الشاعر الكبير جواد الحطاب يكتب لل" العراق اليوم" : انا، والمربد، والجواهري ..

بغداد- العراق اليوم:

-1- يذكر الشاعر الكبير "سامي مهدي" بكتابة استذكارية للمربد ، ان الفكرة وُلِدت في عام 1969، وهذا يعني ان مربد هذا العام سيعلي قصيدة جديدة في سياج البيت المربدي، ليرتفع الى 50 عاما ( 1969- 2019) وكان من الرائع ان يختارني أدباء مدينتي البصرة، لأن أفتتح القراءات في هذا التاريخ تحديدا، وبالرغم من انسحابي من كل المهرجانات والفعاليات الثقافية السابقة ومنذ الإحتلال الامريكي الى اليوم، الا اني استجبت الى طلب أدباء البصرة، لأسباب كانت تتطلب ذلك، وربما في كتابة اخرى، سأتطرق اليها.

-2- و.. بعيدا عن هذا فأن أجمل ما في مربد هذا العام ( أقول هذا على الصعيد الشخصي ) هو سفري الى البصرة، ذهابا وإيابا، مع صديقي الكبير – شعرا وإخلاقا – الشاعر وجيه عباس، الشخصية البسيطة، والرائعة، بعيدا عن الشاشة او الحضور البرلماني.  هذا أولا.  وثانيا ..استعادة معرفتي بوزير الثقافة الدكتور عبد الأمير الحمداني، الذي استذكرنا، وعبر اكثر من لقاء، أيّام منتدى الأدباء الشباب في "الطالبية" والأصدقاء فضل خلف ، وعبد الرزاق الربيعي، وعدنان الصائغ .. وكان عبر كل هذه التفاصيل ذلك الرجل المثقف، والخلوق، والحلو في المعشر، والجميل في التواضع.

-3- قصيدتي التي اخترتها بدقة وعناية للافتتاح، تملك اسباب قراءتها هي، ولست أنا من إختارها .

كانت " مقبرة الغرباء – مرثية للجواهري " وقد أثارت ردود افعال عديدة ربما سأتطرق الى بعضها ، مع او بالضد.

فالجواهري، وفي "أول مربد" تعرض الى هجوم نقدي شرس من أحد النقاد المشاركين في التعقيب على القراءات في الجلسة النقدية التي تعقد في اليوم التالي، وهو إجراء رائع افتقدناه، للأسف. أردت، في الذكرى الخمسينية للمربد ان اعتذر له عن ذاك الذي حصل، وأنّه الجواهري الذي كان – وسيبقى – المقلق للحكام والسياسيين، وعملاء "المندوب السامي" و "البابا في شركة نفط العراق" مثلما سيبقى القيمة الشعرية الغنية التي ننهل من روحها ومن قاموسها، لذلك حفلت قصيدتي برموز ومسمّيات عراقية خالصة، ولم تحسب حساب الجمهور من الجنسيات العربية الذين هم بعيدون عن هذه الاسماء او الشخصيات.

-    4- من هنا كان رأي الصديق الشاعر والناقد الفاحص الدكتور حسين الكَاصد، الذي قال – بغيرة محبّبة- : ابو الجود .. عندك قصائدك بمستويات عربية وعالمية، ولو استشرتني عما ستقرأ لأشرت عليك بواحدة منها، وكان معه في هذا الرأي الناقد، الذي احترم ذائقته، المبدع علوان السلمان. بالمقابل، كانت هناك آراء مساندة لـ"مقبرة الغرباء" في المقدمة منها رأي "شيخ النقاد العراقيين" الدكتور عبد الرضا علي، الذي كتب لي ع الواتساب (..ومن أولى منك بافتتاح المهرجان؟

أنتَ الشاخص الذي عرفناه، وقلنا: هذا هو المختلف الأسمى كاتب نصوص الأعالي جواد..)  وعلى صعيد الداخل سأكتفي برأيين ، قبالة رأيي الكاصد والسلمان، أوّلهما لـلشاعر، والناقد الحداثوي الدكتور حمد الدوخي، الذي تحدّث وبوضوح : ( اننا نحترم ونتابع القصائد العالمية المترجمة، ونبحث عمّا يرد فيها من معالم او شخوص، أو رموز، ونتذوق جمالياتها المضافة نتيجة بحثنا، فلماذا لا نطلب من الآخرين ان يبذلوا كما نبذل نحن من جهد للوصول الى ما ترمي اليه قصائدنا)؟!! ليختم رأيه – وهذا أمام بعض أدباء المربد، بأن قصيدة الإفتتاح، واحدة من قلائد المربد وأنّ إختيارها موقف لدرجة بعيدة . اما الثاني، فهو شاعر، وناقد ، - ولا ناقد  باعتقادي يعرف القصيدة كما يعرفها الشاعر الناقد- هو الفاتن الدكتور " أحمد الشيخ " الذي شهد مكتبه، أيام ثقافة الاستنساخ، استنساخ العديد من دواويني، خصوصا تلك التي كانت ملغومة بالقصائد المشاكسة. "الشيخ" كتب رأيا بقصيدة الجواهري أنقله بحذافيره، هنا .. ( .. قصيدة وغوص في تفاصيل الجواهري.. يالحذاقة التقاطاتك أبا تبارك، وأنت تخلق من هذه الكلمات تمثالا باذخا لقرن كامل من الشعر تجسد في هيئة شجرة، تقريبا شجرة كما يقول ريتسوس. منذ دهشتي التي لا تفارقني كلما سافرت في صوتك وأنت تفصّل من الصهيل حصانا، ها أنت تمنحني لحظة خالصة من الدهشة.. لحظة لها أول وليس لها آخر. كلمة كلمة، وحرفا حرفا، وسكتة سكتة، عشت هذا النص، كنت أصغي لصوتك الأليف، لمخارج حروفك الأنيقة، لارتباكة روحك في حضرة الشعر.. صدقا، هل كنت حاضرا بين جمهورك وأنت تنشد هذا التاريخ من الجمال؟ ربما لا.. ولكنني كنت جمهورك هنا وأنا أعيد قصيدتك لنفسي..) وإكراما لكل اصدقائي، أعيد قصيدتي لهم منشورة، فهي عن "الجواهري".. سيّد المرابد وفارسها الجموح.

