بغداد- العراق اليوم: نعم، هذا شاعر صريع، هذا شاعرُ اخر، صرعهُ القدر الغادر، وأوغل في صدره خنجر الموت عميقًا، فلم يتدفق منه سوى الشعر لحبيبة غائبة، مرةً خاطبها جبار رشيد الذي قضى نحبه هذا المساء، بقصيدته المشهورة (خذني يمك). رشيد الذي يملأُ كل مساء اجواء بغداد شعراً ورهافة ومودة، وينسابُ مع دجلة، حين تشتبكُ فوق ضفافه الأمنيات، وشراب الأرواح المحلقة، هناك في هذا الفضاء السحري، كان رشيد يعزف مزاميرهُ في اثير اذاعة العراقية، حيث كنا على موعد مع (ليل وشعر) الذي يقدمهُ بروحه المبدعة، وصوته الرخيم الذي يعيشُ معه المُستمع رحلة في فضاء العشق والجمال والحرية، ويكتشفُ معه معنى أخر لحياة تغدو بائسة ان فقدت الشعر ومعانيه، وأن غاب عنها الشعراء ستكون غابة متوحشة. الم نقل لكم، أن موت كل شاعر في هذه الحياة، هو قتلُ لمعاني الجمال والحب والنقاء الذي تختزنه روح الشاعر، وتنشرهُ كلماته العابقة. جبار الموهوب المليء بالشعر، كما امتلائه بالحياء والنبل، رحل هذا المساء، مصارعاً موتاً كاسراً، سقط صديقك يا جلجامش، وحده في دار السلام، حيث خبمابا المتوحش لا يقتلُ سوى المزيد من الورد. بغداد هذا المساء، تفقدُ واحة من السعادات المحتشدة بأنفاس فتىً احبها، لكني اشكُ في انها بادلتهُ مشاعر النبل هذه، مع أن بغداد (غواية) وغاوية، تقتربُ من الشعراء فتسحرهم، تصرعهم، وتتلظى بعد ذلك بعشقها. مات جبار رشيد رغم حتف الموت، وماتت القصائد المترعة بحسه الجمالي، وحل خريف اخر في مدينة باتت ذاكرتها لا تستذكر الربيع ابداً. لقد لاقى خبر رحيل رشيد اصداءً في وسائل الاعلام والمنتديات ولدى التجمعات الشعرية والثقافية والأدبية في العراق. مات مشاكسُ اخر، وسقطت ورقة أخرى من شجرة الشعر العراقي المليء بالشجن والحزن والخوف من الغد الغادر.
*
اضافة التعليق