بغداد- العراق اليوم:
فيما ينشغل معظم الساسة والقوى السياسية بإطلاق بروبجندا إعلامية، ومحاولات لخلط الأوراق، للتشويش على سياسات الحكومة الانتقالية، يبدو أن الغاطس من جبل التحركات الدبلوماسية للأخيرة، أكثر من الظاهر، ويبدو أن رئيسها مصطفى الكاظمي يسير وفق ستراتيجية واضحة مرسومة لديه بدقة لتطويق الأزمات الداخلية أولاً، ومن ثم الانتباه الى الضاغط الخارجي، لاسيما مع استمرار الاستقطاب بذروته، مع غياب أي أفق للتهدئة، حتى وأن بدت ملامح تسوية تلوح، لكنها تسوية تحتاج الى أن يحشد كل طرف أقوى أوراقه للعب، فمن يمكنه تأمين نفسه بسور، أو بطوق من العلاقات الصلبة والستراتيجية والمبينة على أسس متينة، يمكنه أن يكسب في رهان لعبة الأمم، التي لم يكن في حسبان صانع القرار السياسي العراقي أن يضعها في أولوياته الدبلوماسية من قبل. ويرى الكاتب والباحث في الشؤون الستراتيجية والدولية صلاح الخفاجي، أن " تحركات الكاظمي، ومشروعه الجديد أن رأى النور، سيكون نقلة نوعية في صناعة القوى العراقية الناعمة التي أدى فقدانها الى خلل في توازنات المنطقة الأقليمية". ويشير الخفاجي في حديث لـ ( العراق اليوم)، الى أن " الكاظمي سياسي جيد، ولا يحصر رؤيته في اليوميات مع أهميتها، بل هناك أفق ستراتيجي وقراءة مستقبلية مهمة، ستكون حاضرة في رسم ملامح المشهد القادم، وما مشروعه الذي طرحه (الشام الكبير) أو الجديد، الذي يضم الأردن وسوريا ومصر العربية الا تكتل حقيقي للدول التي تواجه تمدداً واضحاً من قبل الدولة التركية الطامحة، والتي تريد أن تُخضع هذه المنطقة كمجال حيوي لتنفيذ سياساتها، نحو نهوض خلافة عثمانية غير مُعلنة، وإستعادة إمجاد غابرة، مع الأقتراب الجدي لأنتهاء اتفاقية لوزان، بمرور قرن على أبرامها، والتي وقعتها الدولة التركية الحديثة القائمة على أنقاض الأمبراطورية العثمانية الخاسرة مع دول الحلفاء، والتي أدت لظهور دول جديدة في الجنوب التركي بجغرافيتها الحالية، ولذا فأن راسم السياسات التركي يؤكد في غير مرة، ويشير في غير مناسبة، الى أن اتفاقية لوزان أنتهت، بمعنى أنه يريد أن يعيد رسم خارطة جديدة، وهو يضع عينيه على الموصل وكركوك وحلب السورية، وها هو يتمدد نحو ليبيا، ويحاصر إيران من جهة ارمنيا وأذربيجان". ولفت الى أن " مهمة تطويق التمدد التركي في الشمال العراقي تبدو صعبة للغاية للعراق لوحده، ولكنه يستطيع بناء تحالف ضامن لدعمه، وهو ما يشجع رؤية الشام الكبير الذي سيكون بوابة توازن ستراتيجي مع التركي الصاعد مجدداً". ورأى الخفاجي، أن " العراق يخوض مفاوضات صعبة مع الأتراك فيما يتعلق بتأمين حصته المائية في دجلة والفرات، لاسيما بعد إقدام الأخيرة على إنشاء سيد إليسو الذي سيقلص حصة العراق المائية الى ما دون الـ 25% مما يهدد الوادي الخصيب فعلاً، ولعل الإشارات التي أطلقها الرئيسان الكاظمي ومدبولي حول الملف المائي كانت واضحة". الأمر الذي اشار له مدبولي فعلاً في حديثه في المؤتمر الصحافي المشترك، حيث قال " تم التوافق بين الجانبين على قضية الأمن المائي للدولتين، باعتبارهما دولتي مصب، والتأكيد على أنها إحدى قضايا الأمن القومي المشتركة، كما تم التشديد على مصالح الدولتين في الحفاظ على حقوقهما المائية، باعتبارها أمراً يمس الأمن القومي العربي، وضرورة الحفاظ على مصالح الدولتين فيما يخص مواردهما المائية»، ومضيفاً أن «كلتا الدولتين مصب لأنهار، والحضارات العظيمة في هاتين الدولتين قامت على ضفاف الأنهار". هذا الأمر يمكن ايضاً ان يؤكد الحاجة المصرية للحليف العراقي الذي سيعزز موقفها في الأشتباك الحاصل مع تركيا التي تريد أن تقلص دور مصر، وتحد من نفوذها الحيوي في ليبيا والمتوسط، وأيضاً في تقاربها مع اليونان في ملف الغاز المكتشف في المنطقة المشتركة بين البلدين. ورأى أن " التقارب العراقي – المصري يكتسب أهمية خاصة، لكن الإعلام الدعائي يحاول أن يخلط الأوراق، ويدفع بالأمور الى شعبوية مدمرة لا يمكن معها بناء عراق قوي وحقيقي وقادر على أن يكون فاعلاً ومؤثراً في محيطه، بما يحفظ قوته ومصالحه الوطنية والقومية.
*
اضافة التعليق