مقبرة الغرباء

.....................

( نص في رثاء الجواهري )

لم اربّ من قبل حماما

لا اشعل  ؛  لا ابيض  ؛  لا اصفر  ؛  لا رماديا

من اجلك  –  انت فقط  –   ذهبت لسوق الغزل

واشتريت مائة طير زاجل

(  بعدد سنواتك يا نَسرَ لُبَد  )

واطلقتها ؛ باتجاه مقبرة الغرباء

..

في عزّ اللزوميات  ؛  تابعت الاخبار انفاسك

قلت لأنفاسي  :   رجل (  منجاف  )

لن تستوعب قامته  ؛  اية مقبرة  ؛  حتى لو كانت  :   مقبرة الغرباء

..

.. لم ندر  ؛  انك كنت تعيّنت (  محافظا  )  فيها

وليس  (  مواطنا  )  بمقبرة النجف  !!

أبعيدا عن (   دجلة الخير  )  تنمو

باصابعك اللا سَلامَ لها     

عواسج الكلمات ؟!!

ذات موت اوّل ..

وضعوا المرآة امام شفتيك

فحفرت انفاسك بزجاجها  :   دجلة .. والفرات

.(  ..  دجلة

والفرات

محفوران  –  الان  –  على قبرك

كاضلاع حصان ميّت  ..  )

يا محافظ مقبرة الغرباء

مقبرتك  :

نشكّ في قدرتها على بُلوغ آخر السِراط

...  فهي تحتاج الى حشد من الفرسان

لتنمية مواردها الشحيحة

:   انت

:   ومصطفى جمال الدين

: وهادي العلوي

:   والبياتي

:   وحسن العلوي ذات يوم، ربّما

لماذا يا ابا فرات

سمّيت الخصوم باسمائهم الشخصية

فلا يمكن حذف اي واحد منهم

برغم افتقارهم للتشويق ؟!!

..

•    المندوب السامي

•    البابا في شركة نفط العراق

•    الملك؛ الوصي؛ رئيس الوزراء

•    رؤساء الجمهوريات  :  الاول  ؛  والثاني  ؛  والثالث  ؛  والالف ...

ألم يهدأ  (  تسافُدُ  )  الاوزان تحت طاقيتك العفيفة   ؟؟

...............

اذن ؛ دعنا

نُركِن (  عمود  ) الشعر

بدائرة (  الآثار  )

لعلّك ترتاحُ ؛ ولو ؛ لموت واحد  !!

كدجلة .. غامض

طبع الفرات  ؛  وضوحه  : سرفُ

ومِثلُهما إبا ..

حتى الجراح كانّها تحفُ

أعرجون كلام

وضعك المشيّعون بسلّة مقبرة الغرباء ..

من دون كتائبَ خيّالة

دون نشي.....ج وطنيّ

نجهش؛ بعده ؛  بالتصفيق !!

الآتون اليك

جاؤا  :

من دون مناديلَ دموعٍ

..  وبقمصان ؛ دون كرفتات حداد   ؟!!

( ..  ذبحتني  ؛   تحت الضلع الايسر

ليلتها بغداد  .. )

لم يسمع ؛  احد ؛ في النجف النعيّ

لكنّ حمام عليّ

لم يهبط   ؛   تلك الليلة  ؛   فوق قباب ابي الحسنين

.. ارتبك الزوّار

وشالوا نعشا فارغ

حتى انسدل الـ..........فجر

ايّها النجفيّ لسابع ظهر

أأخيرا ..

تمكنّا منك

:   فدفناك

من دون رضاك  ؟!! بعيدا  ؛  عن دجى وطني

انا  ؛   والشمس  ؛   نرتجفُ

فهل موتي  :  أودسيوس

وأيثاكا:  هي النجفُ

هوامش :

•    مقبرة الغرباء  –  مقرّ الجواهري الان في دمشق

•    سوق الغزل  –  اشهر سوق لبيع الطيور في العراق

•    ( منجاف )  –  نسبة الى النجف الاشرف مسقط راس الشاعر

•    يا دجلة الخير –  واحدة من اشهر قصائد الجواهري

•    المندوب السامي –  ممثل الاحتلال البريطاني في العراق ابان النصف الاول من القرن العشرين

•    شركة نفط العراق –  مجموعة شركات انجليزية كانت تحتكر النفط العراقي تحت هذه التسمية .

علق هنا