الكاظمي يجري تغييرات واسعة في المخابرات ويضع بصمته على أداء الجهاز

بغداد- العراق اليوم: لم يكن زهير الغرباوي الرئيس السابق لجهاز المخابرات لامعاً في القوات المسلحة العراقية، ولا إسماً فخماً في خارطة المجتمع العراقي، إنما كان ضابطاً متقاعداً مثل أي ضابط عراقي متقاعد، جاء به الفريق الطيار، والرياضي العراقي البارز محمد عبد الله الشهواني، ليضعه مديراً لمكتبه في رئاسة جهاز المخابرات الوطني الذي تأسس بعد سقوط النظام السابق، ومن الجدير بالذكر أن صدام حسين أمر بإعدام أولاد الشهواني الثلاثة (أنمار وأياد وأثير)، ومعهم العشرات من كبار الضباط والعسكريين في مقر حاكمية المخابرات عام 1996 بتهمة التخطيط لإنقلاب عسكري، إدعى أن الفريق محمد الشهواني يقوده بنفسه من عمان. !!

 وحين استقر الحال بزهير الغرباوي مديراً لمكتب رئيس جهاز المخابرات، بدأ نشاطه الشخصي في إزاحة الشهواني من منصبه، حيث ينقل الكثير من العاملين في جهاز المخابرات بأن الغرباوي فعل ذلك من أجل أن يتولى مهام رئاسة المخابرات بنفسه، وليس مديراً لمكتب الرئيس، حيث تحقق له ذلك بعد برهة، وبات في إغماضة عين لا أكثر رئيساً لجهاز المخابرات.. ولا نريد هنا أن نتحدث عن مفاسد الغرباوي، لكننا فقط نود أن نشير الى مشروع إعادة تأهيل مقر الجهاز القديم في المنصور، والتي تجاوزت قيمته ال 72 مليار دينار حيث يقال أن زهير الغرباوي الذي أشرف على هذا المشروع حصل على أكثر من نصف المبلغ!

 المهم أن الغرباوي غادر منصب رئاسة جهاز المخابرات الوطني قبل فترة وجيزة، بطريقة مهينة، بعد أن عاث في الجهاز فساداً على حد قول المطلعين بشؤون الجهاز .. ليأتي بعده شخص مختلف عنه تماماً.. ونقصد به مصطفى الكاظمي.

 والكاظمي لمن لا يعرفه: كاتب عراقي وطني، عارض نظام صدام بقوة، ولعب دوراً إعلامياً وسياسياً بارزاً قبل السقوط في فضح انتهاكات النظام الدكتاتوري السابق، وكشف ممارساته الفاشية ضد أبناء الشعب العراقي.. متخصص في قضايا الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان، لديه خبرة واسعة في مجال توثيق الشهادات الحية، وأرشفة الأفلام الوثائقية المرتبطة بالممارسات القمعية، كتب العديد من الكتب منها: (مسألة العراق) و كتاب (أنشغالات أسلامية) و كتاب (علي ابن ابي طالب الامام والانسان) كما كتب (انشغالات إنسانية) الذي اختير عام 2000 من قبل الاتحاد الأوروبي، كأفضل كتاب كتبه لاجئ سياسي.

وقبل أن يتسلم الرجل منصبه، انطلقت حملة شعواء ضده، بعضها معروف بتوجهه السياسي والعقائدي المناوئ لتوجهات وعقيدة الكاظمي، خاصة وأن أيتام برزان التكريتي لا يريدون لهذا الجهاز الوطني ان يرتقي الى مستوى متقدم، فتصحُّ فيه المقارنة، وتستقيم المقاربة بينه وبين اجهزة مخابراتية في المنطقة.

