ويبدو ان عدم الاهتمام او عدم التركيز على ما يجري في معظم البلدان العربية التي يحذر التقرير من احتمال حدوث انفجارات وثورات دموية فيها، انما يعود لاعتقاد حكومات تلك البلدان بأن عدم الاشارة والتحذير من اندلاع ثورات ربيع عربي شديدة، سوف يمنع من قيام او اندلاع تلك الثورات، متجاهلة بسذاجة بائسة حقيقة ان الثورات او الانتفاضات، سلمية كانت ام دموية، لن تحدث نتيجة تحريض من هذه الجهة الخارجية او توجيه جهة اخرى، انما تندلع وتقع بالتدريج او فجأة جراء توفر البيئة والشروط المحلية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تضيف اليها الطبقات الحاكمة عوامل اخرى مساعدة متمثلة بالقمع والارهاب والاضطهاد والحرمان والظلم، فتنجدل كل هذه العوامل في حزمة من الاسباب والظروف التي تخلق البيئة المناسبة وصواعق الانفجار التي لا أحد يستطيع ردها الا بالهزيمة امامها، او بالمزيد والمزيد من القمع والارهاب لوأدها، وهو الوأد الذي يكون مؤقتاً دون شك. ولعل المثال الأبرز على ذلك هو قيام المواطن التونسي بائع الخضرة محمد البو عزيزي بإحراق نفسه في (17/12/2010) رداً على معاملة قاسية وغير انسانية ضده قامت بها شرطية تونسية دون وجه حق، وهو الأمر الذي تسبب بتعاطف ملايين التونسيين معه واندلاع – منذ تلك اللحظة – ثورات الربيع العربي. وإذ ادت ثورة التونسيين الى اسقاط نظامهم السياسي القمعي، وهرب الرئيس والطاقم الحاكم الى خارج البلاد، فإن ثورات اخرى في بلدان عربية انتصرت بينما فشلت أخرى جراء استخدام المزيد والمزيد من القمع دون التمكن من القضاء عليها. واللافت ان الذين تضرروا من اندلاع ثورات الربيع سابقاً وشعروا باقتراب نيرانها منهم دون ان تطالهم، خرج البعض منهم علينا هذه الايام لا ليقر بالاسباب والمبررات والبيئات المفجرة لاندلاع الثورات ولا ليأخذ ويتأمل بتحليلات وتحذيرات تقرير دولي من احتمال اندلاع ثورات دموية ما لم تقم الدول العربية المعنية بإنهاء الظلم ضد شعوبها والسعي الحقيقي لتحقيق العدل والمساواة بين مواطنيها. إن تقرير (الألسكو) لم يكتف بوصف حالة بعض البلدان العربية والتحذير مما ينتظرها من ثورات، إنما اقترح ايضاً الحلول العملية والواقعية التي يمكن ان تمنع او تحد من حصول تطورات سلبية تضر بشعوبها والطبقات الحاكمة ذاتها. ويشير التقرير الى ان غالبية الدول العربية ابتليت بالاستبداد والفساد وتهميش مواطنيها، وانه بالتالي لا بد من صياغة او اعداد (عقد اجتماعي جديد يحقق قدراً من العدل..). وبالطبع فان ذلك يتطلب ان تبادر للدعوة له وصياغته نخبة من المثقفين من أصحاب الكفاءة والخبرة والعلم والتجربة المعترف لهم بتلك الصفات ليدخلوا بعدها بحوار وطني جاد مع حكومات بلدانهم لاقناعها بأهمية العقد الاجتماعي، ثم أهمية وضرورة المساهمة مع النخبة التي بادرت الى طرحه من اجل اقراره وطرحه للرأي العام من اجل اعتماده، لتوفير ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية أفضل في بلدانهم تجنباً لاندلاع ثورات سلمية او دموية، حذرت من وقوعها لجنة (الألسكو). تحت عنوان (الظلم في بلدان العالم العربي والطريق الى العدل) أصدرت مؤخراً لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الألسكو) تقريراً من 400 صفحة قام بإعداده عدد كبير من المختصين والخبراء في المنظمة الذين كلفهم الأمين العام للأمم المتحدة الذي طلب سحب التقرير وعدم تبنيه. لكن اللجنة التي أعدته قامت بنشر نصه باسمها موضحة بأن عدم تبني الامانة العامة للتقرير انما جاء بسبب ضغوط مورست على المنظمة من بعض الدول العربية ودولة اسرائيل، لان التقرير يكشف ما تقوم به حكومات هذه الدول من انتهاكات وقمع وظلم ضد شعوبها وما تقوم به اسرائيل من قمع واضطهاد وانتهاكات ضد الفلسطينيين. الخبير الدولي لشؤون المنظمة الدولية أنيس القاسم فسر الضغوط التي مورست لعدم نشر التقرير بقوله ان هذه الدول تخشى التقارير الأممية لان ممارساتها أسوأ من ممارسات اسرائيل، تجاه مواطنيها.