بغداد- العراق اليوم:
بعد شيوع ثقافة الإستهلاك، ونزعة الربح السريع، والحصول على الأشياء دون عناء، أو بذل جهد بسيط، حتى باتت الإتكالية والبحث عن جني المال دون حق، سمة بارزة في مجتمعنا الذي يريد كل شيء، دون أن يقدم شيئاً، أو يسعى على الأقل لتوفير شروط أولية لتحقيق حلمه أو مطلبه الذاتي. ولأن الظروف السياسية قد تغيرت، وأصبح المواطن العراقي يعتقد أنه صاحب القرار السياسي، وأنه من يحدد شخصية السلطة والحاكم والممثل عنه، فترى سقف مطالبه قد أرتفع، وهذا شيء جيد، مع سعي كل الحكومات بعد 2003، الى محاولة استرضاء الشارع للأسف، خوفاً أو طمعاً، أو حتى بنية خالصة لتقديم خدمات معقولة لتعويضه عما حاقه في سنوات الدكتاتورية العجاف. لكن السقف الذي بدأ بسيطاً ومعقولاً أول الأمر، حيث كان يتلخص في توفير فرص العمل، والسكن والأمن والخدمات، أرتفع اليوم الى درجة تقارب اللا معقول، فبعض الشرائح الإجتماعية تعتقد أن الحكومة مجرد خزينة مال مفتوحة، وعليها أن تدفع دون عمل أو جهد أو حتى مؤهل دراسي. والبعض بات يعتقد أن العمل او العلم ليس ضرورياً لتصبح مليونيراً أو تستلم المليارات من خزينة الدولة، وفئات أصبحت ترفع مطالبها الى حد أنها باتت تدخل الدولة في كل شؤونها الخاصة، فتراها غاضبة حانقة ان لم تقم الحكومة بتلبية مطالبها التي قد تعد فئوية وغير معقولة، اذا ما فهمنا ان وظيفة أي حكومة في العالم، تتمثل بإدارة الفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتوفير فرص التنافس، وخلق بيئة مناسبة للعمل، وإلاً ماذا يعني أن يطالب فتى في مقطع فيديوي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالتدخل فوراً لتزويجه (حتى لو لم يكن الفتى جاداً في طلبه)، وما معنى أن يطلب أحد الطلبة من رئيس الوزراء التدخل لتعديل قبوله في تلك الكلية او نقله من ذاك المعهد، وما معنى ان يطالب ذلك الفلاح في القرية النائية من رئيس الوزراء ان يتدخل شخصياً لحل مشكلة شخصية بحتة حصلت له مع إبن عمه، وخذ من هذا النوع آلاف المناشدات والمطالب التي يُلبى بعضها، وقد يحار في تنفيذ بعضها الآخر، خصوصاً ان هناك من يريد اشياء لا معقولة تماماً، فتراه يطالب بفرصة عمل في قطاع النفط، وهو لا يعرف أدنى التفاصيل عن النفط، بل هو لا يحمل أي مؤهل دراسي مقبول، فكيف يوفر رئيس الوزراء وظيفة في فرق استكشاف النفط، لشخص يحمل شهادة الدراسة الإبتدائية، بينما ملاك الوظيفة مخصص لمهن يحمل صفة (مهندس)، وهكذا يمكن القياس على مئات او آلاف الطلبات المشابهة ! لذا، يمكن تفسير ظاهرة لجوء الناس الى مناشدة رئيس الوزراء شخصياً، بتفسيرين، أحدهما يأتي كجزء من ثقتهم به، حيث يراه البعض شخصاً واضحاً بسيطاً مثلهم، وقريباً منهم، ولعدم ثقتهم بالمؤسسات الحكومية المعنية بمطالبهم، والمسخرة (افتراضاً) بحل مشاكلهم العالقة، والتي قد لا يحتاج بعضها سوى تدخل بسيط من موظف بسيط أيضا، او ربما رئيس شعبة، او رئيس قسم، فهل يعقل أن يتدخل رأس السلطة التنفيذية في البلاد في قضية مجاري لحي بسيط، أو انقطاع ماء عن بعض المنازل، مع اقرارنا انها من مهام الحكومة وواجباتها، ولكنها حسب السياق والتسلسل والهرمية الوظيفية المعمول بها يفترض ان تحل في الدرجات الدنيا من السلم الوظيفي الهائل المسخر لخدمة الناس وتمشية أمورهم. ان اخطر ما تصاب به المجتمعات هو شيوع روح الاتكالية ونبذ العمل، والانتظار من الغير ان يحقق احلام الناس المشروعة منها وغير المشروعة، وعلى المجتمع ان يعيد للعمل والمؤسسات الاعتبار، وان يمنح لنفسه الفرصة لاكتشاف قدراته الذاتية، مع إقرارنا بان العوز فتاك، والجوع كافر، قد يدفع ببعض الناس الى حافة الجنون.. وإلاً شلون ومنين يجيب الكاظمي مرة يزوجها لهذا الأخ أبو الفيديو ؟!
*
اضافة التعليق