحكم إياد علاوي وغازي الياور اليمين، ليصبح علاوي رئيساً للوزراء والياور رئيساً للبلاد وصدر في هذه المرحلة قانون إدارة الدولة العراقية. وتشكلت أول حكومة عراقية مؤقتة تلخصت مهمتها بتهيئة دستور جديد وانتخابات امتدت حتى أبريل (نيسان) 2005. الجمعية الوطنية الانتقالية في 30 يناير (كانون الثاني) 2005، صوّت نحو ثمانية ملايين ناخب عراقي على إنشاء جمعية وطنية انتقالية لكتابة دستور جديد للبلاد والتحضير لانتخابات حكومة جديدة ومجلس نواب جديد، تكوّنت من 100 عضو، منهم 19 عضواً سابقاً في مجلس الحكم المنتهي دوره و81 عضواً آخر. في أبريل (نيسان) 2005، انتخب مجلس النواب جلال طالباني، رئيساً للعراق وإبراهيم الجعفري رئيساً لوزراء للبلاد في ظل تصاعد العنف. الدستور العراقي في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2005، صُوِّتَ على الدستور العراقي الدائم، وأُجريت خمسة تعديلات على مسودّته تتعلق بالهوية، إذ نصّت على أن "العراق يُعدّ جزءًا من العالم الإسلامي، وأنه عضو مؤسس وفاعل في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها"، وعدّلت على المادتين 108 و110 المتعلقتين برسم السياسة المائية للعراق، وحُذفت المادة 44 التي نصت على تطبيق الاتفاقات الدولية ما لم تتعارض مع الدستور، وإضافة المادة 135 التي نصّت على أن يكون لرئيس مجلس الوزراء نائبان في الدورة الانتخابية الأولى. وصرّح السفير الأميركي في العراق آنذاك بضرورة إجراء مفاوضات لإدخال تعديلات على الدستور تنص على وحدة البلاد، وأن تكون اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية المعتمدة في كردستان، وأن أي تعديل للدستور يتم من خلال الاستفتاء وليس عبر ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية. وفي 30 ديسمبر (كانون الأول) 2005، أُجريت أول انتخابات برلمانية استناداً إلى القوانين الانتقالية بغرض اختيار 275 عضواً في البرلمان العراقي "مجلس النواب" لتشكيل حكومة تتولّى السلطة لأربعة أعوام، عوضاً عن الحكومات المؤقتة التي تولّت السلطة في البلاد، ويُعدّ هذا الاقتراع، هو الثالث في الانتخابات بعد سقوط حكومة الرئيس السابق صدام حسين. تنافس في الانتخابات "6655 مرشحاً و307 كيانات سياسية و19 ائتلافاً"، تفوّقت فيها الأحزاب الشيعية، مقابل القوى الأخرى. واختلف هذا النظام الانتخابي عما سبقه من الانتخابات التي أجريت في يناير، في أنه رصد عدداً ثابتاً من المقاعد البرلمانية لكل محافظة من المحافظات العراقية الـ18، أي بما يتناسب وعدد سكانها. وبغض النظر عن نسبة الإقبال على الانتخابات إذ كان من المرجح أن يعود هذا النظام بفائدة على فئة السنّة، الذين لم يتمتعوا بتمثيل مناسب في البرلمان المؤقت، بسبب مقاطعتهم الانتخابات، فقد حصل الائتلاف العراقي الموحد بدعم من المرجع الشيعي، على المرتبة الأولى بنسبة 48 في المئة من الأصوات. وجاء التحالف الوطني الديمقراطي الكردستاني في المرتبة الثانية بـ 26 في المئة من الأصوات. أما حزب رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، (القائمة العراقية)، فحصل على 14 في المئة من الأصوات وفي حينها شغل ابراهيم الجعفري منصب رئيس الوزراء "كأول رئيس وزراء منتخب"، وسُمّي جلال طالباني رئيساً للجمهورية العراقية. ملامح المرحلة بلغت نسبة المشاركة 79.6 في المئة وتعتبر نسبة مرتفعة، في الوقت ذاته، تعرضت مراكز الاقتراع إلى أكثر من 100 هجوم مسلح بينها تسعة انتحاريين، ما أسفر عن مقتل 44 شخصاً، في جميع أنحاء العراق، وما لا يقل عن 20 في بغداد. ومثّلت هذه الانتخابات نقطة مفصلية في المشهد السياسي العراقي الذي كتب مسودّة الدستور متأثراً بمكوناته. واستغرق تشكيل الحكومة فترة طويلة، امتدت من 30 يناير حتى 28 أبريل 2005، وهو وقت طويل إذا قيس بعملية سياسية انتقالية محكومة بسقف حدده قانون إدارة