كيف واجه الرئيس الحلبوسي تقرير الحرة المثير، وماذا قال لمساعد وزير الخارجية الأمريكية ؟

بغداد- العراق اليوم:

ظلت اعظم المشاكل التي تعاني منها الساحة السياسية العراقية، هي الافتقار الى شخصيات وازنة، يمكنها التحول الى رجال دولة حين تحتاج الدولة الى رجال، لتأخذ على عاتقها مهمة ترسيخ الحدود الحافظة لخارطة النظام الديمقراطي، وإعادة صياغة السياستين الداخلية والخارجية، وفق مقاسات واشتراطات بناء الدولة الناجزة، والنظام المتكئ على الشرعية الدستورية من جهة، والقبول الأقليمي والدولي من جهة أخرى، وفيما بينهما يملك النظام ادوات ضبط العنف، والتحكم بالمال، وهذا لو تحقق لكنا قد تخلصنا منذ سنوات بعيدة من حالة التذبذب وغياب الرؤية الستراتيجية في التعامل مع المعضلة العراقية بعد عام ٢٠٠٣. وهنا يتوجب علينا أن لا ننكر ظهور بعض الشخصيات السياسية والوطنية الفاخرة بين فينة واخرى، في الساحة النيابية او الحكومية العراقية، لكنها لم تنجح بما يكفي للتأثير على مجرى الأحداث الستراتيجية الكبرى، كما لم تتمكن رغم ثقلها، من أن تلعب أدواراً مؤثرةً وفاعلة لمصلحة بناء دولة عراقية قوية حديثة. وأسباب هذا الإخفاق عديدة لامجال لذكرها الان. لكن اليوم، ثمة بوادر ايجابية للغاية تنبئ عن تحول جذري واضح في شكل النظام السياسي العراقي، الآخذ بالإستقرار، مع توفر الفرصة المناسبة لأن تستعيد بلادنا القها بعد عقود متواصلة من الصراعات والحكم الفردي الدكتاتوري، والطائفي. ولتجنب الاطالة، نشير الى ان ظهور نمط جديد بين الساسة العراقيين في هذا الوقت، يشكل نقطة يمكن المراكمة عليها، والبناء فوقها لصناعة التحول الكامل في مسار بناء الدولة بعد ان نجحنا في بناء الحكومات بشكل متعاقب ومقبول نوعاً ما، فبروز النزوع لدى القادة للخروج من شرنقة الطوائف ليتحولوا الى رجال يمثلون وطناً مثل العراق، هو الحدث الأهم والأفضل في كل ما يجري. ولعل الاداء السياسي الملفت الذي يقدمه الرئيس محمد الحلبوسي مثال جدير بالاشارة اليه، بل وبحثه في إطار تقييم المشهد السياسي اليوم، فهذا الرجل الذي يتولى رئاسة اقوى السلطات في العراق، ينطلق بقوة الآن لتجاوز عقد الماضي، وارث ومخلفات واعراف المحاصصة البائسة، ويؤسس لمنهج المسؤول (المسؤول) فعلاً عن كل الوطن، وعن سياسات وقضايا البلد الذي يقود فيه احدى رئاساته، ولا يتردد في بحث جميع القضايا التي تهم ابناء بلده بغض النظر عن الطوائف والمذاهب والقوميات، هذا ما لمسه مساعد وزير الخارجية الامريكي الذي التقى الحلبوسي أمس، والذي لم يكن يتوقع ان يثير معه الرئيس الحلبوسي ملف اساءة قناة الحرة للمرجعيات الدينية، وان يبلغه بجرأة ووضوح ان الدولة العراقية تتابع بدقة ما يحدث، وان العراق حريص على حرية الصحافة والإعلام وسائر بلا توقف في تعزيز مسارات الشفافية وحرية التعبير، لكنه في نفس الوقت يتحفظ على طريقة الاستفزاز الجماعي، بل ويقف بقوة ضد أية محاولة للنيل من الرموز الدينية والعقيدية، وعلى رأسها المرجعيات الدينية الشريفة، لا سيما محاولات الخلط القصدي  وتحقيق الاجندة الخفية عبر استغلال بعض القضايا وتسخيرها لخدمة اجندة ما. لقد كان صوت الحلبوسي الذي يتحدث امام المسؤول الامريكي الكبير غريباً على آذان القادة الغربيين الذين اعتادوا سماع الحديث الطائفي الروتيني، والشكوى من تجاوزات الأخر في لقاءاتهم مع مسؤولين عراقيين اخرين، فأذا بهم يسمعون حديث رجل دولة مختلف، حديث مباشر من سياسي عراقي يبلغ فيه الامريكيين برفض تام للاستفزاز، ومحاولة التلاعب بوحدة ونسيج المجتمع العراقي، لما في ذلك من خطورة على الجميع، ولذا كانت الإدارة الامريكية متفهمة بل ومتفاعلة مع مثل هذا الخطاب الذي يلمس منه الحرص على تماسك وقوة العلاقة والشراكة العراقية - الامريكية من جهة، وحفظ مصالح العراق وسيادته واستقلاله وخصوصيته الوطنية من جهة اخرى، فخطاب الحلبوسي كان من اجل اطفاء الحرائق التي تفتعلها جهات بقصد او بغيره، لاسيما وإن الرجل يتقن دوره في تقريب وجهات النظر، والتقليل من التباين المؤدي الى ما تحمد عقباه.

وللأمانة، وفيما يتعلق بموضوعة تقرير فناة الحرة المشار اليه، فأن الحلبوسي بذل جهوداً استباقية في سبيل ايقاف نشر مثل هذا التقرير قبل بثه، أي من لحظة الإعلان عن موعد بثه، لكن الاعلام الامريكي لا سلطان عليه كما يعرف الجميع، ومع ذلك استمع الحلبوسي الى موقف امريكي رسمي بأن التقرير لا يعبر عن توجهات حكومية امريكية رسمية، وان امريكا حريصة على ابقاء الشراكة الفعالة بعيدة عن الاهتزازات الجانبية، مع تأكيدها على احترام الخصوصية العراقية، لاسيما المرجعيات الدينية التي تعرف قيمة المهابة التي تمتلكها في الشارع العراقي، لذا نجح الحلبوسي في انتزاع هذه الضمانات، وتحويل الازمة الى نقطة التقاء تجنب الطرفين سوء الفهم المؤدي الى ما لا تحمد عقباه، كما هو الحال في لقاءاته الداخلية التي يحرص على ان تؤدي دورها في تقريب وجهات النظر الداخلية، وبلورة رؤى مشتركة حول مختلف القضايا والأزمات.

علق هنا