بغداد- العراق اليوم:
قال الشاعر العربي بشار بن برد: " متى يبلغ البنيان يوماً تمامه .. إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم "؟! والجواب، سيكون الأمر مستحيلاً، لأنك ستفشل في إتمام البنيان مهما كانت قدراتك ومواهبك ورغبتك في تحقيق النجاح. لذلك دعونا اليوم نكشف الاوراق، ونفضح المعاول التي تسقط البنيان وتمنعه من الإتمام ، وسنتحدث بلغة الوقائع والأرقام لا اكثر، ففي موارد النصوص كما يقال يسقط مورد الاجتهاد، وأمام لغة الأرقام يسقط التوقع والتخمين والتنبؤ، فاللغة الرقمية دامغة وواضحة، لا تقبل اللبس ولا التزويق. وبجردة حساب سريعة لسجل وواقع وزارة النفط سيتضح لنا ولكم، ما أنجزه وزير النفط السابق جبار اللعيبي، وما فعله وزير النفط الحالي ثامر الغضبان، وسنعرف أي انتكاسة اصابت هذا المرفق المهم والخطير، بعدما أحيته جهود الوزير السابق. فلو اخذنا مثلاً شركة ناقلات النفط العراقية، لوجدنا أن هذه الشركة التابعة لوزارة النفط، هي أكبر ضحايا الوزير ثامر الغضبان، وأهم إستهداف في إستهدافاته، فالرجل توجه لحل هذه الشركة، والغائها، منذ أن وضع قدمه اليمنى في موقع الوزارة، أي منذ أن اختاره الحاكم الأمريكي "بريمر"في منصب الرئيس التنفيذي لوزارة النفط عام 2004، ووزيراً للنفط في حكومة علاوي في ذات العام، ثم مستشاراً لرئيس الوزراء في حقل النفط والطاقة، ورئيساً لهيئة مستشاري رئاسة الوزراء، وما زال الرجل حتى هذه اللحظة مسيطراً على حقل الطاقة، دون ان تتقدم هذه الطاقة سنتميتراً واحداً في العراق رغم صرف عشرات المليارات من الدولارات عليها! لقد أشتغل الغضبان بقوة على تفكيك شركة الناقلات وحذفها من الوجود، ولولا موقف الدكتور فلاح العامري عام 2004، يوم كان مديراً عاماً لشركة ناقلات النفط، قبل ان يصبح مديراً لشركة سومو لما وجدنا اليوم شركة إسمها " ناقلات النفط" ! لذلك، كان من الطبيعي أن تبقى هذه الشركة (محلك سر ) وتصبح رواتب موظفيها في نهاية كل شهر، أمراً صعباً على مديرها العام، الى أن جاء الفرج على يد الوزير جبار اللعيبي، الذي تسلم وزارة النفط في حكومة العبادي عام 2016 ، فكانت فترة السنتين التي قضاهما في موقع الوزارة الأول تمثل الفترة الذهبية في تاريخ وزارة النفط بشكل عام، وشركة الناقلات بشكل خاص، علماً بأن هذه الشركة كانت قد تأسست قبل ما يقارب النصف قرن. لقد أثمرت جهود وزير النفط السابق جبار اللعيبي، والإستراتيجية العادلة التي اتبعها، عن نهوض هذه الشركة وتحولها من شركة خاسرة الى رابحة، وتعود هذه المؤسسة البصرية الى الحياة، بعد موت اضطراري بفعل سياسات قصدية لم تعد خافية. لكن للأسف الشديد، اعيدت هذه الشركة الى ثلاجة الموتى مجدداً، بمجرد تولي ثامر الغضبان مقاليد الوزارة ثانية، ساعده في ذلك رباعي ادارة شركة التسويق "سومو" ، وقد بدت جهودهم واضحة لتدمير هذه الشركة، التي تضم بين جنباتها أكثر من خمسة آلاف عائلة بصرية، توفر لهم رغيف الخبز عبر إشتغال أبنائها فيها، لكنها اليوم -عاجلاً أم آجلاً - تتجه نحو اعلان افلاسها التام، بعد أن بدأت تتقلص مواردها بشكل غير طبيعي، بحيث يصعب عليها اليوم دفع مستحقات منتسبيها!
والسؤال:- كيف وصلت شركة الناقلات الى هذا المستوى البائس ؟
والجواب يكمن في سياسة الغضبان الهادفة الى افلاس هذه الشركة عبر عشرات المواقف والإجراءات والعقود غير النزيهة التي نفذها، إذ يكفي أن القضاء العراقي يحقق في ملفاتها وقد توصل الى نتائج خطيرة ستطيح برؤوس كبيرة بينها الغضبان نفسه !
عقود كارثية !