الدولة للانتهاء من مسودة الدستور بتاريخ 15 أغسطس (آب). أما الجانب الإيجابي من المرحلة المذكورة، فيتمثل في إسهام الانتخابات في رفع مستوى الوعي السياسي العام للمجتمع، كما لعبت الدورات البرلمانية ومناقشاتها العلنية في الغالب، دوراً مهماً في تكوين قيادات سياسية شابة جديدة من مختلف الانتماءات السياسية والاجتماعية والدينية والقومية والثقافية، ويسجل للنشاط البرلماني دور مهم بتوسيع مشاركة المرأة في الشأن العام، وظهور وتطور شريحة متنامية من الشخصيات السياسية النسوية، تولّى بعضها مواقع بارزة ومتقدمة في المجال السياسي، وتسجل حضوراً متزايد الاتساع في المنبر الإعلامي. انتخابات 2006 عُدَّ هذا يوماً تاريخياً للعراق وشعبه. وكانت المرة الأولى التي تشكلت فيها حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي في البلاد منذ إسقاط النظام السابق، كونها حكومة مثّلت جميع المواطنين. فحلَّت لائحة الائتلاف الشيعي الموحد في المرتبة الأولى بواقع 128 مقعداً. أما اللائحة الكردية، فجاءت في المرتبة الثانية بواقع 53 مقعداً، وجبهة التوافق السنّية، في المرتبة الثالثة بواقع 44 مقعداً وقائمة رئيس الوزراء إياد علاوي في المرتبة الرابعة بواقع 25 مقعداً. وكلّف طالباني، الذي أعيد انتخابه رئيساً للعراق، نوري المالكي، تشكيل حكومة جديدة لتنهي حالة الجمود السياسي الذي استمر أشهراً. حكومة الوحدة الوطنية في تقريرها الدولي، أشارت الأمم المتحدة إلى حدوث تزوير أثناء عملية الانتخابات، لكن من دون التشكيك في النتائج النهائية. في الوقت ذاته، دعت المنظمة الأطراف كافة، إلى قبول النتائج والبدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية، إذ منح مجلس النواب، الثقة لحكومة "الوحدة الوطنية" برئاسة المالكي وعضوية 37 وزيراً في 20 مايو (أيار) 2006. في ذلك الوقت، واجهت حكومة المالكي تحديات جسيمة في معالجة العنف المنتشر على نطاق واسع وإعادة بناء اقتصاد دمرته الحروب والعقوبات. عانى العراقيون من تدهور المعيشة نتيجة انعدام فرص العمل والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والمياه. وكان أربعة ملايين من بين سكان البلاد البالغ عددهم 26 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر، حسبما أظهرت دراسة منشورة دعمتها الأمم المتحدة. انتخابات 7 مارس (آذار) 2010 بسبب ارتباط بعض المرشحين بحزب البعث المنحل، حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية قانون الانتخابات، فأُجري تغيير في النظام الانتخابي عبر قانون جديد، وقررت المفوضية في 15 يناير 2010، منع 499 مرشحاً من الانتخابات، بسبب ارتباطهم بالحزب المنحل قبل انطلاق الحملة الانتخابية في 12 فبراير (شباط) 2010. وتنافس في الانتخابات 6281 مرشحاً، بينهم 1813 امرأة توزعوا على 12 ائتلافاً كبيراً و167 كياناً سياسياً على 325 مقعداً برلمانياً، موزعة على 18 محافظة وثمانية مقاعد للأقليات، وسبعة مقاعد تعويضية لقوائم الاصوات الغالبة. وحصل فيها علاوي على 91 مقعداً "للقائمة العراقية" التي يقودها. وحل ائتلاف "دولة القانون" بقيادة المالكي في المرتبة الثانية بـ89 مقعداً. نصب رئيس الجمهورية جلال طالباني، وأُعيد ترشح نوري المالكي، رئيساً للوزراء لدورة ثانية. تشكيك وإعادة فرز على الرغم من إجراء الانتخابات البرلمانية في شهر مارس، إلا أن الحكومة العراقية لم تشكّل إلا بعد مرور تسعة أشهر. كما رفضت المحكمة استئنافات المرشحين المستبعدين من الانتخابات، ومُنعوا من المشاركة في الانتخابات وكذلك أُعيد فرز الأصوات في 19 أبريل 2010. ولكن بعد إعادة فرز 11298 صندوقاً انتخابياً لم يثبت حدوث تزوير أو تغيير في النتائج وافتُتح البرلمان الجديد في 14 يونيو 2010. وبسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية، وقع انفجاران قبيل إعلان نتائج الانتخابات، في