بماذا يختلف الكاظمي عن غيره، ولماذا كل هذا الاجماع على اختياره ؟

بغداد- العراق اليوم:

مر  في تاريخ العراق الحديث، العشرات من رؤساء الوزارات، والكثير من الحكومات التي تشكلت ومضت الى سجل التأريخ، لكنها لم تحظَ بكل هذا الاهتمام والحفاوة التي حظي به تكليف مصطفى الكاظمي، أمس لتشكيل حكومة وطنية جديدة، ولم يسبق أن حصل أي رئيس وزارة على هذا الاجماع الوطني، الذي أستدعى كل قادة العملية السياسية الكبار، الى أن يشاركوا في حفل التكليف، وأن يحرصوا على أن يكونوا في المشهد الجديد، والذي دشن على ما يبدو عصراً جديداً، وعده البعض انتقالاً فاصلاً ما بين 9 نيسان 2003، وما بين 9 نيسان 2020 الذي شكل الانتقال السلمي الأهم، مع بدء مرحلة جديدة في عمر العملية السياسية.

مثل تكليف الكاظمي بحسب مراقبين، حدثًا عراقياً فريداً، فهو ليس خياراً سياسياً آنياً، وليس حلًا وسطاً ارادت القوى السياسية أن تعالج به موقفاً حرجاً يترصدها، بل أنهُ أعتراف منها، بعجز الحلول المطروحة سابقاً، وأن متنها الأساس ما عاد قادرًا على إنتاج حلول ترضي الشعب، وتتلائم مع متطلباته في ايجاد شخصيات وازنة، غير محملة بعقد الماضي من جهة، وبين التطلع للمستقبل برؤية مواكبة لروح العالم السائرة نحو تأسيس الحكومات المستقرة، والتي "تُصفر الأزمات"، وتنطلق الى فضاءات الأقتصاد والتنمية مع عالم مأزوم بالفعلِ الآن.

أن الاجماع الداخلي الذي حققهُ الكاظمي، ليس لأنه ممثل لإرادة القوى السياسية، أو أنهُ جزء منها، على العكس، فالرجل وأن كان معارضاً لنظام صدام قرابة العقدين من الزمن، الإ أنه لم يقولب نفسه في أي إطار حزبي، ولم يدخل في سجالات وسجلات تلك الأحزاب التقليدية، فضلاً عن كونه مستقل الإتجاه السياسي، فهو مهني بدرجة كبيرة في مجالات الرأي والثقافة السياسية، وله تنظيرات وخبرات ممتازة مشهود لها، لذا كان الترحيب بتكليفه سريعاً من الأمم المتحدة، التي سجلت سابقة جديدة، بحضور ممثلتها بلا سخارت لمراسم التكليف التي شهدها قصر السلام.

وما أن أعلنت وكالات الصحافة وقنوات التلفزة، قرار التكليف حتى انهال الترحيب الداخلي والخارجي، واعلن الخصوم في ذات الوقت عن ترحيبهم بهذه الخطوة، فقد هنأت أمريكا والسعودية وايران وقطر والكويت ومصر والأردن وغيرها من الدول، الكاظمي بهذا التكليف، مع اشارات متفائلة بأن يكون تكليفه فاتحة خير لتفكيك العقد الداخلية، وأيضاً تطوير الحوار السياسي في البلاد، ويكون عصراً للانفتاح على الخارج والمحيط العربي والمسلم.

التساؤل هنا والذي يطرح بقوة من أي متابع عن سر هذا التأييد العارم، والاجماع والترحيب الكبيرين، ففضلاً عما تقدم ذكره فإن الكاظمي أيضًا مثل حلقة التقاء، وتمثيل للمصلحة العراقية، مقترباً من فضاء التفاهم عبر تأكيد التزامات العراق التي يطرحها عبر ترؤسه لجهاز المخابرات لفترة قليلة، حيث لعب فيها دوراً عربياً ودولياً هاماً، فضلاً عن مواصفات أخرى نعرف بعضها، لكننا نجهل بالتأكيد الكثير، وستثبت الأيام المقبلة للشعب العراقي أنه امام رجل مسؤول فعلاً، ورجل دولة لم يتوان عن طرح الحقائق، ولم يتوقف عن مصلحة لشعبه مهما كانت المعرقلات أو الخسائر الذاتية التي يحرص البعض على تجنبها معرضاَ مصلحة الوطن للخطر.

وهنا، فأننا في " العراق اليوم" لا نريد ولا نسعى للدعاية للرجل، فما حصل اليوم - صورة وصوتاً وواقعاً - هي برأينا أعظم دعاية مجانية بريئة تحققت للكاظمي دون أن يتوقعها، فأحياناً، بل دائماً، ما تكون الحقيقة والواقع أعظم واسهل واصدق وأنقى الدعايات للموقع أو للشخص ذاته.

ختاماً، فأن الكاظمي الذي ظهر في كلمة متلفزة قصيرة كان يحمل الكثير من الوضوح والصدق، فقد وضع النقاط على الحروف، بل وبدا لمن تابعه صادقاً وواضحاً لا يحمل في طيات كلامه اكثر من تأويل، وحتى حين هنأ الشعب العراقي بعيد المنتصف من شعبان لم يحصر هذه الدلالة على طائفة دون أخرى، أو يتقصد الغزل المذهبي، بل أنه كان يعرف أنها مناسبة اسلامية عالمية، فضلاً عن تهنئته بمناسبة ذكرى سقوط الدكتاتورية التي لم يتردد في اعلانها بشجاعة، واطلاق التهنئة بزوال الدكتاتورية ابداً، على عكس الكثيرين من الذين يجاملون بالوجه، وينكرون الحقائق رغماً عن الحقائق.

علق هنا