لأول مرة يسميهم بالإسم .. تيار الحكيم يتهم الصدر والعامري بتاسيس دولة عميقة جديدة في العراق

بغداد- العراق اليوم:

نجح ائتلافا "الفتح" بزعامة مؤسس "منظمة بدر" هادي العامري، و"سائرون" بزعامة مقتدى الصدر، في تخليص العملية السياسية في العراق من مأزق تشكيل الحكومة الذي أعقب الانتخابات التشريعية عام 2018، بالتوافق على تولي عادل عبد المهدي لمنصب رئاسة الوزراء باعتباره مرشحاً وسطاً بين الأطراف الفائزة التي لم يحقق أيٌّ منها أغلبية مريحة تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً. هذا النجاح أغرى قادة الائتلافين بالمضي قدماً في التقاسم الثنائي للدولة، من خلال السعي إلى الاستحواذ على المناصب العليا التي تُعرف بـ"الدرجات الخاصة"، وهي وظائف دون درجة الوزير، يؤثر شاغلوها في صناعة القرار بالدولة. ويضم الائتلافان تحت مظلتهما حلفاء آخرين، رشحت معلوماتٌ إبرام بعضهم اتفاقات ثنائية بعيداً عن تلك القوى التي وفرت بأحجامها الصغيرة والمتوسطة قوةً أهَّلت "الفتح" و"سائرون" إلى أن يكونا مؤثرَين في العملية السياسية.

اتفاق تقاسم مناصب:

مصدر إعلامي مقرب من ائتلاف سائرون كشف عن لقاء جمع زعيمي الائتلافين هادي العامري ومقتدى الصدر مؤخراً، تم خلاله الاتفاق على تقاسم مئات المناصب الحكومية الحساسة.

وقال المصدر، مفضلاً عدم ذكر اسمه: إن "الاتفاق يقضي بتوفير أغلبية برلمانية، عمادها نواب الفتح وسائرون وقوى مساندة أخرى، لتمرير أسماء أكثر من 400 مسؤول رفيع في الدرجات الخاصة". وبخصوص حصة القوى السياسية المنضوية تحت الائتلافين من المناصب، أشار المصدر إلى أن الاتفاق يقضي بـ"استحواذهما على الحصة الأكبر من المناصب، وتولِّي كل منهما توزيع مناصب ترضية على المتحالفين معهما". وأضاف: إن "الجانبين سيطلقان تشاورات جانبية خلال الأيام القادمة، مع حلفائهما لغرض استكشاف ردود الفعل، وسيجري تسريب جانب من معلومات الاتفاق عن طريق الإعلام كبالون اختبار، لمعرفة ردود الفعل المحتملة".

انسحابات واعتراضات

وأكد المصدر أن "انسحاب حزب الحل، أحد أبرز الأحزاب العربية السُّنية من تحالف البناء، مؤخراً، سببه تسرب معلومات عن هذا الاتفاق، حيث عبَّر جمال الكربولي، زعيم الحزب، في اجتماع خاص بالتحالف، عن سخطه من تهميش الشركاء، واستيلاء العامري على سياسة التحالف وعملية توزيع المناصب". يُذكر أن زعيم حزب الحل، جمال الكربولي، أعلن يوم 11 أبريل 2019، وبعد أقل من نصف ساعة على انعقاد الاجتماع الذي جمع قادة التحالف مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، انسحاب حزبه بشكل نهائي من تحالف "البناء"، الذي كان تشكَّل مطلع أغسطس 2018، عقب الانتخابات النيابية التي جرت في شهر مايو من العام نفسه. وقال الكربولي الذي حصل حزبه في الانتخابات على 14 مقعداً برلمانياً، في بيان: إنه "سبق أن انضم إلى التحالف بنيَّة طيبة، بهدف تحقيق السبق في صياغة مظلة وطنية جامعة؛ تعلو على كل الانتماءات الضيقة". وتابع: "وحيث إن شيئاً من طموحنا في صياغة أفق سياسي وطني بمعناه الحقيقي لم يتحقق، منذ ما يقرب من عام، فإنني أعلن انسحابي من تحالف البناء كخطوة أولى لتصحيح المسار ضمن إطار البحث عن مشروع وطني يعمل بجد لعراق مزدهر يتساوى فيه جميع العراقيين". وفي السياق ذاته، أبدى تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم اعتراضه على التفاهمات الثنائية التي أبرمها شريكه في الائتلاف هادي العامري مع ائتلاف الفتح. وقال حمزة البديري القيادي في التيار : إن "الاتفاقات محاولة للتخلص من دولة عميقة، لمصلحة تشييد دولة عميقة جديدة"، في إشارة إلى إنهاء مناصب الوكالة التي يُحسب كثير منها على حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. وأضاف: "لن نقبل بتقاسم المناصب بهذا الشكل، حيث سبق أن تنازلنا عن الوزراء، واتفقنا على تسليم إدارة الدولة إلى المستقلين، والاكتفاء برعايتها سياسياً وبرلمانياً، واليوم يتجه الائتلافان إلى تقاسم مناصب الدولة الحقيقية من الهيئات والمديرين بينهما".

