ا.د. نبيل جعفر المرسومي | جامعة البصرة
على الرغم من طول الحدود البرية المشتركة بين العراق والسعودية التي تصل الى 800 كم والتي تمتد من الانبار غربا الى المثنى جنوبا إلا ان المنافذ البرية بينهما مغلقة منذ عام 1990 بعد اغلاق منفذ عرعر التجاري الذي اصبح مقتصرا على عبور الحجاج العراقيين .
بعد قرابة ثلاثة عقود من الإغلاق . تم الإعلان رسميا عن إعادة افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين السعودية والعراق، ، صار بالإمكان الآن عبور البضائع من الجانبين، إضافة الى عبور المسافرين من المدنيين لكلا البلدين بشكل روتيني، وهو ما سيسهم في انتعاش اقتصادي كبير ورفع مستوى التبادل على خلفية الاهمية التي يحظى بها المنفذ بموقعه الاستراتيجي . يقع منفذ جديدة عرعر شمال السعودية على الحدود العراقية السعودية (97 كيلومترا) جنوب غربي قضاء النخيب العراقية ، وعلى بعد 50 كيلومتراً شمال عرعر، إذ يبعد منفذ عرعر الحدودي (600 كلم غربي بغداد) . وسيحوي المنفذ اكبر ساحة تبادل تجاري بين البلدين وستكون في الجانب السعودي .
اكد المسؤولون من الجانب السعودي على أنّ تشغيل منفذ جديدة عرعر مع العراق يتم على وفق احدث التقنيات عالميا، ويجهز بمواصفات دولية، ويساهم في تنمية المنطقة الحدودية، وتوفير التسهيلات للعابرين، وأكد أنّ الجمارك أعدت مشروع إعادة هندسة إجراءات الإعفاءات والقيود الجمركية، باعتبارها إحدى المبادرات الرامية إلى اختصار الإجراءات وتقنين قوائم السلع المقيدة وتحديثها مع الجهات المعنية . اما الجانب العراقي فقد اكد على ان العلاقات التجارية بين البلدين ستشهد طفرة نوعية على مستوى التبادل، بعد افتتاح منفذ عرعر، وان افتتاح المنفذ سيجعل الحركة التجارية بين البلدين أسهل، خاصة أنّها تتم حالياً بطريقة معقدة، إما عن طريق الأردن أو الكويت، ولا يوجد طريق مباشر . وسيمكن التجار العراقيون من استيراد السلع السعودية بكلفة منخفضة فبدلا من دخولها عبر دول مجاورة ( 82% من الصادرات السعودية تدخل العراق من خلال دول الجوار ) سيكون دخول هذه البضائع مباشرة مما ينعكس إيجابيا على الحركة الاقتصادية في العراق .فضلا عن إمكانية استخدام رجال الاعمال والتجار العراقيين لموانئ السعودية على البحر الأحمر في عمليات التصدير والاستيراد من اوربا وافريقيا .
يعد عرعر من المنافذ الحدودية المهمة بين السعودية والعراق، سواء من الناحية الاقتصادية او السياسية وحتى الاجتماعية . ان إعادة فتح منفذ “جديدة عرعر” الحدودي، له أهمية اقتصادية في زيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين، وتسهيل حركة الحجاج والمعتمرين العراقيين والأتراك ودول شرق أوروبا والدول المجاورة للعراق مما سينعكس إيجابيا على العراق من خلال عبور الحجاج والمعتمرين عبر هذا المنفذ الى مكة والمدينة المنورة ، فضلا عن مساهمة المنفذ في تعزيز الروابط والامتدادات الأسرية والعشائرية بين كلتا البلدين . يربط منفذ عرعر العراق بأقصر الطرق للوصول إلى العديد من دول شمال المملكة العربية السعودية وسيكون التبادل الاقتصادي بمختلف مجالاته أكثر فاعلية وأثرا مما يكون له انعكاس إيجابي على العديد من الجوانب، منها التقارب الاجتماعي والثقافي وحتى السياسي . ان افتتاح منفذ عرعر سينعش المنطقة اقتصاديا ويسهم في تنشيط حركة التصدير والاستيراد بين البلدين، كما يسهم في إنعاش المدن والمحافظات الواقعة على الطرق المؤدية الى المنفذ . وسيوفر أيضا فرص عمل جديدة للشباب من خلال افتتاح مكاتب تخليص البضائع .
يكتسب منفذ عرعر أهمية كبيرة نظرا لقرب المسافة واختزال الزمن وقلة التكلفة بدلا من مرورها من منافذ تجارية أخرى بعيدة تحمل التجار التكلفة العالية والزمن والبعد . ومن الممكن ان يكون منفذ "جديدة عرعر" نواة لبناء منطقة حرة ستكون الأكبر على الحدود البرية للبلدين، وستكون الأكبر على مستوى المنطقة العربية ، ويمكن للتجار من البلدين الدخول تلك المنطقة الحرة بحرية، وتبادل البضائع والبيع والشراء وإنشاء المخازن ، كما ستكون مكاناً لتصنيع وإعادة تصنيع المنتجات، من دون رسوم جمركية على المواد، وسيكون هناك اهتمام أكبر في التعاون في مجالات الطاقة والتعدين الغاز والفوسفات وصناعة البتروكيمياويات.
