بغداد- العراق اليوم: في مقابلة مطولة وحافلة بالتشويق والإثارة، فضلاً عن جرئتها، وما اتسمت به من شفافية عالية، ولغة بلا مواربة، وظهور متحفز، مع خطاب غير مألوف في أروقة السياسة العليا في البلاد، دفع الكاظمي دبلوماسية الحديث الى الخلف، وقدم المكاشفة على طبق رمضاني في حديث لم يخلُ من الشجن، ولم تغادرهُ روح المشاكسة والصِدام التي يتقنها الرجل ربما لخلفيته الصحافية السابقة. صندوق أسرار العراق، كشف اليوم عن مكامن صناعة القرار، ودراماتيكية الغرف الجانبية، وفتح اضواءً كاشفةً على بعض المناطق المعتمة، قال في مقتدى الصدر مالم يسبقه رئيس وزراء بغد 2003، وأنصف الصدر الذي نحا منذ سنوات منحى سياسي فريد، ليخرج من رجل الجماعة المسلحة الدينية المنغلقة عقائدياً، الى رجل يقود مسيرة إصلاحية، ويكافح من إجل تقويض أسس الفساد والطائفية التي دفعت بالعراق الى أتون لا يعرف الى الآن متى موعد الخروج منه على الأقل. إن مقالي هذا ليس مقالاً لمديح ( الظل العالي) وليست مقامة في بديع كلام رئيس الوزراء، الذي أختار لغةً اقرب منها الى المحكي، وخاطب الجمهور بما يريده ويريدونه، فكسر الحواجز، ووصل الى أن " يكشف بوضوح تام عن خلفية مذهبية رائعة، حينما قال في معرض حديثه " أنه قال لي الله ومحمد وعلي معك" وهذه العبارة يقولها العراقي حينما يتمنى ان تحف البركات بمن يدعو له، وأن تعينه السماء بحضرة أوليائها الصالحين الى ان يخطو في المسار الصحيح. حديث الكاظمي كان مكاشفةً بعد عام من حكم العراق، ولحظة من لحظات قول " الحقيقة " التي اخفتها مصالح السياسة، ومطامح الانتخابات، فالرجل يبدو أنهُ كان قد حسم الخيار، ولا يريد ان يحول المنصب الى شبكة لصيد الأصوات الأنتخابية، ولا لمحطة استعراض قوى، ولا لحظة لكسب الفوائد، بل يقول بصراحة، أنا هنا، لشيئين فقط، إيقاف العنف والفوضى، والدفع بالعربة الغاطسة لتخرج قبل ان يزداد من حولها الدم!. نعم، هذه باقتضاب المهمة التي تصدى لها رئيس مخابرات العراق، بعد أن عجزت القوى السياسية عن إقناع الشارع، وعجز الشارع عن صناعة مقاربة مرضية خارج إطار الشرعية الدستورية، وبذا فقد كان الكاظمي بديلاً عن سلطوية قد تؤسس لدكتاتورية، وانقلاب شعبي قد يقود البلاد الى فوضى غاشمة. بهذه المعاني مضى الكاظمي الى التأكيد على أهم الفواعل في مشهد العراق العريض اليوم، فالفاعل الخارجي، حاضر، لكنه يفترض انه يجب ان يتقلص للحد الذي لا يمكنه أن يؤثر في تشكيل بؤر توتير في صناعة القرار السياسي، ويريد الرجل ان يخرج البلاد من كونها (حلبة مصارعة) يفضل المتخاصمون ان يجربوا مقدار القوة والعزم عليها، ويقول الرجل بلاد شك أن هذا الفاعل يجب ان ينتهي اذا اردنا وطنًا مستقلًا قادراً على أن يدفع بنفسه الى مصاف الدول المحترمة. الكاظمي أشر بوضوح أيضاً الى فاعل أخر، السلاح خارج الدولة، الذي يراد منه خلق توازن قوى في المشهد السياسي، وقد عمقت بعض القوى السياسية فهما لهذا الى حد البحث عن توازن قوى مع الدولة ومؤسساتها الشرعية!. لكنه قال أنه يبحث قوى التوازن، التي لا يجب ان تغيب عن المشهد، حيث ان هذه القوى هي مؤسسات دستورية، قوى مجتمع مدني فاعلة، علاقات دبلوماسية مميزة، رأي عام ضاغط، اعلام تعددي حر، وتعددية سياسية منتجة ايضاً. لقد كانت بإختصار مقابلة ( إنتحارية ) خرج منها الكاظمي سالماً، لكنه وكلمة الحق تقال، كان شجاعاً جداً، وصادقاً جداً، وواضحاً جداً .. فماذا يريد، بل وينتظر المواطن من مسؤوله، غير ان يكون شجاعاً وصادقاً، وواضحاً، وهذا ما كان عليه الكاظمي في مقابلة حمادي !
*
اضافة التعليق