بلدة الخالص بمحافظة ديالي شمال شرقي بغداد، أسفرا عن قتل 42 شخصاً وأكثر من 60 جريحاً، وكان من بينهم أطفال ونساء بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز" واستناداً إلى مصادر الشرطة المحلية. وبسبب تصاعد أجواء الفوضى السياسية، شهد العراق خلال الأسبوعين الأخيرين من تنظيم الانتخابات، أحداث عنف دموية وقعت في بغداد ومناطق أخرى، وتزايدت المخاوف من وقوع المزيد من أعمال العنف إثر إعلان نتائج الانتخابات. على خلفية ذلك، شددت السلطات الإجراءات الأمنية في عدد من المحافظات، في ظل تصاعد التوتر السياسي والمخاوف الأمنية نتيجة الخلافات حول صحة نتائج الانتخابات. انتخابات 2014 حددت الحكومة العراقية في أكتوبر 2013، موعداً للانتخابات البرلمانية في شهر أبريل 2014، إذ حصل ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على 92 مقعداً وحل في المركز الأول، أما كتلة التيار الصدري، فجاءت في المرتبة الثانية بـ31 مقعداً وحصل ائتلاف المواطن بزعامة عمار الحكيم على المرتبة الثالثة بـ29 مقعداً. وبزعامة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، حلّ ائتلاف "متحدون" في المرتبة الرابعة بـ23 مقعداً، بينما حصل ائتلاف "الوطنية" بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي على المرتبة الخامسة بـ21 مقعداً. أما القائمة العربية بزعامة صالح المطلك، فحصلت على 9 مقاعد وحازت المرتبة السادسة. نُصِّب في حينها فؤاد معصوم رئيساً للجمهورية، وحيدر العبادي رئيساً للوزراء. تدخل وتشكيك وإقصاء قدّم أعضاء مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات استقالاتهم الجماعية، احتجاجاً على التدخل السياسي في أعمالهم في مارس، قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في 30 أبريل 2014 وذلك على خلفية مزاعم بأن الحكومة تستخدم بنداً قانونياً مثيراً للجدل لمنع مناوئين لها من الترشح في الانتخابات على أساس أنهم لا يحظون بـ"سمعة جيدة"، كما شكّك إياد علاوي بنزاهة الانتخابات التي سبقتها عمليات عسكرية. وتدخلت جهات نافذة أبعدت شرائح واسعة من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم. وعلى إثر ذلك دعت القائمة العربية برئاسة المطلك وممثلي ست محافظات، الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية إلى فتح تحقيق فوري بشأن الخروقات في العملية الانتخابية. وفي سابقة من نوعها، حاصرت الحملات الأمنية والعسكرية عدداً من المحافظات العراقية لمنع الناخبين من الإدلاء باصواتهم، مثل بغداد والأنبار وديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك، كما منعت مياه الفيضانات الكثير منهم من ممارسة حقهم الدستوري. وكانت نسبة التصويت في حزام بغداد أعلى من وسط العاصمة بحسب إعلان المفوضية، في 17 مايو 2014، إذ زادت نسبة التصويت فيها عن 90 في المئة، وتُعدّ هذه النسبة غير منطقية، لأن المنطقة محاصرة أمنياً وبمياه الفيضانات. والمعلومات الموثقة تشير إلى أن نسبة التصويت في تلك المناطق لم تتجاوز 20 في المئة، واتهمت دولة القانون بالاستحواذ على غالبية الأصوات في تلك الصناديق. يذكر أن الانتخابات التشريعية التي جرت في 30 أبريل، تُعتبر أول انتخابات برلمانية بعد انسحاب جيش الاحتلال الأميركي من العراق نهاية عام 2011، وشهدت استعمال البطاقة الانتخابية الإلكترونية للمرة الأولى. انتخابات 2018: الإصلاح ينتصر والفساد ينحسر سجّل العراق أعلى نسبة عزوف في انتخابات 2018 بحسب إعلان المفوضية، فبلغت نسبة المشاركة 44.52 في المئة من الناخبين. حلّ تحالف "سائرون" الذي جمع "التيار الصدري" و"الحزب الشيوعي" و"تكنوقراط مدنيين" في المرتبة الأولى بـ 54 مقعداً من أصل 329. وجاء تحالف "الفتح" ثانياً بزعامة هادي العامري وضم فصائل "الحشد الشعبي" بواقع 47 مقعداً، وحصل ائتلاف النصر للعبادي