فالح حسون الدراجي حين نشير الى السلبيات في أداء مفاصل الدولة العراقية بمختلف الحكومات، فهذا لعمري أمر مطلوب وضروري لغاية تحسين الأداء وتقويم المسيرة، وهدف تطوير نوع الإنتاج، ولكن يتوجب علينا في نفس الوقت أن نشير الى المنجز إن كان ثمة منجز متحقق في مجال من مجالات الحياة العراقية المتنوعة، وأن نؤشر أيضاً الى الإضاءات المتلئلئة في ميادين العمل الحكومي والشعبي، مهما كانت هذه الإضاءات بسيطة، وإلاً فإننا سنوصم بالتقصير، وندمغ بالسوداوية والأحادية إن لم نفعل ذلك، فالنظر بعين واحدة وليس بكلتا العينين، الى ما يجري في شؤون الحياة العراقية، ظلم كبير نوقعه على أنفسنا كعراقيين، وعلى من أناروا بأرواحهم هذه الميادين، حتى لو كانت الإضاءات مجرد "شمعة بعيدة في آخر النفق" ! كما ان التعامي، وغض النظر المتقصد، او اللا قصدي، عن رؤية جمال المساحات الخضراء - رغم صغرها - في صحراء حياتنا، ومحاولة تسليط الأنوار على السلبية دون الإيجابية، هو برأيي خيانة حقيقية لهويتنا الإعلامية المنسجمة مع هويتنا الوطنية والعقيدية والأخلاقية أيضاً .. بإختصار شديد، أريد أن أعترف أمامكم بشجاعة، إن الإعلام العراقي - وأنا منه - يسعد غاية السعادة في صيد يصطاده في غابة الحكومة - أي حكومة كانت - ويتغزل جذلاً بالقبح الذي يجده في أداء الدولة العراقية، خاصة حين يكون سبقاً صحفياً، إذ سيكون أحدنا ساعتها أشد غزلاً بهذا ( السبق )من الشاعر العربي الشهير عمر بن أبي ربيعة حين يتغزل بهند او بزينب .. لكننا لن نقول كلمة حلوة واحدة في منجز حكومي مستحق، ولو تجرأ أحدنا يوماً وقال كلمة حق فيها مديح لموظف في الدولة، سواء أكان هذا الموظف وزيراً او فراشاً، لأتهم حالاً بالعمالة والوضاعة والتبعية والتزلف و(اللواكة)وغيرها من أبجدية الظلم والتهديم العراقي المعروفة.. إن فضح المسؤول السيء والفاسد والموظف السلبي، والمتقاعس، والإدارة الفاشلة، والضعيف في الأداء، والمقصر في العمل، ووضع كل من يتسبب في تراجع المنجز الحكومي، تحت الأضواء الفاضحة، امر ضروري جداً، بل هو واجب وطني ومهني وأخلاقي يتحمله الإعلامي العراقي بمسؤولية، ولكن أجد إن عدم تأشير المنحز الإيجابي وإعلانه للملأ في أي حكومة كانت، يعد بنفس السؤولية التي تقع على عاتق الإعلام العراقي بكل أشكاله وأنواعه وساحاته.. لقد سقت كل هذه المقدمة لتكون تمهيداً لخبر أثلج صدري وأفرحني، - وقد لا يفرح غيري، سواء اكان شخصاً او مطبوعاً او قناة فضائية- وللأسف لم أجد إلاً "جريدة الدولة" شبه الرسمية، قد نشرته مشكورة، رغم إنها لم تتوسع في تفاصيله ! الخبر يتلخص بعودة العراق الى قائمة الدول الخمس الكبار عالمياً في إنتاج التمور، وقد يرتقي للمركز الثالث إذا نجح بتصدير 600 الف طن حسب التوقعات التي أعلنتها وزارة الزراعة - توقعات بتصدير 600 ألف طن من مختلف انواع التمور خلال الموسم الحالي -. حيث نقلت صحيفة "الصباح" في عددها الصادر يوم الإثنين عن وكيل الوزارة السيد مهدي سهر الجبوري، ان "الكميات المصدرة من التمور بلغت 100 ألف طن الى دول الصين وبنغلاديش و تركيا والهند ومصر وسوريا والأردن والإمارات". وان "عمليات التصدير من المتوقع ان تصل الى اكثر من 600 ألف طن للموسم الحالي من مختلف التمور العراقية"، مشيرا الى ان من "أهم الاصناف المصدرة حاليا الزهدي والخستاوي وكميات من البرحي والمكتوم". قد يقول أحد القراء الكرام، وماذا تعني عودة العراق لقائمة الخمس دول او حتى الثلاث، وهو الذي كان أولاً في قائمة الدول المصدرة؟! وأقول له: هذا الذي تعرضه أيها القارئ الكريم موضوع آخر غير الموضوع الدي نحن فيه.. ولا أريد أن أقول لك أن حروب صدام وما تلاها قد ذبحت عشرات الملايين من النخيل العراقي، وإن العراق بات اليوم يدفع حوالي تسعة ملايين دولار سنوياً، ثمناً للتمور التي يستوردها من ايران والسعودية والامارات .. لذلك انا فرح وسعيد بالإنجاز الذي تحققه النخلة العراقية بالعودة الى موقعها المتميز في صدارة القائمة العالمية للإنتاج، رغم الذبح والعطش والإهمال المتعمد من الحكومات السابقة!