بغداد- العراق اليوم:
سلام مسافر
الصديقة الكاتبة الصحفية، سلوى زكو؛ تتسائل عشية الذكرى 61 للرابع عشر من تموز 1958 عن ماذا ترك ضباطها بعد رحيلهم؟ وتكتب”نحن لا نعرف كم دينارا كان في جيب جلال الاوقاتي يوم اغتالوه على عتبة داره.ما الذي خلفه لورثته وصفي طاهر والمهداوي وعدنان البراك وطه الشيخ احمد ومئات آخرين غير بيوتهم البغدادية بنيت بقروض ميسرة من الدولة". السؤال ايقظ في ذاكرتي الكسولة؛ مشهدا ترك اثرا عميقا في حياتي؛ بل ربما كان الحركة الاولى في انعطافة نقلتني من رومانسي محافظ؛ يذوب في تجويد القران؛ وصلوات التراويح في الليالي الرمضانية؛ العابقة بالبخور،وجلسات الذكر المفعمة بمسرة الاقتراب من وجه الحبيب المصطفى ومن الخالق المعجز؛ الى ثوري؛ يسعى لتغيير العالم؛ وتحطيم كل التابوهات. فقد اطلعت وانا الصبي على وصية تركها قريبنا المرحوم طه الشيخ احمد فجر الثامن من شباط 1963. كان يعيش مع اسرته في منزل مستاجر من الاموال المجمدة بالاعظمية .وشغل حتى يوم الانقلاب منصب مدير التخطيط العسكري في حكومة الزعيم قاسم،واعدم معه في مبنى الاذاعة والتلفزيون قصاصة ورق كتب عليها طه الشيخ احمد بحبر اخضر؛ انه خرج مستعجلا ولم يرغب في ايقاظ الاطفال. يوصي طه الشيخ احمد؛ زوجته بتسديد ديون عليه لبعض الاشخاص.مبالغ صغيرة تتراوح بين الخمسة والعشرة دنانير على مااذكر. حين قراتها وانا الصغير، اتسلل بين النائحات،وبينهن والدتي على قريبهن طه؛ اهتز وجداني، ورايت في الضابط الانيق الذي كان نجله (ابو ذر) زميلنا في الدراسة، وكنا نغبطه على ذكائه الخارق؛ ملاكا.. ملاك بشرني بالعدالة التي تخيلتها وانا احنو على القران، واذوب في نقلاته الساحرة؛لكني لم اعثر عليها في وجوه وسلوك الخاشعين المتعبدين! لعل تلك القصاصة، وصورة الضابط متوسط القامة بوسامة بغدادية هي التي زرعت في وجداني (جذور السنديانة الحمراء) لتورق بعد شهور ورقةالالتحاق بتنظيمات الحزب الشيوعي. وحتى قبل ان أخطو نحو العمل الحزبي، ولو خطوة واحدة؛ جاهرت بسخطي على قتلة عبد الكريم قاسم ورفاقه؛ وفِي المقدمة قريبنا طه الشيخ احمد؛ ليوقفني الحرس القومي بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي؛ فيطلق سراحي مدير شعبة الامن ساخرا من سجاني، حين عرف سني وسمع اسمي. لكن قبلها أكلت الكثير من الصفعات والركلات على يد" حراس عروس الثورات". لم يكن طه الشيخ احمد؛ الضابط خريج كلية الهندسة العسكرية وأركانها؛ زاهدا عن فقر؛ فهو من عائلة ميسورة، بل لان قيم المجتمع والمنظومة القائمة آنذاك، تزين لمنتسبيها النزاهة والعفة والزهد. لم تكن وصية طه الشيخ احمد، بدافع ديني؛ كما اعتقد، وإنما لان أخلاق الضابط؛والشرف العسكري؛ لا تسمح بان يطالب احد، أسرته بدين وان كان تافها؛ بعد رحيله. أيقن طه الشيخ احمد؛وهو يغلق بهدوء،باب منزله على ناصية النهر، دون صرير للباب الخشبي،انه قد يقتل في المواجهة مع الانقلابيين. ربما لم يوقظ الزوجة والأطفال؛ لانهم قد يثنوه عن التوجه الى وزارة الدفاع، اذا سمعوا وهم النيام؛ البيانات تلعلع كالرصاص من الراديو. كُتب الكثير عن الساعات الاخيرة من حياة، قاسم ورفاقة، ويبرز اسم طه الشيخ احمد، بين الثنايا، دون تأطير او تركيز؛ فيما يتداول الاقارب معلومات، بانه اقترح على عبد الكريم قاسم التوجه الى المعسكر رقم واحد او الى معسكر الوشاش، بدلا من مبنى وزارة الدفاع في باب المعظم ؛الذي تحول بالفعل الى مصيدة للزعيم ومن بقي معه؛ بعد ان كان "عرين الاسد" كما تبجحت الصحافة الموالية للزعيم الأوحد وبالغت الى حد الخيال في كيل الأوصاف للضابط البسيط، محدود الأفق . فصدق انه معجزة . لا احد يمكنه تاكيد هذه الأقاويل، كما لم يتوفر الى الان؛ لحد معرفتي المتواضعة؛ جهد علمي بحثي غير مؤدلج ؛محايد، يقيم نظام الرابع عشر من تموز ورموزه الذين ترتفع صدقيتهم الأخلاقية يوما اثر اخر مقارنة بمنظومة اللصوص الحاكمة في العراق بعد الاحتلال. صورة الملاك؛ لعساكر؛ ارتكبوا كما هائلا من الأخطاء؛ تزداد هالة بعد هالة على خلفية حرامية بغداد اليوم. لم يتركوا عقارا ولم يخلفوا مالا؛ رحلوا مع الزعيم قاسم في عربة واحدة اسمها المغامرة.
*العنوان مقتبس من كتاب بنفس الاسم للكاتب اللبناني محمد دكروب يؤرخ لتاريخ ونشوء الحزب الشيوعي اللبناني.
*
اضافة التعليق