 كما ناصب الكاظمي العداء، بعض الحاسدين والطامعين، من الذين كانوا يأملون الحصول على هذا المنصب، سواء أكان المنصب لهم، أو لمن يعمل لصالح مصالحهم، ناهيك عن حساسية البعض من ثقافة الرجل، وخلفيته الغربية، لذلك قوبل بحملة تسقيطية عنيفة، صمد فيها الكاظمي، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، حيث ظل الرجلان مصرَّين على تحمل المسؤولية، وإستكمال تنفيذ هذا القرار الشجاع مهما كانت العاصفة المعارضة شديدة..

لقد راهن العبادي على كفاءة مصطفى الكاظمي، وعلى مقدرته بإدارة جهاز المخابرات، وإحداث تغييرات جوهرية في مفاصله، فنجح العبادي في رهانه.. وها هو الكاظمي يقود اليوم جهاز المخابرات الوطني في أخطر مرحلة من مراحل العراق الأمنية، والسياسية، والاقتصادية المتردية.. ولم يكتف بقيادة دفة المركب، وهو يمخر عباب البحر، مواجهاً الريح الشديدة التي تضرب بأشرعته من كل إتجاه.. إنما راح يبدع، ويحقق ما لم يتحقق من قبل.

ولعل الأهم في ذلك انه لم يمض مستسلماً على نفس السكة التي مضى عليها قبله في الموقع، إنما أراد لهذه المؤسسة الرهيبة (التي كانت ترعب الأسود في يوم ما)، والتي أسقطها من تولاها بعد سقوط النظام الصدامي، وجعلها بلا هيبة، ولا نفوذ، ولا أهمية استثنائية، حالها حال أي دائرة من دوائر التقاعد، او الإصلاح الزراعي، أو مركز من مراكز المرور العامة !!

 لقد أراد الكاظمي لهذا الجهاز أن يكون جهازاً وطنياً فاعلاً، يحترمه المواطن العراقي، ولا يخافه، يفخر به ولا يهرب منه، يدعمه، ويؤيده، ويسنده دون ان يخجل من مساندته، ينخرط في صفوفه، دون أن يشعر بأية ميزة تفضيلية، أو استثنائية اجتماعية على حساب المواطن الآخر.. يكافح الفساد، ولا يسقط في بئره الحرام.. يفدي حياته، ويضحي من أجل الوطن، وهو راض عن هذه التضحية، وعن هذا الفداء ..

دراسة ملفات المدراء العامين في الجهاز !!

لذلك راح الكاظمي يدرس ملفات أغلب العاملين في جهاز المخابرات الوطني قبل أن يقرأ ملفات الأعداء.. فالفاسدون من ابناء الجهاز اخطر الف مرة من غيرهم في خارج الجهاز .. وبعد دراسة مستفيضة للأمر، توصل الكاظمي الى عدة حقائق يتوجب عليه وضع النقاط على حروفها، وتعديل ميزان التكليف بالمهام، ومعالجة الخلل، مثلما يتوجب عليه مكافحة الفساد الإداري، والمالي في جهازه، وتصحيح مسار الإرث الخاطئ، الذي ورثه من الذين قبله، وتطبيب جراح جسد الجهاز بشجاعة مهما كانت الأوجاع ثقيلة.. كما كان عليه أن يثبت بصمته الثقافية، والعلمية، والمعرفية، والتقنية الحديثة التي أكتسبها من وجوده في الغرب لسنوات طويلة ووضعها على أداء جهاز المخابرات الوطني..

ثلاجة، أو مجمدة ( هيئة المستشارين)!!

بدأ الكاظمي بإجراء العملية الجراحية الصعبة بشجاعة، فكانت النتائج رائعة، ولعل من باب الإنصاف أن نذكر هنا أن ليس كل قيادات جهاز المخابرات الوطني، التي أبعدت، أو تم تغيير مواقعها الإدارية، هي قيادات فاسدة، أو غير كفوءة، إنما هناك قيادات شملها التغيير، أو النقل من موقع الى آخر، لضرورات، وأسباب وظيفية، أو مرحلية خاصة، بينما هناك قيادات فاسدة، وأخرى غير كفوءة شملها التغيير، والإبعاد.. والقلع أيضاً ..