على 42 مقعداً، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على 26 مقعداً والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان السابق على 25 مقعداً. وحصل ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي على 21 مقعداً، و"تيار الحكمة" بزعامة الحكيم على 19 مقعداً، و"حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي تزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني على 18 مقعداً وتحالف "القرار العراقي" بزعامة أسامة النجيفي على 11 مقعداً. ونُصّب برهم صالح رئيساً للجمهورية وعادل عبد المهدي رئيساً للوزراء حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وإذا تتبّعنا منحنى نسبة المشاركة في الانتخابات المتتالية، ومؤشرات ثقة المواطنين والناخبين، عموماً بمخرجاتها ومدى تعويلهم عليها لتعكس بشكل أمين وصادق آراءهم وخياراتهم، ولتعبّر عن همومهم ومطالبهم وتطلعاتهم في حياة آمنة مستقرة تحقق لهم العيش الكريم، فإننا نجدها تميل إلى الانخفاض بوتيرة متسارعة، كما انعكس ذلك بشكل واضح على نسبة العزوف المرتفعة في انتخابات 2018. وعن تلك الأسباب، يتحدث رائد فهمي، البرلماني والوزير السابق، قائلاً "لا يُعزى هذا الانحسار الشديد في الثقة بالعملية الانتخابية، والمؤسسة البرلمانية التي تمثل الركيزة الأساسية للنظام الديمقراطي إلى عوامل ظرفية وأسباب طارئة وإلى مجرد تقلبات سياسية وفي المزاج الشعبي، وإنما يعكس عناصر خلل جوهرية لصيقة ببنية المنظومة السياسية السائدة ونهجها وفي دور وأداء الدولة وقدرتها على حفظ السيادة خارجياً وداخلياً عبر القدرة على إنفاذ حكم القانون وقواعد الدستور". نتائج غير مرجوة بعد فوز التيار الصدري بالمرتبة الأولى، علّق الصدر مغرداً على "تويتر"، "الإصلاح ينتصر والفساد ينحسر" ولم يتمكّن الصدر من تولّي منصب رئاسة الوزراء، لأنه لم يرشح نفسه للانتخابات، إلا أن فوز كتلته أتاح له اختيار من يشغل المنصب. وحول مزاعم التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات، دعت الحكومة العراقية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش المفوضية إلى التعامل بجدية وشفافية مع الشكاوى الانتخابية، إذ شككت كتل سياسية بارزة في عملية الاقتراع نتيجة عدم تحقيقها نتائج مرجوة، مثل ائتلاف "دولة القانون" و"ائتلاف الوطنية" و"تحالف القرار العراقي" و"حركة التغيير" و"التركمان". الوفاء بالوعود وفي إطار الوفاء بالوعود التي قطعها لدى وصوله إلى السلطة في 7 مايو 2020، أعلن مصطفى الكاظمي إجراء انتخابات مبكرة حين أجبر المتظاهرون رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على تقديم استقالته إثر استشراء الفساد وصعوبة الوضع المعيشي، مطالبين بتغيير النظام السياسي. وأثناء التحركات المنددة بالحكومة، تعرّض 560 شخصاً من المحتجين للقتل على أيدي قوات الأمن. ورحّبت بعثة الأمم المتحدة في العراق بإعلان الكاظمي في مؤتمر تلفزيوني في 31 يوليو 2020، أن "السادس من يونيو 2021 سيكون موعداً لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة"؟ وفي بيان رسمي، صرّحت المنظمة أن "الانتخابات المبكرة تلبي مطلباً شعبياً رئيساً على طريق تحقيق مزيد من الاستقرار والديمقراطية في البلاد". ووعدت بدعم العملية الديمقراطية عبر تقديم المشورة الفنية لضمان نزاهتها. آمنت فئة غير قليلة من شباب تشرين بالعمل السياسي ومنافسة أحزاب السلطة وفصائلها في الانتخابات المقبلة، وقرر أكثر من تسع مجموعات تشرينية خوض تجربة المشاركة في الترشح، منها "تيار الدولة" و"حراك 25 تشرين" و"جبهة تشرين" و"امتداد" وغيرها، عبّروا عن سعيهم للانضواء في التيارات السياسية في محاولة لأن يكونوا فاعلين في المشهد السياسي ويكسروا احتكار أحزاب السلطة لهذا المشهد في العراق ولا يعني ذلك نهاية الحراك الاحتجاجي بل