بغداد- العراق اليوم:
لم يهدد حياة الإنسان في العالم فحسب، بل بات فيروس كورونا المستجد يُهدد مصدر رزق المواطنين في الكثير من أنحاء العالم، بسبب إجراءات الوقاية التي تتطلب منع التجمعات ووقف الطيران وإغلاق الأماكن المزدحمة، لكن الخبر الاقتصادي الأكثر فزعًا هو النفط، إذ يشترك "كورونا" مع حرب "الأسعار والانتاج" بين منظمة أوبك وروسيا، في انخفاض سوق النفط إلى مستويات غير مسبوقة منذ مدة. تراجع الطلب على النفط رافقه "رفض" روسي لطلب أوبك خفض انتاجها من النفط لوقف تدهور الأسعار، وأدى عدم الاتفاق بين المنظمة والروس إلى تدهور سوق النفط وبلوغ سعر خام برنت 35 دولارًا ، فيما حمّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاختلاف بين السعودية وروسيا على الأسعار وحجم ضخ النفط مسؤولية هذا التراجع إلى جانب ما أسماه "الأخبار الزائفة".
الموازنة والرواتب
في العراق، يعتمد الاقتصاد في البلاد بشكل أكبر على مورد النفط في موازنته، وتتوقف رواتب الموظفين والكثير من القطاعات الاقتصادية على سعر برميل النفط في السوق العالمي.
فور انتشار أخبار انخفاض أسعار النفط ساد الحديث عن إمكانية عجز الحكومة العراقية على تسديد رواتب الموظفين في دوائر الدولة، إذ قال عضو اللجنة المالية النيابية عدنان الزرفي في تصريح تفلزيوني تابعه "ألترا عراق" إن "العجز في موازنة عام 2020 بلغ 56 ترليون بسبب زيادة الانفاق الحكومي"، مبينًا أن "الحكومة لن تستطيع تسديد رواتب الموظفين في حال هبوط أسعار النفط إلى 31 دولارًا"، فيما أشار الخبير الاقتصادي صفوان قصي إلى أن "الاقتصاد العالمي بمجمله مهدد، وموازنة 2020 غير المقرة بحاجة إلى أن يكون سعر برميل النفط 42 دولارًا".
في السياق، اعتبرت الخبيرة الاقتصادي سلام سميسم أن العراق "مقبل على كارثة اقتصادية لا يعلم مداها إلا الله"، كون الموازنة اعتمدت على أساس سعر 56 دولارًا للبرميل الواحد، وهو ما سيخلق عجزًا يقارب 51 مليار دولارفي ظل انخفاض سعر البرميل إلى 32 دولارًا، حسب تقديرها.
ردًا على تلك الأنباء، قالت اللجنة المالية النيابية في بيان إن "الأخبار المتداولة بخصوص تخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين عارية عن الصحة"، مؤكدة "عدم وجود نية لدى مجلس النواب أو الحكومة للخوض في هذا الموضوع كونه حقًا مكتسبًا"، لكن الزرفي، وهو عضو في اللجنة، يشدد على أن خفض رواتب الموظفين هو "تحصيل حاصل" إذا ما هبطت أسعار النفط.
من جانبه، أوضح مقرر اللجنة المالية النيابية أحمد الصفار في 11 آذار/مارس إمكانية العراق "الاستمرار بدفع الرواتب لهذا العام"، مشيرًا إلى حدوث "تأثير على الموازنة الاستثمارية في حال انخفاض أسعار النفط دون الثلاثين دولار للبرميل واحد".
وفيما يرى الصفار أن تخفيض الرواتب لا يتعلق بالسلطة التشريعية، بل "هو عائد إلى الحكومة وهي لتصريف الأعمال ولا تمتلك صلاحية تخفيض أو زيادة الرواتب"، يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح إن "الحكومة تعتقد بأن رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية من الخطوط الحمراء ولا يمكن المساس بها"، ورغم ذلك يؤكد صالح في تصريح آخر أن "هبوط أسعار النفط إلى أقل من 30 دولار لمدة غير قصيرة يعني التعاطي مع صدمة مالية ـ اقتصادية كبرى".