لقد أحال الكاظمي بشجاعة منقطعة النظير، عدداً من المدراء العامين البارزين في الجهاز الى هيئة المستشارين، وهي هيئة تشبه الى حد ما (الثلاجة) أو المجمدة، التي تقوم بتجميد المواد المحفوظة فيها .. ومن بين المشمولين بالتجميد، وكيل رئيس الجهاز سمير حداد، وكذلك السيد علي الأعرجي مدير عام الإدارية والمالية، وحسن الغرباوي مدير عام الفنية، وكذلك مدير عام تحليل المعلومات، وأبعد أيضاً أمين سر الجهاز وقاس الحديثي، وهو من مواليد 1985، كان مسؤولاً عن محطة عمان، فجاء به الغرباوي الى هذا الموقع في بغداد، لكن الكاظمي أعاده الى حيث جاء.

وفي المقابل فقد أبقى الكاظمي على عدد غير قليل من العناصر والقيادات الكفوءة في مواقعها القديمة بالجهاز، او غيرَّ مواقعها حيث تكون الفائدة منها أكبر في المواقع الجديدة..

جهاز المخابرات ونجاحاته في الساحة الأمنية

مشكلة جهاز المخابرات العراقي في الوقت الحاضر تكمن في تنوع واجباته، وتعدد وظائفه، فهو يؤدي واجبات عسكرية حربية في ساحة المواجهة المتقدمة ضد الإرهاب، حين يكون الواجب حربياً، وقد أستشهد الكثير من أبناء الجهاز البواسل وهم يتصدون ببنادقهم، مع أخوتهم في جهاز مكافحة الإرهاب، والشرطة الإتحادية، والحشد الشعبي، أو في الوصول الى مواقع العدو، ومقراته، وأوكاره، وتواجد قياداته، ليتم كشفها ورصدها، وقد رأينا كم من الضربات الجوية والصاروخية الدقيقة التي طالت رؤوس القيادات الداعشية بفضل المعلومات الدقيقة التي قدمها جهاز المخابرات الوطني للمسؤولين في المفاصل الجوية والصاروخية العراقية والدولية.. وهو امر جديد على جهاز المخابرات لم يكن من واجباته من قبل.. وعلى الجهاز أيضاً ان يؤدي واجباً أمنياً سرياً مثل أي جهاز امني آخر سري في المنطقة، حين يتطلب تواجد بعض أفراده بسرية تامة في الأسواق والمصارف والمطاعم والنوادي الليلية، لمكافحة الفساد، والرشى، وغسيل الأموال، وغير ذلك من الجرائم الإقتصادية.. فضلاً عن أداء واجباته الخارجية والداخلية التقليدية المعروفة في مكافحة التجسس، ومراقبة السفارات، ومتابعة الأنشطة الخارجية المعادية .. وللحق فقد نجح جهاز المخابرات على يد مصطفى الكاظمي - رغم قصر الفترة التي تسلم فيها مسؤولياته الرئاسية- في تحقيق الكثير من هذه الواجبات.. ولا نعلم الى أي مدى سيواصل، او سينجح هذا الرجل في حملته الشجاعة بمكافحة الفساد، والتصدي للإرهاب، وإعادة الهيبة، والاحترام لهذا الجهاز من غير الوقوع في خانة الإساءة للشعب والاعتداء على حقوق وكرامة المواطنين، وقمع الحريات، وإبادة المعارضين في أحواض التيزاب، و المثارم الجهنمية التي كانت تمارسها أجهزة صدام المخابراتية والأمنية الفاشية.. كما ينتظر الجميع من السيد الكاظمي أن يجعل من جهاز المخابرات (الوطني) إسماً على مسمى فيكون جهازاً عراقياً حقيقياً، وملاذاً لكل العراقيين.. أكرر لكل العراقيين دون استثناء.

 

علق هنا