حول كارثية عقود وزارة النفط في عهد الغضبان، فنحن لن نتحدث عن عقود جولة التراخيص الخامسة وما رافقها من شبهات جمة، والتي أدار الغضبان ساعاتها الأخيرة تلفونياً من محل اجازته في استراليا، كما لا نتحدث عن فضيحة انبوب النفط، بصرة -العقبة، ولا عن عقود شحنات البيع الفوري التي ابرمتها ادارة سومو بدعم الوزير شخصياً، أو عقود شركات "القيوان، وكار، وشوان" الكارثية، إنما سنتحدث عن موضوع واحد، سيؤكد للجميع تحيز الوزير الغضبان وعصابة الأربعة في سومو وفسادها، وهو الخاص بتوقيع شركة سومو لعقد مزدحم بالتجاوزات والخروقات القانونية مع شركة النقل البحري التابعة لوزارة النقل، برعاية " خاصة " من وزيري النفط والنقل، رغم أن شركة سومو لا تملك الحق القانوني لتوقيع هكذا عقود، انما هو حق لشركتي الناقلات والتوزيع، ثم أن العقد مع شركة النقل البحري يعد مخالفة في ظل وجود شركة عائدة لوزارة النفط، شركة متخصصة بنقل النفط بحرياً، بل هي تأسست لأجل هذا الغرض، ويمكن قراءة ذلك في قانونها الداخلي، بينما شركة النقل البحري، غير متخصصة بالنفط، ولا علاقة لها بنقل النفط مطلقاً، كما إنها لا تملك ناقلات بحرية، ولا كادر متخصص بنقل المشتقات النفطية، وغير مؤهلة بالمرة للقيام بمثل هذه المهمة، فلماذا فعلها الغضبان إذن؟! وتضيف المصادر : " كما أن الوزير قام بخطوة إضافية إلى هذا، عبر تحويل نقل النفط ومشتقاته، كالنفط الأسود والنفتا وغيرهما، الى شركة التسويق (سومو) التي هي في الأساس مختصة بنقل النفط الخام وبيعه في الأسواق العالمية، ولاعلاقة لها بالنقل أو عقود التوزيع، لأن هذه المهمة من اختصاص شركة توزيع المنتجات النفطية، وشركة الناقلات العراقية حصراً، وبذا يكون العقد الذي ابرمته شركة التسويق مع شركة النقل البحري التابعة لوزارة أخرى مخالفاً لطبيعته، وتعدياً على اختصاصات وعمل شركات أخرى، حسب نظامها الداخلي". وأشارت المصادر الى، أن " الأسباب التي تدعيها إدارة"سومو" في لجوئها الى التعاقد مع شركة خارجية، غير مقنعة، فالإدارة تبرر هذا التعاقد بكون أسعار شركة النقل البحري التابعة لوزارة النقل اقل سعراً من أسعار شركة الناقلات التابعة لوزارة النفط، وهذه مفارقة عجيبة، فحتى لو ثبت هذا، فما الضير أن تتعاقد شركة من ذات الوزارة مع أخرى في ذات الوزارة، اذا كان الإيراد النهائي سيتم تسجيله لصالح الوزارة ذاتها، وبالتالي فإن أي زيادة في الإرباح أو المدخولات سيكون مساهماً في زيادة إيرادات نهائية للوزارة نفسها". وتساءلت المصادر، عن سبب استعداء هذه الشركة البصرية، وحرمانها من عمل يدر أرباحاً لأهل البصرة ويوفر لهم فرص عمل كبيرة، فلمَ هذه الأصرار علىسلب الأرزاق، وتعطيل هذا المرفق البصري النافع وبينت أن " شركة التسويق ذاتها، تقوم بدفع 14 دولار عن كل طن يصدر من موانئ وأرصفة شركة الموانئ التابعة لوزارة النقل، ولم تقم شركة سومو بإنشاء رصيف لصالحها، ومن ثم تأتي لتتعاقد مع شركة النقل البحري التابعة لذات الوزارة، دون ان تحصل على خصم، أو إعفاء من دفع أجرة استخدام هذه الأرصفة، فيما تحرم شركة تابعة لوزارة النفط من حقها في نقل النفط بموجب القانون والنظام الداخلي لها، واذا كان الهدف تقليل الكلف كما يقال، فلماذا لا تبادر وزارة النقل لإعفاء عمليات التسويق من رسوم الموانئ والأرصفة الباهظة. وأشارت المصادر، الى أن "هذه التعاقدات تهدف في النهاية لإغلاق شركة الناقلات العراقية نهائياً، وهو ما يضع تساؤلات كثيرة عن سبب استعداء الوزير الغضبان لهذه الشركة بالذات، أهو بدافع بغض للبصرة وشركاتها، أو ان عقد النقل البحري الذي يقف ورائه النافذون في سومو، له فيه ما فيه من رشى وعمولات وجوانب مخفية؟! ملفات النزاهة والقضاء تؤكدان السبب الثاني، أما نحن فنميل الى السببين - الأول والثاني - معاً ! أو أن امراً نفسياً اخر يقف وراء هذا الإستعداء.
*
اضافة التعليق