في أخطر رسالة يوجهها رئيس وزراء عراقي للشعوب العربية : تغييب العراق افقد المنطقة توازنها، والتكفير مشكلة تهدد الجميع !

بغداد- العراق اليوم:

على طريقة السياسيين والدبلوماسيين الغربيين، وقادة دول العالم الحر، الذي يختارون صحفًا كبرى لينشروا رؤاهم، ويطرحوا مشاريعهم السياسية، أختار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أن يكتب مقالاً مهماً، وفي وقت حساس، قريباً من موعد ثورة العشرين التي أسست بشكل واضح لقيام الدولة العراقية الحديثة، وبعد قرن من هذا التأسيس، يشارك رئيس الوزراء بكتابة وثيقة أو رؤية عراقية صرفة، أختار ان يبرقها الى  العالم العربي، وخصوصاً الشعوب قبل الأنظمة، في عالم شهد ويشهد متغيرات، وعلى اعتاب مئوية أخرى من عمر العراق الذي ظل تائقًا للتحرر من ربقة الماضي الثقيل، وسخونة الواقع المعاش.

الكاظمي يتحدث في مقاله الذي نشرته الزميلة (الشرق الأوسط) وبعض الصحف العراقية والعربية، عن ضرورة تاريخية، لاستعادة توازن المنطقة المُختل منذ عقود، ويريد أن يساهم من موقع العراق الآن في طرح مشروع أنقاذي للمنطقة برمتها، التي لم تكن بمعزل عما حاق بالعراق من مخاطر وأزمات، وما تسبب به ( فقدان الثقة) من مأسِ، وأستمرت البلاد تبحث عن طريق للنجاة، وتجنب سيناريوهات ( الحرب الأهلية) التي لم تنحسر في العراق، بل اتسعت كموج البحر، لتضرب سوريا، واليمن وليبيا ولبنان والبحرين، والاردن ومصر، وغيرها من البلدان التي لا تزال تعيش هواجس الانفراط بعد مئوية فاشلة من التأسيس لدولة المواطنة.

الكاظمي في مقاله اللافت الذي اعاد ( العراق اليوم) نشره اليوم، يتحدث عن مشروع جديد يريد أن يبدأه من العراق، وينتهي الى أنهاء هذه الحقبة الزمنية الحافلة، والأنطلاق لغد عربي موحد مشترك، بعيداُ عن الشعاراتية ( القومجية)، أو العالمية المفرطة بالنرجسية، أو التنويعات الطائفية الدينية، التي تخندق الشعوب وتعيد تفكيك أواصر اللحمة بينها.

الكاظمي يقول في مقاله أن " لغة المصالح المشتركة، ولغة البحث عنها، هي الحقيقة الأقوى، مع التأكيد على أهمية العوامل المساعدة في التأسيس الراسخ لثقة مشتركة، حيث تعمل الانتماءات الدينية والثقافية واللغوية والفنية والأدبية بمثابة الأسمنت الرابط والمعزز لهذه اللغة الحديثة.

ويشير المقال الى أن مواجهة النزعات التفكيرية والأقصائية، هي الضرورة التاريخية التي يحتمها الواقع، وهي بالفعل السد الأكبر والأكثر خطورةً الحائل دون أن تعبر سفن الحرية والحداثة الى الضفة الأخرى، حيث الأنوار والتنوير والأنسانية الحقة، يقول " وقد بات واضحاً أن عدوّنا المشترك إنما هو الإرهاب بأوجهه وواجهاته المختلفة، وبمنهجه التكفيري ونزعاته المنحرفة" .

أن عالمًا عربياً بلا أرهاب ولا نزعات مثل هذه، لن يولد ما دامت الثقة بالأخر منعدمة، وما زالت بواعث التأزيم أقوى من بواعث الأمل، وما زالت مفاعيل التوتير تعمل بطاقتها القصوى، انطلاقًا من احكام شخصيات مأزومة فكريًا او عقديًا، تنطلق من توظيف سيء للدين والعقيدة والاختلاف.

وعلى غير العادة في ما يكتبه الرؤساء والدبلوماسيون، فأن الكاظمي لا يخفي أبدًا نزعته في قيادة بلده، والتطلع لمشاركة البلدان العربية  الأخرى الى أن تؤدي دورها التاريخي في اختزال مراحل التطور، والعبور من منطقة الأزمة الى منطق العصر الحديث، حيث التكنولوجيا الحديثة التي باتت لغة مشتركة، وأتت على الأيدولوجيات " العتيقة"، واظهرت عيوبها الفكرية، وعمق "سقمها" بل وسذاجة ما ترسخه في العقل العربي الجمعي.

الكاظمي لا يخفي أيضًا ان يذهب في مواجهة المخاوف والهواجس الى أبعد حد، ويشير بوضوح الى رغبة جامحة لمحاورة الأخر المجاور، وهنا نجتهد لنرى أن الكاظمي قصد بما قاله في نهاية المقال، تركيا وإيران البلدان اللذان لعبا ولا يزالان أدورًا مؤثرة في محيطهما العربي والاسلامي، حيث جاء في المقال " ألم يصبح لزاماً علينا التفاعل مع جيراننا من الأمم الأخرى والتحاور معهم بصريح العبارة عن مخاوفنا ونستمع منهم بصراحة أيضاً عن المخاوف والهواجس التي تراودهم...؟".

ويختم المقال بالتأكيد على أن زمن تجاوز رأي الشعوب، وزمن الضغط والكبت قد أنتهى، وأن صياغة السياسات العليا، مهمة مشتركة بين السلطة بوصفها حاكمة، والشعوب بوصفها مساهمة لا محكومة، حيث قال " إنها من وجهة نظرنا، لحظة تاريخية فارقة نتفحص فيها حقيقتين أساسيتين؛ أولاهما أن لا طريق لنا نحو المستقبل في منطقة الشرق الأوسط من دون أن نتكاتف جميعاً لحفظ كرامة شعوبنا وحق أجيالنا القادمة بالحياة الكريمة التي تليق بنا، وثانيتهما أن ذلك لن يتم إلا باستعادة توازنات المنطقة التي يشكّل العراق ركناً أساسياً فيها. كما تشكل الدول الشقيقة والجارة والصديقة أركاناً يتشكل بها مجتمعة بيتنا المشترك...

علق هنا