ابراهيم البغدادي .. (الحنقباز) الذي رقص على جراحات الكرادة

بغداد - العراق اليوم:

نشأت في العراق الجديد للأسف الشديد، بؤر فساد قوية، متنفذة، وخبيرة (في مجالات الفساد طبعاً)، لها إمتدادات اخطبوطية تصل الى أخطر وأهم مواقع الدولة. وهذا الأمر ليس وليد اليوم، إنما بدأ منذ سقوط نظام صدام الدكتاتوري حتى هذه اللحظة.

وقد تمكنت هذه البؤر عبر ثلاثة عشر عاماً، من تشكيل مراكز ضغط نافذة تخدم مصالحها المالية في مختلف المجالات، ونسج علاقات منفعية متبادلة مع مراكز القرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في العراق. بحيث بات من الصعب اليوم مواجهة هذه البؤر، ودحرها.

والمؤلم أن أباطرة هذه البؤر، أشخاصٌ هامشيون، وطفيليون، لا هوية لهم، ولا تاريخ، ولا تحصيل دراسي، أو معين ثقافي، وهم أيضاً بلا أصول ولا قواعد ولا حتى رأس مال أخلاقي يذكر. لكنهم تمكنوا بسبب ظروف معينة من الوصول الى قمة الهرم السياسي والمالي والاجتماعي في العراق. وفي هذا المجال نستطيع أن نذكر عدداً غير قليل من هؤلاء (المقربازية) الذين تمركزوا في قلب المشهد الفاعل للدولة العراقية، دون استحقاق.

ولعل المدعو إبراهيم البغدادي أبرز هؤلاء المقربازية..

 فالبغدادي رجل بلا ماض، ولا هوية، ولا شهادة دراسية، ولا مستوى اجتماعي يمكن ذكره، غير أنه شخص (حنقباز، مقرباز)، يجيد صنعة الكذب والاحتيال، والضحك على الذقون بمهارة.. وبهذه المؤهلات (الفنية)، وفي هذه الظروف التاريخية المتداخلة، تمكن من احتلال الواجهة وتسيد المشهد الاقتصادي، بحيث بات قادراً على اللقاء بأكبر زعامات الدولة العراقية، والاجتماع بأي مستوى اجتماعي عال متى ما اراد، سواء أكان المعني عراقياً أم غير عراقي!  

والمشكلة أن البغدادي تزعم (مجالس) وهيئات ومنظمات اقتصادية عديدة، دون أن يسأله أحد عن شهادته الدراسية التي يفترض حصوله عليها قبل أن يتزعم مثل هذه المجالس والهيئات. كما رأس وفوداً اقتصادية ذا مستويات عالية، تسافر لأمريكا وبريطانيا وكندا وتركيا وإيران وغيرها، وهو بلا ثقافة أكاديمية أو معرفية، اقتصادية أو غير اقتصادية. ويقال إن له قبولاً جيداً في كندا، ولا أحد يعرف السبب، لكنه استغل هذا القبول أبشع استغلال، عبر استحصال التأشيرات (الفيزا) الكندية، وبيعها لرجال الأعمال العراقيين بمبالغ كبيرة!!

نعم، فالبغدادي الذي يتزعم الوفود المهمة، ويتصدر الاجتماعات واللقاءات الفخمة، رجل أمي، لا يملك غير تجربة بسيطة تتمثل (بامتلاكه محلاً لبيع الملابس النسائية الداخلية في شارع العباس بمحافظة كربلاء)، قبل أن يصبح (باشا)!

ولو لم يكن أمياً، لما انقلب عليه رفاقه في مجلس الأعمال العراقي، وما رفعوا بوجهه سيف الشهادة، وسحبوا منه الثقة، بعد أن جزعوا من الفرص التي منحوها له كي يأتيهم بشهاداته الدراسية، لكنه لم يتمكن من ذلك، فعجز عن تقديم حتى (شهادة الإعدادية)!  وتكرر موضوع الشهادة مرة اخرى مع هيئة الاستثمار، التي يشغل فيها البغدادي منصب (عضو دائم)، ما أضطره الى أن يقدم استقالته (مُجبراً) الى رئيس هيئة الاستثمار الوطنية الدكتور سامي الأعرجي.

