عندما تكتب شخصية ثقافية مثل فارس كمال نظمي عن شخصية جماهيرية كجاسم الحلفي، فالمقال يستحق النشر حتى لو كان قديماً

بغداد- العراق اليوم:

جاسم الحلفي .. رجل يستوطنُ المستقبلَ فقط..!

الدكتور فارس كمال نظمي

أود أولاً أن أشكر نفايات الإسلام السياسي لأنها أتاحت لنا هذه الفرصة لتقديم شهادة – لعلها متأخرة- بحق صديق قد لا يحتاجها بقدر ما نحتاج نحن أن ندلي بها في هذه اللحظة.

وقبل أي تعريف سياسي أو وطني أو مدني آخر ينطبق على جاسم الحلفي، أقول إنه الفتى الشيوعي الخارج طبقياً منذ أكثر من أربعين عاماً من قاع المجتمع المأزوم بآلامه وأحلامه، والساعي بعد ذلك عبر كل مراحل حياته في الجبال والمهجر والوطن إلى "وطن حر وشعب سعيد"، بكل وسائل العمل السياسي والعسكري والفكري.

ولذلك فإن استهدافه بالتسقيط السياسي – من أي جهة كانت- هو قبل كل شيء استهداف للشيوعيين العراقيين بمشروعهم الثقافي/ الاحتجاجي الذي أسهم – من بين عوامل أخرى- في إعادة رسم الخريطة السياسية الممزقة للبلاد، وأعاد إنتاج الأمل بإمكانية إنجاز التغيير بتحالفات غير تقليدية قد تصنع ثغرة حاسمة في جدار سلطة التطييف السياسي الغارقة في الفساد.

ما أنجزه جاسم الحلفي في ساحات الاحتجاج بوصفه فاعلاً وطنياً وناشطاً يسارياً، صار يُدرس في أكاديميات عالمية مرموقة على أنه تطوير لنموذج جديد من حركات اجتماعية تندمج فيها النخب المثقفة اليسارية بالجماهير المحرومة الدينية، في مسعى واعٍ بذاته لنقل البلاد إلى قطبية وطنياتية جديدة مضادة لقطبية الكومبرادور الزبائني المتوحش.

ولذلك فأي خلاف سياسي أو فكري مشروع قد يحمله البعض مع جاسم الحلفي في هذه اللحظة، له أن يتضاءل أو يؤجل أمام واقعة الاستهداف التي لا تطاله شخصياً فحسب، بل تطال في جوهرها مجمل الحراك السياسي والفكري الساعي إلى نقل البلاد خارج الانهيار الماثل.

فالتضامن اليوم مع هذا الإنسان هو تضامن مع روح عراقية نبيلة لطالما وظفت مساعيها الديناميكية غير التقليدية بما يتجاوز شجون الماضي الاستبدادي وإحباطات الحاضر الرث نحو قضية المستقبل...المستقبل فقط حيث يُراد أن يبزغ هناك وطن منشود تُرتجى فيه العدالة والحرية والكرامة والسلام.

هذ التضامن لا يطلبه "أبو أحلام" من أحد فهو مكتفٍ بمواصلة رسالته المحفوفة بالمخاطر والمهالك والإساءات والتشويشات؛ ولكننا نحن من نحتاج إلى إطلاق هذا التضامن لأنه يعني موقفاً متجدداً في الدفاع عن أنفسنا ضد الرثاثة والخراب والإهانة المريرة التي تعرض لها المجتمع العراقي على يد جماعات ما قبل الحضارة وما قبل الدولة وما قبل العقل.

التضامن مع جاسم الحلفي هو دفاع عن المستقبل وتوقير لرسالة الأمل..!

علق هنا