منتدى المدينة يستذكر شاعر الجمال والشهادة (علي رشم) .. والدراجي يستعرض تاريخ علاقة القادة مع أبنائهم الشهداء، لماذا بكى نصر الله، وكيف إنهار ستالين؟

بغداد- العراق اليوم:

كتابة / حيدر الفرطوسي

على قاعة الولاء في مدينة الصدر، احتشدت الحناجر، وتزاحمت القوافي، وارتفعت أصوات التأبين مجدداً، لذكرى نجمة ساطعة مرت خاطفة في سماء الشعر، فتركت برقاً وضياءً لن تمحوه العتمة مهما استطالت، ولن تستطيع الأيام مهما تعاقبت ان تنسي من رؤوا هذا الإشعاع، أو  أن يخرجوه من الذاكرة.

نعم، فلقد كان يوم أمس الجمعة، موعداً لإستذكار رمز من رموز الشهادة السامية، وايقونة من ايقونات الإبداع الطافح بالولاء والحب والجمال الداخلي والخارجي حيث تنادى جمع من خيرة فرسان القصيدة الشعبية ليؤبنوا فقيد الشعر الشعبي الشاعر الشهيد علي رشم، الذي زفته القصائد النازفة، قرباناً لخلاص الوطن من الموت الذي أجتاحه على حين غرة.

المهرجان الشعري التأبيني الذي أقيم برعاية مستشار الأمن الوطني الأستاذ قاسم الاعرجي، شهد إلقاء كلمة عميقة ومليئة بالتاريخ وعبره؛ ألقاها مسجلة رئيس المنتدى الفخري، الشاعر فالح حسون الدراجي، الذي استعرض فيها محنة الأبوة مع شهادة الأبناء، وكيف يترك فقدان الأبناء، الآباء في لوعة واسىً، وكيف يجتاز الآباء في لحظات حرجة تلك العاطفة الجياشة، ويعبرون إلى الثبات والتغلب على مشاعر واحاسيس لا يمكن التغلب عليها بيسر.

واستعرض الدراجي في كلمته هذه، نماذج من القادة المعاصرين الذين استشهد أبناؤهم، فكانوا يمارسون ضبط انفسهم بشكل إعجازي، فيحاولون ان يجتازوا تلك الصدمة القاسية، لكن اللحظة الفاصلة هي تلك التي تنهار أمام سيل المشاعر حدود التصبر، كما كانت تلك اللحظة مع سيد المقاومة حسن نصرالله الذي قدم ولده الشهيد هادي، وحين أراد الإسرائيليون مبادلة جثمانه مقابل رفات الرقيب الإسرائيلي إيتامار إيليا من وحدة الكوماندوس الذي قتل في لبنان، رفض السيد نصر الله هذه الصفقة؛ ومع ثباته ورفضه الصفقة وصلابته التي أدهشت العالم، ثمة عاطفة وحب أبوي لا يمكن التغلب عليه، فبكى السيد حين تحدث عن ولده، وترقرت من عينه دمعة ساخنة، تلك اتت إستجابة لفيض العاطفة الإنسانية الكامنة خلف صلابة الموقف.

كما تناول الدراجي نموذجاً اخر، وهو القائد السوفيتي الأسبق جوزيف ستالين الذي اسر ولده في إحدى المعارك مع الألمان النازيين، وحين حاولوا مبادلته بأحد قادتهم رفض ستالين الصفقة، مستنكراً أن يبادل ولده الجندي بقائد ألماني يمكن أن يحصل مقابله مزيداً من الإمتيازات لجيشه.  

وحين اقدم الألمان على اعدام ابنه، وتسلمت موسكو رفاته، ورغم القسوة والصلابة التي عرفت عن ستالين، إلا أن الرجل ذرف دمعة الأبوة الحارة الخارجة من عمق الذات الإنسانية التي لم تقاوم مشاعر الأبوة مهما حاولت .

فكانت كلمة الدراجي بمثابة التحية والتقدير للدموع التي سقطت من عيني والد الشهيد علي رشم في يوم وذكرى إستشهاده المتواصلة.

بعد هذه الكلمة المؤثرة، كانت المنصة لفرسان القصيدة، حيث القى الشعراء والمنشدون قصائدهم الضاجة بالألم والحسرة والاستذكار والتمجيد لزميلهم الشهيد، فمن الناصرية اشترك الشاعران الشابان عباس العبادي والمهوال فايز البدري، فيما شارك من الانبار الشاعر ايوب الهيتي، ومن النجف شارك الشاعر زمن البارودي، فيما شارك من بابل الشاعر مثنى كامل، ومن ميسان اشترك الشاعر علي الجنوبي، ومن السماوة جاء الشاعر محمد الاعاجيبي؛ فيما أضافت حناجر المنشدين محمد الحلفي ومصطفى حرب شجناً خاصاً على حفل الاستذكار السنوي هذا.

كما شهد المهرجان حضور أسماء مهم في خارطة الشعر الشعبي العراقي كضيوف شرف، من بينهم رئيس جمعية الأدباء الشعبيين في العراق، الشاعر جبار فرحان، والشاعر المخضرم علي سلمان غالي والشاعر والتلفزيوني المعروف عباس عبد الحسن، والشاعران المبدعان سعد الربيعي وعلي الفريداوي.

كما حضر المهرجان الشعراء الذين أطربت لقصائدهم منصات الشعر في مدينة الصدر، والمدن العراقية الأخرى، مثل السيد رفعت الصافي، وعلي خلف، وعلي مطشر، و رائد الفريجي وعلي نجم وصباح العابي وفاضل حسن وتحسين علي وغيرهم من الشعراء والمحبين، وحشد كبير من جمهور الشعر ومريدي الشهيد .

هذا واختتم المهرجان بتوزيع دروع المهرجان على جميع الشعراء المشاركين في حفل تأبين الشهيد الشاعر علي رشم.

علق هنا