وحين وجد البغدادي نفسه (في الشارع) بادر الى تأسيس (المجلس الاقتصادي العراقي) كمنظمة من منظمات المجتمع المدني، وهو الباب الوحيد الذي لا يشترط فيه توفر شهادة عليا للتأسيس فأختبأ في ظل هذا (المجلس) وتمكن من ممارسة أنشطته التي تتركز معظمها في (البزنس) والصفقات، والعمولات، والمشاريع المتعددة.. وشيئاً فشيئاً وصل البغدادي الى حيث يرغب أن يصل اليه، وهو العودة الى موقع قيادة الفعاليات الاقتصادية، ورئاسة الوفود المهمة، والذهاب الى الدول الإسلامية، والأجنبية، والمشاركة في المناسبات، والمؤتمرات مع كبار رجال الدولة، وحضور أبرز الفعاليات الوطنية، بل ورعاية بعض الاحتفالات الاجتماعية، كما حدث في فعاليات الكرادة، بعد فجيعة التفجير (وسنأتي على ذكرها)!

 وهكذا أصبح البغدادي بفضل هذا المجلس قادراً على النفوذ والتأثير، والاستفادة، فنجح مثلاً في استحصال اعداد كبيرة من التأشيرات، والإقامات، والأذونات الاقتصادية، كالفيزا الكندية مثلاً، وبيعها لرجال الأعمال، والمصالح في العراق.

كما نجح الرجل في ركوب موجة إعادة الاعمار، وهيكلة الاقتصاد، والحصول على عقود لمشاريع كبرى، بالتعاون والتحالف مع رجال أعمال عراقيين معروفين، دون شفاعة أكاديمية تسنده، أو خبرة معرفية تدعمه..

لكنه -والحق يقال -يتمتع بخبرة احتيالية بهلوانية لا يجارى فيها.

 وهنا أسمحوا لي أن أقتطع لكم هذا النص المنشور عنه، للدلالة على قدرته على الاحتيال والكذب، ليس على الدولة العراقية فحسب، انما أيضاً على أكثر من جهة طبية واقتصادية ومالية في المانيا.. والنص المنقول هو:

(استطاع البغدادي بكذبه وتلاعبه بالأنظمة والقوانين وقدرته الفائقة على الخداع من السيطرة على مجلس الأعمال الوطني الذي أسس من أجل خدمة اقتصاد العراق ليجيره الى خدمته ومنفعته الشخصية، وقام بإدارة ملفات فساد عديدة ومشاريع وهمية كبيرة وقدم وعودا كاذبة للمستثمرين الذين كانت رغبتهم بالمشاركة في بناء العراق الجديد، لكن المستثمرين وجدوا أن كل ما وعدهم به البغدادي مجرد هواء في شبك. فلم يجدوا الأراضي التي أكد لهم توفيرها، وتخصيصها لبناء مشاريعهم، ومنها الخدعة الكبرى المتمثلة بمشروع - المستشفى العراقي الألماني وكلية الطب الألمانية- في الجادرية، وغيرها من الوعود والمشاريع الوهمية.

 وحكاية المستشفى العراقي- الألماني الشهيرة، التي بدأها البغدادي بإقامة مهرجان احتفالي كبير في الشارع العام بمنطقة الجادرية وبحضور رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ووزير المالية السابق رافع العيساوي ورئيس هيئة الاستثمار سامي الاعرجي، وعدد كبير من المسؤولين، كان من بينهم نواب بالبرلمان، حيث تم وضع حجر الاساس للمشروع، والذي كان من المفترض ان يشيد على قطعة ارض مساحتها تسعة دونمات، وان ينتهي العمل بهما في غضون سنة واحدة بكلفة 125 مليون دولار، حيث كان من المقرر أن تنفذه شركة بن حيان- احدى شركات مجلس الاعمال الوطني- حسبما صرح وتبجح به البغدادي نفسه، لكن المشروع ظل عبارة عن “حجر أساس فقط” لمدة أربع سنوات، فاضطرت هيئة استثمار بغداد الى احالته مجدداً  الى شركة تركية بكلفة تبلغ 90 مليون دولار!

سأكتفي اليوم بهذا المثال من (كلاوات) البغدادي، وسنكملها في حلقات متتالية، فمسلسل (احتيال) وسرقات ومفاسد إبراهيم البغدادي لها أول، وليس لها آخر..