وفي حال افتتاح معبر "عرعر" بين السعودية والعراق فهناك طريقان يربطانه بالحدود السورية، أحدهما متصل بمعبر البوكمال "حصيبة" وهو معبر تم افتتاحه العام الماضي في قضاء القائم بمحافظة الأنبار . وأما الطريق الآخر فهو عن طريق معبر التنف "الوليد" الواقع بمنطقة التنف بريف حمص، وهو خاضع لسيطرة القوات الأمريكية ما قد يضطر الحكومة السورية، إلى اعتماد معبر البوكمال في حركتها التجارية إلى الأراضي العراقية .
وعلى الحكومة العراقية تأمين طريق تيرانزيت يصل بين مناطق الأسد في سوريا والرياض، وتأهيل طريق بين محافظتي كربلاء والأنبار ، اذ ان طول الطريق الكلي يبلغ 442كم ويشمل تنفيذ قناطر بواقع 87 قنطرة ضمن المشروع، يربط بمنفذ عرعر الحدودي مع السعودية ، وسيكون لذلك أثر إيجابي على الحركة التجارية ونقل البضائع من سوريا إلى السعودية، وخصوصًا في حال فعّل العراق قانون الترانزيت . أن "افتتاح المعبر السعودي العراقي وتأمين الطرقات الواصلة بين المعبر والحدود السورية سينشط حركة نقل البضائع والشاحنات بين دمشق والدول الخليجية . إن "عبور البضائع والشاحنات السورية إلى دول الخليج وبالعكس عبر معبر عرعر يعتبر أفضل وأسرع من عبورها للأراضي الأردنية عبر معبر نصيب وذلك بسبب اختصار أيام الانتظار الطويلة التي تقضيها الشاحنات السورية، وغير السورية على الجانب الأردني من الحدود حتى يُسمح لها بالمرور بسبب الروتين لدى سلطات الأردنية، وهو ما يعيق حركة النقل التجاري بين سوريا والخليج . أن "مشروع الترانزيت من المشاريع الطموحة، والتي ستحقق إيرادات جيدة للعراق، لكنه بحاجة إلى بنى تحتية، وإلى استقرار أمني، في الدرجة الأساس، عقب فتح المعبر، وبدء المشروع فستدخل شاحنات سعودية وكذلك سورية، من الاتجاهين، مما يتطلب سلامة السائقين، وسلامة المركبات، إذ أنها ستمرّ بطرق صحراوية، وربما تكون عُرضة للعصابات وغيرها، فضلاً عن تهالك البنى التحتية، مثل مداخل المدن، والشوارع، وغياب الخدمات على الطرق البرية، مثل المطاعم، ومحطات الوقود، والاستراحات، والخدمات الفنية والصيانة وغيرها، خاصة وأن المسافة طويلة بشكل كبير، بين تلك البلدان . وفي حال هيأ العراق الظروف المناسبة لهذا المشروع، قد يحصل نحو 60 دولاراً عن كل شاحنة تمر في أراضيه، فضلاً عن الاستفادة المتحققة من فرص العمل التي سيخلقها مرور هذه الشاحنات .
ان التواصل التجاري مهم جدا في إعادة الانتعاش الاقتصادي للزراعة و الصناعة العراقية كونها تمتلك الأيدي العاملة الماهرة، كل ذلك يفتح مجالات جديدة في سوق عمل للخبراء، ورغم الأوضاع السياسية الراهنة إلا أن المستقبل واعد للعراق، وسيكون بحاجة كذلك للعديد من السلع التي من شأنها أن تساهم في إعادة العراق، والمملكة العربية السعودية لديها العديد من السلع ذات الجودة العالية والقيمة التنافسية والتي سيكون العراق وجهة جيدة ومربحة للمنتج السعودي، وهذا التبادل سوف يشمل النقل بأنواعه و الخدمات والزراعة والصناعات المختلفة.
بلغت استيرادات العراق السلعية من السعودية 499 مليون دولارعام 2018 من دون ان يصدر لها العراق أي شيء ، وهي ثاني اكبر دولة عربية مصدرة للعراق بعد الامارات بنحو 1.312 مليار دولار . ومن المؤمل ان يرتفع كثيرا حجم التبادل التجاري بين العراق والسعودية بعد افتتاح منفذ عرعر . كما ان افتتاح منفذ عرعر قد يكون البداية لمشاريع تعاون مشتركة بين الطرفين في مقدمتها الربط الكهربائي بين العراق والسعودية فالعراق لديه قدرات توليد 16 مياواط في الوقت الحالي وسيتم رفعها الى 18 مياواط بالتعاون مع السعودية ومشاريع الربط الكهربائي في المنطقة . كما يمكن تنفيذ مشاريع لشركات سعودية في العراق من أبرزها استثمار شركة أرامكو 2.4 مليار دولار في مشروع لتجميع الغاز في حقل ارطاوي ، واستثمار سابك في بناء مجمع للبتروكيماويات، واستثمار شركة معادن في مجالات الفوسفات والأسمدة والألومنيوم ، فضلا عن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وخاصة في مجال الطاقة الشمسية والطاقة البديلة. فضلا عن توقيع العراق مع السعودية على مذكرات تفاهم لإنشاء صوامع للحبوب ومستشفيات بينها انشاء مستشفى الصقلاوية ومشاريع أخرى في عدد من المحافظات، وهذه المشاريع سيتم تمويلها من خلال قرض سعودي للعراق مقداره مليار دولار ، الذي تعهدت به السعودية خلال مؤتمر الكويت للمانحين عام 2019 .
*
اضافة التعليق