هو تنويع للحراك نفسه، فالمهم والأساسي هو تنظيم العمل الاحتجاجي بما يؤدي إلى المشاركة في الانتخابات أو تهيئة جولات احتجاجية مقبلة. إن فاعلية ومشروعية مجلس النواب، تعتمد في المطاف الأخير، على مدى صدقه ودقته في تمثيل مختلف فئات المجتمع على اختلاف انتماءاتهم وثقلهم المجتمعي الكمّي والنوعي والتيارات الفكرية والسياسية المؤثرة في الحياة العامة. ويوجب تمثيل كهذا أن تتوافر في العملية الانتخابية اشتراطات الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة، أهمها البيئة السياسية الآمنة الضامنة لحرية الناخب والمرشح، ومنظومة انتخابية سليمة ونزيهة تضمن عدم التلاعب بصوت الناخب أو الالتفاف عليه وإخضاع العملية الانتخابية إلى مؤثرات المال والسلاح وغيرها من عناصر التدخل والضغط أو الاغراء، فضلاً عن قطع دابر التزوير. يلخّص الرئيس الأسبق للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات سربست مصطفى المكاسب التي تحققت بفعل العملية الديمقراطية وعلى الرغم من كل الملاحظات على نتائجها وطريقة إدارة المفوضية لها بأن صندوق الاقتراع أصبح الطريق الوحيد لتداول السلطة أو استمراريتها. وحتى محاولة احتكار السلطة، فإنها تتم أيضاً عبر اللجوء إلى الصندوق الانتخابي وهذا المكسب يُعدّ أيضاً للشعب العراقي. والمكسب الآخر يتمثّل في التطور المستمر للعمليات الانتخابية، من نواحي التنظيم وإدارتها وأيضاً النتائج التي تمخضت عنها، بخاصة بعد 2013، إذ بدأ اللجوء إلى استخدام التكنولوجيا بعد استعمال الختم الإلكتروني لورقة الاقتراع لغرض تحديد الوقت بالساعة والدقيقة والثانية على ورقة الاقتراع، إضافة الى استخدام بطاقة الناخب الإلكترونية وجهاز التحقق الإلكتروني وأيضاً وضع باركود على ورقة الاقتراع، بحيث يتم عدّ وفرز أوراق الاقتراع التي يوجد عليها باركود الشركة وهكذا تمت السيطرة بشكل شبه نهائي على عملية التصويت المكرر والتصويت بالإنابة وحشو الصناديق، بينما كانت عملية إعلان النتائج تتأخر كثيراً نظراً إلى إدخال نتائج المحطات التي ازدادت بزيادة عدد الناخبين وأيضاً المدد القانونية لتقديم الشكاوى والطعون والبت فيها. لذلك تم التفكير في استخدام أجهزة إلكترونية لتسريع النتائج وإرسالها عبر القمر الاصطناعي إلى مركز إدخال النتائج في المكتب الوطني للمفوضية. واستُخدم هذا الأسلوب للمرة الأولى في انتخابات 12 مايو 2018 وعلى الرغم من كل الأخطاء والإخفاقات التي رافقت تلك الانتخابات، لكن استعمال المكننة، بخاصة في عدّ وفرز الأصوات أدى إلى وضع كل حزب ومرشح أمام حجمه الحقيقي في الشارع العراقي وهذا كان السبب الحقيقي في الهجمة الشرسة والمستمرة ضد اللجوء إلى التكنولوجيا في الانتخابات من قبل عدد كبير من الأحزاب والمرشحين حتى الآن. وحين نأتي إلى أهم ما يضعف العملية الانتخابية، فنجد أن ذلك يتجسد في رغبة الأحزاب الحاكمة بالاستمرار في السلطة وإن اضطروا إلى تعديل القانون ليكون وفق رغباتهم أي "لَيّ" عنق القانون لغرض البقاء في السلطة بأية وسيلة كانت، أيضاً اختيار أعضاء مجلس المفوضين من إحدى سلطات الدولة الخاضعة للمحاصصة الحزبية، الذي من المفترض اختيارهم من خارج السلطات الثلاث، كأن تكون لجنة تديرها الأمم المتحدة. المأخذ الآخر يتلخّص في أن الاستقلالية المالية للمفوضية شبه مفقودة لأن موازنتها التشغيلية والانتخابية، تتحكم فيها وزارة المالية، وهي إحدى وزارات الحكومة العراقية التي يتم تقاسم مؤسساتها بين الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة. بالتالي تستطيع الحكومة إجراء الانتخابات أو عدم إجرائها بحسب قرارها ومصلحتها. العامل الأهم الذي يؤثر في ضعف الممارسة الديمقراطية هو وجود السلاح بيد الجميع، ما ينعكس على إرادة الناخب بوسائل الترهيب والترغيب وهي الحال ذاتها بالنسبة إلى هذه الانتخابات أيضاً.
*
اضافة التعليق