بغداد- العراق اليوم:
أحمد عبد السادة
قد يبدو شعار "لا للحرب" الذي رفعه التيار الصدري مؤخراً شعاراً أخلاقياً وإنسانياً و"بريئاً"، لكنه في جوهره بنظري يعد شعاراً خــادعاً ومضللاً ويضمر أهدافاً ومقاصد معينة، أي أنه أشبه بكلمة "حق" يراد بها "باطل". كيف؟ لا شك أن رفع شعار "لا للحرب" مقترن، في توقيته، بالتصعيد العسكري والإعلامي الذي يقوم به ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان ضد إيران ومحور المقاومـــة عموماً، وبالتالي فإن هناك جهة تصعد وتحشد وتهدد بشن الحـــرب هي أمريكا وإسرائيل والسعودية، وهناك بالمقابل جهة يتم تهديدها بالحرب بلا مبرر ولا سبب ورغم ذلك تحاول تجنب الحـــرب مع الاحتفاظ بكرامتها، وهذه الجهة هي إيران وكل قوى محور المقاومـــة، وهنا على المتابع المنصف والإنسان الأخلاقي الذي يرفض الحــروب ويدينها ويريد العيش بسلام وسط "أغصان الزيتون" أن يدين الجهات المعتدية التي تهدد بالحرب حصراً لا أن يجلس على تل الحياد ويدين كل الأطراف ويدعوها للسلام وعدم شن الحرب بما فيها الأطراف التي لا تريد الحــــرب أصلاً ولا تسعى إليها ولا تهدد بها!!. أنا أرفض الحـــرب طبعاً، وأغلبنا يرفض الحــرب بالتأكيد، لأن رفض الحـــرب موقف أخلاقي يعتبر من البديهيات والمسلمات التي لا اعتراض عليها ولا جدال فيها، ولكن القليل منا فعلاً يرفض العــدوان، وبين رفض الحــرب ورفض العــدوان هناك فرق كبير وشاسع لا يعرفه إلاّ الذي يملك ضميراً كاملاً ويشخص ويحدد المعتدي ويقول له: أنت المعتدي والمدان. وبالمقابل يقوم بتشخيص وتحديد المعتدى عليه ويقول له: أنا اصطف معك لأنك تتعرض إلى عــدوان بدون وجه حق. والاصطفاف هنا أخلاقي محض، أي بمعنى أن المعتدى عليه لا يطالب المصطفين معه بحمل البنادق والقتال معه، بل يطالبهم بإنصافه وقول كلمة الحق فقط!!. لا يمكن أبداً أن يكتسب شعار "لا للحرب" طابعه الأخلاقي إلاّ عندما يقترن برفض العــدوان وإدانته، وبدون ذلك فإن هذا الشعار سيتحول إلى فرصة للتلقين الشعبي الببغاوي وإلى مادة للاستهلاك الإعلامي وإلى مناسبة للاستعراض الشعاراتي الفارغ والخالي من أي موقف أو مضمون أخلاقي. شعار "لا للحرب" عندما يطرح لوحده وبشكل عام وبدون تحديد المتسببين بالحرب والمهددين بها فإنه سيتحول إلى شعار عائم وفضفاض وأجوف وبلا معنى وسيحاول أن يخفي هوية "المعتدي"!!. إن أغلبنا مثلاً كان "مع الحـــرب" حين تم تهديد وجودنا من قبل تنظيم "داعــ.ـــش" الإرهــــابي "المعتدي" ولم نقل حينها "لا للحرب" لأننا نعرف جيداً بأننا نخوض تلك الحــرب لحماية وجودنا. عندما تقول مثلاً بأنك ترفض الحــرب بين السعودية والحوثيين فإنك تضع الحوثييـــن المعتدى عليهم في خانة السعوديين المعتدين، وبالتالي فإنك تضع المعتدي والمعتدى عليه الذي فرضت الحــرب عليه فرضاً في خانة واحدة، أما الموقف المنطقي هنا فهو أن ترفض العــدوان السعودي ضد اليمن وتطالب بإيقافه. من الظلم أن تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، ومن الإجحاف أن تحملهما معاً مسؤولية الحــرب وتطالبهما معاً بإيقاف الحــرب!!. رفض الحــرب موقف ناقــص وخــادع إذا لم يقترن برفض العــدوان. هكذا يقول منطق الضمير والحق والعدل والإنصاف.
*
اضافة التعليق