واسمحوا لي هنا أن أتحدث لكم عن (إنسانية) البغدادي، لاسيما في مأساة الكرادة، وفجيعة أهاليها بعد جريمة تفجير داعش في 3/7/2016. وكيف استثمر هذا الرجل الجشع دماء الضحايا، وأنتفع من مأساة أبناء المدينة المنكوبة فحصَّل على ما حصل من تبرعات مالية فخمة جمعها من المصارف والبنوك والشركات ومؤسسات الدولة والشخصيات المتمكنة مادياً بحجة دعم مشروع اعمار الكرادة ومن بينها محلات مجمع الهادي سنتر، التي تضررت جراء التفجير الاجرامي، ولم يعطهم البغدادي من المبالغ التي جمعها إلاَّ النزر اليسير، ناهيك عن الفوائد العظيمة التي جناها من خلال هذا الموضوع عبر القروض والعقود والأراضي، والمشاريع التي حصل عليها من مجلس الوزراء، ومحافظة بغداد وأمانة بغداد، وبلدية الكرادة، والبنك المركزي وغيرها من المؤسسات. والمصيبة أنه أقام حفلاً كبيراً في الكرادة حضره كبار المسؤولين في الدولة العراقية، أعلن فيه عن تبني مشروع إعمار الكرادة. ولا أحد يسأله عن هويته، أو صفته الرسمية التي تسمح له بإدارة هكذا مشاريع حكومية مهمة، كان من المفروض أن تقوم بها الدولة أو المؤسسات التابعة لها، وإلاّ من هو المجلس الاقتصادي العراقي، وما هي صفته الرسمية لكي يقوم بمثل هذه الأدوار؟

والمضحك أن البغدادي فتح حساباً جارياً في (مصرف بابل) تحت اسم (تأهيل مجمع الهادي سنتر) وسيكون هذا الحساب تحت رعاية البغدادي، حتى لو وضع عليه اسماً لشخص آخر.. لكن الحقيقة أن الحساب له!

وفي موضوع الصفة التي يتمتع بها البغدادي، والتي تسمح له بأداء مثل هذه الأدوار المهمة، يمكن لنا أن نسأل عن السبب الذي يجعل رئيسة البعثة الدبلوماسية الكندية (كرستال بور سشن) تلتقي بوفد من المجلس الاقتصادي العراقي، وتسلم مفتاح (البرنامج الكبير لمساعدات كندا الإنسانية للعراق) بيد رئيس المجلس الاقتصادي العراقي إبراهيم البغدادي، وسيكون الأمر مطابقاً للمثل الشعبي العراقي (ودَّع البزون شحمة)!

ومن الجدير بالذكر أن ثمة علاقة (استثنائية) بين كندا، والبغدادي، وقد تأسست هذه العلاقة عبر زيارات متكررة، كان أهمها زيارته الى كندا في نيسان 2016، مستصحباً معه مئتي تاجراً ومصرفياً ورجل أعمال عراقي، حيث تقول المصادر القريبة من البغدادي أنه ربح من هذه السفرة أكثر من خمسة ملايين دولار، بعضها جاء من خلال عمولات لشركات صناعية وإعماريه كندية تطمح للوصول الى الساحة العراقية، وقد وفر لها البغدادي هذا الوصول، عبر أشراكها في معرض بغداد الدولي الذي أقيم بعد هذا الزيارة، وبعضها جاء رشى وهبات مالية قدمت له من شركات ومصارف عراقية ارادت موضع قدم هناك، بينما جاء بعضها من أشخاص عراقيين لا تتوفر فيهم الشروط للمشاركة ضمن هذا الوفد، لكن البغدادي رشحهم مقابل مبالغ مالية كبيرة، فذهبوا مع الوفد الاقتصادي الى كندا، وحضروا فعاليات وأنشطة الزيارة التي تنوعت وتوزعت على مدن كندية عديدة.

 كما حصل البغدادي على مبالغ ليست قليلة من المواطنين الكنديين من أصل عراقي، الذين لديهم رؤوس أموال، فرغبوا في استثمارها في العراق عبر أبواب التجارة والمشاريع والاعمال، لكن مشكلتهم كانت في عدم وجود (سفارة كندية في بغداد)، ما دفع البغدادي الى أن يتبنى هذه الأمر، مقابل أرقام مالية معينة.

كل هذا وغيره يحدث، والبغدادي لا يملك غير شهادة الثالث متوسط.. ولا أعرف كيف يرضى (الدكاترة)، والأساتذة والوزراء والعقلاء أن يقودهم شخص أمي لا يملك غير(الفهلوة) والاحتيال (والكلاوات) .. كيف؟!

علق هنا