بغداد- العراق اليوم: البعض - من الذين يستقوون بإيران - يهددون بمجيء المرشح المحافظ، والمتشدد (رئيسي)، بل أن هذا البعض، يهدد الكاظمي وحكومته جهاراً نهاراً بما سيفعله (رئيسي) بمنظومة الحكم العراقية، وما سيفعله بالعراق عموماً، وهو حين يردد ذاك فرحاً، فإنه ينسى ان الكاظمي وحكومته لم تذق العسل من يد الرئيس السابق روحاني، كي تحرم منه في عهد الرئيس (رئيسي)، فالعلاقة ذاتها بين بغداد وطهران في مختلف الرئاسات الإيرانية، والرئاسات العراقية أيضاً، ومخطئ من يظن ان ثمة تغييرات ستطرأ على شكل العلاقة بين بغداد وطهران، وان الاخيرة ستبدأ شكلاً اخر في علاقتها مع بغداد، مع وصول الرئيس الأصولي ابراهيم رئيسي الى كرسي الرئاسة، بعد انتخابات بسيطة خاضها منافساً نفسه كما يردد الايرانيون، حيث جرى استبعاد خصومه الاقوياء عنها، في تحول قرأه المتابعون على انه جزء من عملية نقل السلطة في أعلى هرم القيادة الايرانية، لاسيما مع الحديث عن شيخوخة الولي الفقيه السيد علي خامنئي واعتلال صحته المزمن. لا شك إن الكثير يعلم جيداًً أن ملف العراق هو واحد من أهم الملفات التي تشتغل عليها القيادة الإيرانية، لذا يتوجب وضع هذا الملف الحساس بل والخطير في يد أمينة، وهل هناك يد أكثر أمناً وأماناً من يد السيد الخامنئي؟ أما الرئيس روحاني وما قبله وبعده من رؤساء الجمهورية الإسلامية فليس من حقهم الاقتراب من هذا الملف، فهو من اختصاص المرشد الأعلى فحسب، أو من يكلفه شخصياً بإدارته أو العمل في منظومته الخاصة، كما كان الحنرال سليماني من قبل. لذا فإن التهويل بدور الرئيس (رئيسي) وما سيفعله في العراق من تأثيرات وتغييرات أمر مبالغ فيه كثيراً .. وهنا أطن أيضاً، أن تهيئة الظروف كلها وإعداد المسرح برمته، من أجل فوز رئيسي، وتسلم رئاسة الجمهورية لم يكن قطعاً من أجل إدارة ملف العراق، أو محاربة حكومة الكاظمي كما يروج البعض، فهذا الملف كما قلنا بيد أكبر وأعلى وأقوى من يد ( رئيسي) لكني أرى، ويؤيدني الكثير بأن السيد الخامنئي يريد تدريب أحد أبرز تلامذته ومقلديه، وتأهيله ليكون خليفته في موقع الولي الفقيه، ويجب أن يبدأ به من موقع رئاسة الجمهورية، أي تماماً كما فعل الإمام الخميني، حين أعد الخامنئي لموقع المرشد الأعلى، فقد كانت البداية منصب رئيس الجمهورية أيضاً، ثم أصبح خليفة للإمام الخميني في ولاية الفقيه! اذن، فالدوائر الايرانية التي تصنع القرار الستراتيجي قد تكون اتخذت قراراها الحاسم في ترتيب البيت الداخلي هناك، وهي تمهد لعملية خلافة السيد الخامنئي بطريقة سلسلة مع ازدياد الضغوط الدولية على ايران، والخوف من التوتر الداخلي واضطراب الأوضاع الاقتصادية بسبب العقوبات القاسية المفروضة على البلاد. نعم، فهذا برأينا وارد جداً، لكن السؤال المهم، ما مدى تأثير هذا التغير على العراق، وكيف سيعمل (الرئيس) رئيسي في ملف ادارة مصالح ايران في بغداد، إذا كان الرجل لايملك (كود) هذا الملف كما أسلفنا.. علماً أن ثمة مفاتيح لملفات حساسة أخرى - غير الملف العراقي - ليست لدى رئيس الجمهورية أيضاً، إنما لدى دوائر اخرى تعمل وتدير ملفات مصالح ولربما نفوذ طهران في العواصم المختلفة، كما كشفت عن ذلك تسريبات وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف المثيرة للجدل. لذلك فإننا نعتقد ويعتقد غيرنا أيضاً ان ملف العراق وغير العراق لا يدار من الحكومة ولا حتى من قبل وزارة الخارجية الايرانية، الجهة المعتادة في اغلب دول العالم في ادارة شؤون السياسات الخارجية. ثم فوق ذلك، هل من جدوى وفائدة تذكر من تحذيرات البعض وتخويفهم من أن رئيسي متشدد وصلب، ولربما يتبع سياسات متشددة تجاه بغداد، فهل كانت ايران في عهد الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني مرنة مثلاً، وهل استطاع الرئيس روحاني ( الاصلاحي) أن يكبح جماح بعض الجهات والفصائل التي تتبع ايران علناً، او تحتفظ معها بعلاقات صداقة وود، وهل استطاعت الدبلوماسية الايرانية الرسمية ان تعالج ملفات ساخنة بين بغداد وطهران، وتنافس الادوار التي يضطلع بها الأخرون في هذا الملف، لاسيما العسكريون منهم والثوريون؟. قطعاً الجواب: لا، فالقرار كما نعرف ونعي ليس من الرئيس ولا من صلاحياته، ولافرق بين ان يكون الرئيس روحاني المنفتح، أو رئيسي المتشدد، ما دامت استراتيجية القرار ترسم خارج غرفهم الرئاسية التي يلجونها وهم محملون بمشاكل الداخل الصعبة. لذا فأن التوقع ان رئيسي سيمضي الى التشدد في ملف بغداد، خاطئ جداً كما ذكرنا، ولربما النظام الايراني يريد ان يعكس المعادلة،فهو يعرف ان اضافة المزيد من الملح سيفسد ( الطبخة)، وقد يدفع بأمريكا والتحالف الغربي لانتهاج سياسات اكثر تشدداً حيال ملفها النووي، ولربما يذهب باتجاه تغليظ العقوبات اكثر، حيث ان هذه الدول تراقب ايران وتتابع تعاملها مع جيرانها، ومنهم العراق، وتريد منها ان تلتزم بشكل واضح بعدم تقويض أمن واستقرار البلدان التي تحتفظ فيها بعلاقات ومصالح واصدقاء مؤثرين، كما في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا والعراق قطعاً. لذا نرى ان بغداد الآن، وخصوصاً رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على رأس حكومته، لم يبدِ أي ردود فعل قلقة، أو غير مرحبة، بل على العكس، فالعراق الآن في موقف قوي، وواضح، ولديه رؤية واقعية، ويريد ان يرسخ علاقاته مع ايران بشكل حقيقي، بعيداً عن سياسات التشدد أو التنفيس او التكتلات الأقليمية والدولية المؤذية للعراق ولإيران ولكل دول المنطقة بالتأكيد.
*
اضافة التعليق