معضلة الدرجات الخاصة:

تعتبر الدرجات الوظيفية الخاصة ثاني أهم المعضلات التي تواجه حكومة عبد المهدي، بعد مسألة استكمال الحكومة والمتبقي لها أربع وزارات شاغرة: الدفاع والداخلية والعدل والتربية.

إذ يواجه رئيس الحكومة معركة مع الأحزاب والكتل السياسية، لشغل المناصب الحكومية المتعلقة برؤساء الهيئات ووكلاء الوزارات والمستشارين ورؤساء البعثات والمديرين العامين، وتطالب الأحزاب والكتل السياسية بأن تخضع للمحاصصة، أسوة بالتشكيلة الحكومية، فالبرنامج الحكومي لعبد المهدي، الذي تمت الموافقة عليه، يقضي بتغييرات واسعة في المناصب التي أمضى أصحابها فيها أكثر من 6 سنوات، وكذلك المناصب التي تدار بالوكالة.

هادي الفريجي الأكاديمي والباحث العراقي، قال : إن "الغالبية من المسؤولين الذين يتولون مناصب الدرجات الخاصة بالوكالة تم تعيينهم خلال ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006-2014)، ويشكلون الدولة العميقة في العراق، ويتحملون القدر الأكبر من المسؤولية عن الوضع الذي وصلت إليه مؤسسات الدولة". وأكد أن "ولاء هؤلاء لحزب الدعوة خوَّل المالكي ممارسة سلطته في عديد من الملفات الحساسة حتى بعد مغادرته السلطة؛ وهو ما دفع الكتل السياسية إلى اشتراط تغيير موظفي الدرجات الخاصة كشرط للموافقة على تولي عبد المهدي رئاسة الوزراء". وأشار الفريجي إلى أن "شهر يونيو المقبل سيكون آخر شهر تُصرف فيه رواتب المناصب التي تدار بالوكالة بحسب مفردات موازنة العام الجاري، وهو ما يعني أن الموضوع بحاجة إلى حل خلال الأسبوعين القادمين". ولفت إلى أن "ذلك دفع الكتل السياسية إلى التزاحم للفوز بتلك المناصب؛ نظراً إلى كون من يسيطر على المفاصل الحساسة بالحكومة يشكل الدولة العميقة، وتأتي اتفاقات ما تحت الطاولة إن صح التعبير، كخطوة سيفاجئ بها (سائرون) و(الفتح) الغرماء والحلفاء على حد سواء، ولذلك شهدنا انشقاقات في الأيام الماضية، وأتوقع مزيداً منها مع تكشف مزيد من المعلومات عن الاتفاق". يشار إلى أن أطرافاً عديدة حذرت من خطورة المحاصصة بالدرجات الخاصة، ومن احتمالية استمرار الفساد في التغول على مقدرات الدولة. وقالت عضو لجنة النزاهة البرلمانية عالية نصيف، في هذا الخصوص، إن السباق المحموم بين الكتل السياسية على مناصب المديرين العامين ووكلاء الوزراء سيحمي الفاسدين. وأضافت في تصريح صحفي: إن "الكتل السياسية ترغب في الاتفاق على توزيع المناصب الأساسية بالوزارات فيما بينها، ومن ثم بعد ذلك يتم الاتفاق على الوزراء للحقائب الشاغرة بسلة واحدة"، مضيفةً: "إذا أرادت الحكومة حقاً مكافحة الفساد فعليها إبعاد الكتل السياسية عن السباق على الاستحواذ على الدرجات الخاصة".

علق هنا