بغداد- العراق اليوم:
كرم نعمة
من بين الأسئلة التي أطلقتها على الفنان كاظم الساهر في أكثر من حوار منشور، عما إذا كان الوقت قد حان ليمنح فيه الملحنين الحق في التعامل مع صوته، لم يمتلك الساهر إجابة واضحة آنذاك، أو على الأقل التخطيط لأداء ألحان غيره مستقبلا، لأنه كان مدفوعا بشهرة هائلة ونجاح جماهيري يفوق موهبته اللحنية، إصراره على الاقتصار على ألحانه كان مدفوعا بثقة مفرطة بما يلحن وتجاوب جماهيري معه، كانت المرة الوحيدة التي استعان فيها الساهر بحسه الموسيقي العراقي بلحن “حاسب” لصوت لطيفة التونسية موظفا مقام المخالف الموغل في تعبيريته الذي ابتكره الموسيقار العراقي الراحل محمد القبنجي، ومع ذلك لم يَقدم الساهر على أداء أي من ألحانه على هذا المقام! وفضل أن يكون بصوت غيره.
مهما يكن من أمر، فإن النجاح الجماهيري والشهرة جعلا من التناول النقدي لألحان الساهر أمرا محفوفا بالمخاطر على كاتبه، ومثل هذا الأمر دفع بملحنين عراقيين كبار إلى مداهنة شهرة الساهر، وعدم إبداء رأي موسيقي بما يلحن. لكن تجربة السنوات الماضية كفيلة بأن تقدم للساهر دروسا فنية، تجعله يعيد التفكير بما قدم من ألحان والتخطيط لما سيقدم مستقبلا، بعد أن عاش الشهرة في أوجها وتمتع بالمال إلى أقصاه، وحقق غروره الذاتي بجمهور هائل أحبه وأحب غناءه، ما كان يُقدم عليه من ألحان قبل عشرين عاما لم يعد صالحا وفق علوم الموسيقى التي تعلمها على أيادي مبدعي العراق في معهد الدراسات النغمية، ذلك هو التحدي أمام الفنان الصديق أبو وسام.
مناسبة هذا الكلام الأغنية الأخيرة التي وزعت قبل أيام بعنوان “غمازتك” نص مبتكر في تعبيريته للشاعرة جموح ولحن للفنان الشاب عادل عبدالله لا يرقى إلى دلالة وروح النص! مس فيه من بعيد مقام اللامي على إيقاع الجورجينا السريع، لكن لا وقع للحس التعبيري الحزين في هذا المقام العراقي حساً وابتكاراً، ومن حسن حظ الساهر أن الموسيقار القبنجي لن يسمع هذه الأغنية، وإلا لتأسى ألماً أكثر من الألم الذي حرضه على اكتشاف هذا المقام!
لحن “غمازتك” الذي لا أشك أن الساهر وضع بعض لمساته اللحنية عليه خذل النص الجميل، ولم نجد جملة موسيقية توصل لنا شفافية تعبير الوله بغمازة الحبيب، لكن الأهم من ذلك لماذا منح كاظم الساهر بعد كل هذه التجربة، الحق لملحن شاب مثل عادل عبدالله التعامل مع صوته، بعد أن فوّت فرص التعامل مع كبار الملحنين! كان عليه الاستفادة من التجارب التي وظفت النص الخليجي في لحن يجمع بيئة النص ممزوجا بالأطوار العراقية، كما نجح أيما نجاح الملحن عبدالله الراشد في نص فائق عبدالجليل “بياع كلام”، وألحان عبدالرب إدريس لنص بدر بن عبدالمحسن في “تسرق النوم” وأدى الأغنيتين الفنان سعدون جابر.
قد تنجح أغنية “غمازتك” وتجد لها من الجمهور بقدر جمهور أغنية “يضرب الحب” أو “نزلت للبحر”، لكنها لن تنجح كخيار موسيقي معبر للساهر أمام نفسه على الأقل. مازال هناك من الملحنين العراقيين من يفهم طبقات صوت كاظم الساهر أكثر مما يعرفه هو عن صوته! ومازالت الفرصة مواتية لإعادة الاعتبار لغناء جدير بأن يكون صوت الساهر خاضعا لامتحان التحدي فيه!