بغداد- العراق اليوم: منذ عقود والكل ينظر للعراق بأعتباره مصدر تهديد وقلق لمحيطه الإقليمي، بل ويعتبره البعض خطراً دائماً على وجوده، وأمنه القومي والستراتيجي . ومنذ عقود طوال، لم يتوقف العراق عن الاشتباك مع العالم الخارجي، سواءً اكان الاشتباك عسكرياً كما في حربي الخليج الأولى والثانية، أو اشتباكاً دبلوماسياً وسياسياً، حد أن بلغ العراق مساراً، أدخله بموجبه ضمن قائمة الدول المارقة ابان العنتريات الصدامية التي كانت الكارثة الأكبر في تاريخ دولة بلغت الأن قرنها الأول. قُيض للعراق بعد هذه العقود العشرة من الاشتباك الخارجي، أن يصل رئيس وزراء طموح، ودبلوماسي من الطراز الجيد، وسياسي من المؤمنين بنظرية ( الحوار السياسي)، وهو أيضاً من الذين ينتهجون لغةً جديدة لم تألفها بصراحة اعراف السياسة العراقية القائمة على الخطابات والشعاراتية المفرطة، والتغني بأمجاد المدافع، والرقص مع فوهات البنادق، والانتشاء جذلاً مع البزات العسكرية الكاكية اللون!. العراق في مئويته الأولى يُدار اليوم من رجل لايؤمن بمبدأ (الأبيض والأسود) فقط، فالسياسة واسعة اتساعاً قابلاً لأن تكون صديقاً للجميع، وأن تذهب بأتجاه ( صفر أزمات) لدولتك، وأن تحفظ في ذات الوقت مصالحك الأقليمية، وتؤمن فضاءً مشتركاً للأخرين ضمن ما تسمح به بالتأكيد محددات السيادة الوطنية. الكاظمي الذي يمضي بالعراق نحو منهج أخر، يأمل أن يتحول النهج الذي يتبناه الى مدرسة جديدة، وأن تبتعد بلاده عن لقبها الذي تنتزعه بلا منافس، كدولة أولى في تصدير القلق وعدم الأستقرار الأقليمي والدولي، ويريد أن يعيدها الى نادي الدول النامية والتي تتحفز لتكون رقماً في الاقتصاد والسياسة والدبلوماسية، والمصالح المتبادلة. نعرف أن هذه السياسة لا تلاقي عند البعض من كلاسيكي السياسة، ومدمني نظريات المؤامرة، والسادرين في فرض منطق القوة، والذين لا يعجبهم أبداً قوة المنطق كأداة فاعلة وحقيقية في صناعة السلم والقوة والأقتدار ان احسنا استخدامه كأداة بأيدينا. وقد يكون الكاظمي الاستثناء من بين 40 رئيساً شغلوا هذا المنصب في سياسة لا تكرس حلف الشرق كما حاصل فيما مضى، ولا حلف الغرب ( حلف بغداد) وما شابهه في الماضي البعيد، بل سياسة التوازن المحايد. نعم، يمضي الكاظمي بالبلاد نحو عقلانية سياسية قد تبدأ قرناً أخر بلا ملامح للعنف السياسي، ولا الاحتراب الخارجي، وقد تبدو مهمته صعبة في ظل واقع صعب المراس هو الأخر، لكن للرجل سيكون شرف المبادرة، وقصب السبق في بناء اطار سياسي يمكن ان يقول عنه من يكتبون في السياسة أنهُ نسق مختلف في ظل سطوة انساق العشائرية والقبائلية واعراف التغالب التي عانت منها ومن تبعاتها البلاد طويلاً، ونأمل ان لا تستمر مطلقاً.
*
اضافة التعليق