لماذا لم يستسلم الكاظمي ؟!

بغداد- العراق اليوم:

عواصف بغداد السياسية والأمنية لا تهدأ منذ اكثر من عام، وللأمانة فأن بغداد شهدت قبل ذلك مثل هذه العواصف، فقلعت من قلعت من موقعه، وأبقت من أبقت في مكانه، لكن الثبات والقدرة على المواجهة مختلفة، ومتباينة، حسب قدرة كل شخص وظروفه الموضوعية، ومنهم من استسلم لقدره، وانحنى للعاصفة، وحاول تفاديها، لكنها ذهبت به بعيدا بعد ان فشل في صدها ومقاومتها.

البعض الاخر، كان امضى واقوى عوداً وصلابة، وقدرة على الممانعة، وله باع طويل في حبس الأنفاس، والقدرة على الحسم في اللحظة التي تتطلب ذلك.

بغداد في زمن الكاظمي، ليست بغداد في زمن غيره، فعواصفها كادت ان تتحول الى أعاصير، وما كان يضعه الأخرون من مصدات سياسية وأمنية واقتصادية وإقليمية لحمايتهم، قاموا برفعها بلا مرؤة، وتركوا الرجل وحيداً يواجه قدره، ان لم  يسهموا هم، بشكل او بأخر في تحريك هذه الأعاصير لاقتلاعه!، استثارة الناس ضده!.

كيف صمد الرجل الوحيد؟

لغاية الأن، ومع كل عاصفة يواجهها الرجل، فأنه يظهر لياقات جدبدة، وقدرة ممتازة على ادارة الاوراق على شحتها، ويذهب بحزم، لا بعنف،  لتفكيك هذه الأزمات العاصفة، وهو يدرك ان الظهر المكشوف ليس مدعاةً للأنهيار والسقوط دائماً، لاسيما ان امتلكت قدرة على الثبات وإرادة محفزة على عدم الاستسلام .  

ملفات وملفات

بغداد والعراق برمته واجه ازمات لو واجهتها حكومة غير حكومة الكاظمي لانهارت بسرعة البرق، فمن حالات الاغتيالات السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد، الى ملف الصِدام او الاحتكاكات المتكررة مع بعض القوى والفصائل المسلحة، والمحاولات الواضحة لجر قدم الحكومة لنزاع داخلي دام.

من هذه التعقيدات لملف كورونا الضاغط، وملف الاقتصاد الهابط، والاختناق بملف الموارد المالية الشحيحة، التي كادت ان توقف عجلة الاقتصاد والحياة بشكل تام، وتحدث ثورة جياع لا تبقي ولا تذر.

من هذه الازمات الى ازمة المياه، واخرها ازمة الكهرباء، الأزمة القديمة الجديدة، فبينما يقوم الرجل بجولة دبلوماسية خارجية رفيعة المستوى،  تتآمر رياح الغدر مع رياح الفساد والفشل، ومعها الاهمال وسوء التخطيط وو..الخ من الاسباب، لتكون عاصفة، بل تسونامي يصحو عليه العراق في يوم قائظ جداً، حيث وجد اكثر من ٣٧ مليون عراقي انفسهم بلا كهرباء في درجات حرارة تصل الى نصف درجة الغليان.

فأي غليان شعبي سيواجهه الرجل وحكومته في مثل هذه الاجواء الخانقة، ومن راقب الأزمة الاخيرة، حبس الانفاس، فشهر تموز لدى العراقيين لا يشبهه شهر، ولكن الكاظمي واجه هذه الازمة ببسالة وحنكة وقدرة ايضا، واجتازها واجتزناها معه كشعب بأقل خسائر ممكنة.

الكاظمي الذي لا يهرب

رغم ان الرجل من خلفية ثقافية مدنية، ولم يكن عسكرياً في حياته، الا انه يمتلك قوة مواجهة نادرة، ومثيرة للأعجاب في الحقيقة،  حيث لا يستسلم بسهولة، ولا يهرب من المسؤولية، مهما كانت النتائج.

فمع كبر كرة النار، والتي كادت ان تحرق العراق كله دفعةً واحدة، الاً أن  الرجل واجه هذه الكرة بيديه، بلا عنف ولا دماء، بل بقرارات سريعة، وبأوامر صارمة، حيث مضى بأتجاه الازمة، وجمع كل الاطراف، ولم يتوقف عند تفصيلة، بل فكك الأزمة وأصدر قرارات عملية، خلال ساعات قليلة عادت المنظومة الكهربائية للعمل، وبدأت بالتحسن، وارتفعت نسب تجهيز الناس، ونزعم انه ورغم قسوة الانقطاع، الاً ان معالجته كانت الاسرع في تاريخ الانقطاعات المشابهة الكثيرة التي شهدتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية.

فقوة القرار، وصلابة الموقف، والتشخيص الصائب دفعت وزير الكهرباء الى ان يغادر موقعه، بعد ان شعر بعدم القدرة على المواكبة وتحمل الرجل مسؤوليته الاخلاقية والقانونية المباشرة وغادر،  لكن مع مغادرته امر الكاظمي مسؤولين بارزين في ملف الكهرباء ان يتركوا مواقعهم بعد فشلهم في تجنيب البلد مثل هذه الأزمة، وايضا وضع الكاظمي الشعب في صورة ما حدث، لم يخفٍ المعلومة، ولم يختر له كبش فداء ليختبئ خلفه، لم يشنق احدا، ولم ينكل بجهة، بل وضع الحلول السريعة لاستعادة المنظومة الكهربائية للعمل، ووضع الى جانبها القرارات التي ستمنع تكرار  مثل هذه السيناريوهات المؤذية.

قوة الحكومات المدنية

لسنا في وارد تعداد مزايا الكاظمي وصفاته، بل نحن نود التأكيد على ان قوة الحكومات المدنية، وقدرتها على مواجهة تحديات الواقع مهما كانت حقيقة واقعة نشهد فصولها امامنا بكل مسؤولية وطنية واخلاقية، ولا يشترط في قوة الدولة ان يكون القائد جنرالاً او منتحل لصفة الجنرال، كما كان يفعل الديكتاتور صدام وازلامه الذين ملأوا العراق عنتريات فارغة، وراحوا يتفاخرون بادعاءات زائفة، بينما كان كل خراب البلاد وسوء حال العباد من افعالهم، واجرامهم الذي لا يحصى.

نعم،. فالحكومة المدنية التي يرأسها شخصية متفتحة وذات عقلية متوازنة يمكن ان تنجح في ادارة بلد مثل العراق بكل تعقيدات مشهده السياسي والأمني والخدمي، ويمكنها ان تحول الرياح الصفراء الى نسائم باردة.

 

علق هنا