توظيف أثقل الموازنة
مع صعود مشكلة النفط وعلاقتها برواتب الموظفين، برز حديثٌ عن أخطاء ارتكبتها حكومة المستقيل عادل عبد المهدي في توظيف مئات الآلاف خلال فترة السنة الماضية من حكمها، خاصةً بعد اندلاع انتفاضة تشرين أواخر عام 2019، ويصف وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار التعيينات الأخيرة التي أصدرها رئيس الوزراء بأنها "قتلت الدولة"، متحدثًا في تصريح تلفزيوني عن "وجود 270 موظفًا في دائرة مساحتها 200 متر"، وفيما يشاطر عضو اللجنة المالية عدنان الزرفي، عبد الجبار الرأي، في أن الحكومة "أثقلت الموازنة بالتعيينات لتهدئة المحتجين"، يكشف عن قيام وزير الكهرباء الحالي لؤي الخطيب بتعيين "85 ألف موظف"، واصفًا تلك الخطوة بـ "الضحك على الناس".
في سياق ذلك كشف المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح عن إضافات حصلت على الوظيفة العامة من قبل حكومة عبد المهدي "تقدر بنصف مليون موظف جديد"، مشيرًا إلى أن "هذا العدد هو إضافة على فقرة الرواتب في الموازنة التشغيلية الذي يتراوح بين 11 إلى 13 ترليون دينار".
مشكلة الاتفاقية وحلول مقترحة
لا تقتصر أزمة النفط على رواتب الموظفين والوضع الاقتصادي المتعارف عليه في البلاد، بل على الاتفاقية العراقية الصينية الموقعة قبل حوالي خمسة أشهر، التي تشترط ـ بحسب متخصصين ـ على أن يسلم العراق للصين 100 ألف برميل نفط في اليوم قابلة للزيادة مقابل أن تقوم شركات الصين ببناء مشاريع في العراق، كالمصانع والمعامل والمساكن والمستفشيات والمدارس والمطارات.
في وقت سابق قال السفير الصيني لدى بغداد إن بلاده تأثرت اقتصاديًا بفيروس كورونا، لكن التعاون الصيني العراقي لم يتأثر.
لكن استمرار انخفاض أسعار النفط سيكون له تأثيرًا كبيرًا على الاتفاقية الموقعة بين العراق والصين، بحسب الخبير النفطي حمزة الجواهري، الذي يدعو إلى عدم تناسي "وجود سرّاق يريدون حصصهم، وهم أقوى من الدولة".
لا يرى الجواهري "زيادة انتاج النفط نحو الصين" حلًا، لما يسبب من عدم توازن الأسعار، ويضرب مثلًا بتصريح للوزير السعودي حول رفع إنتاج النفط لـ 4 ملايين أدى إلى انخفاض الأسعار نحو 15 دولارًا، معتبرًا خطوة العراق زيادة الانتاج منفردًا بأنها "محاربة نفسه بنفسه".
يقترح الجواهري في حديث لـ"ألترا عراق" معالجة "مجموعة قوانين حمّلت الدولة أعباء مالية كبيرة، منها رفحاء، السجناء، المفصولين من القوت المسلحة السابقة"، كما يقترح "استقطاع الضريبة من البضائع المستوردة مقدمًا كون ذلك سيجلب للدولة نحو عشرين مليار دول على أقل تقدير، بدل انتظار الاستقطاع إلى أن تصل البضائع، من أجل الرشوة"، على حد تعبيره.
يقترح الجواهري كذلك "استثمار أو بيع أو تأجيل عقارات واسعة تمتلكها الدولة بإمكانها أن تعادل ميزانتين أو ثلاث للدولة"، لكنه يرى أن "الأحزاب تستحوذ على تلك العقار أو الأراضي، وهي أقوى من الدولة، لذلك لا قدرة لأحد أن يتلاعب معها".
من وجهة نظر الجواهري فأن "لا أزمة في العراق مطلقًا حتى لو وصل البرميل إلى عشرة دولارات"، مبينًا أنها "ستكون (عادية) بشرط أن نمنع الفساد ونحسن التصرف بالأموال وننفذ القوانين بشكل صحيح ونطبقها فوق كل اعتبار، ونحمي المستهلك، ونضبط الحدود"
يرى الخبير النفطي حمزة الجواهري أن لا أزمة في العراق مطلقًا حتى لو وصل البرميل إلى عشرة دولارات شريطة أن نمنع الفساد ونحسن التصرف بالأموال
يختم الجواهري حديثه بالقول، إن "العراق يمتلك خبراء المال أو ما يسمى الإدارة المالية، وهم يعرفون من أين تأتي (الفلوس) لكنهم يواجهون الفاسدين الذين لا يضعون مصلحة العراق فوق كل اعتبار"، مضيفًا: "لو كان الأمر بيدي لأعدمتهم جميعًا".
*
اضافة التعليق