بغداد- العراق اليوم:
أدى النمط الريعي في العراق إلى تخريب التنمية، ونَخَرت آثاره السلبية معظم القطاعات الاقتصادية، والأشكال الصناعية في البلد. وظلت مؤشرات النمو والاستقرار للآفاق الاقتصادية رهينة تذبذبات اسعار النفط في الاسواق العالمية والفواعل الضاغطة والمتحكمة فيها. وقد وقفت تيارات الوفرة النفطية على شكل كوابح بوجه القطاع الصناعي في العراق، حيث جعلت البلد مصدرا للدولار النفطي ومستوردا صافيا لمعظم احتياجاته من السلع والخدمات على حساب تهاوي إسهامة القطاعات الانتاجية كافة، ولاسيما الصناعيّ منها. وبعد عام 2003 ها هو قطّاع الصناعة في العراق يلتقي واقعه المتردي وجها لوجه؛ حيث يدبّ الشلل شبه التام جميع المنشآت الصناعية، للقطاعين الحكومي والخاص، وتضرب جائحة البطالة، جميع محافظات البلاد، حيث باتت الصناعة الوطنية تودّع عهدا من الازدهار والتطور والمواكبة بقدر مقبول لآخر القفزات التكنلوجية المعاصرة.
“اختلالات هيكلية”
هاشم الأطرقجي، رئيس اتحاد الصناعات العراقي السابق تحدث قائلا إنه “بعد 2003 زاد عدد المشاريع المتوقفة من 70 إلى 80 % بسبب أزمة الكهرباء، ومؤشر التوقف مستمر بالتصاعد، وهذه المشاريع تضم 224 معملا، وشركة، ومنشأة صناعية، تعاني من التوقف الشامل”.
وعزا الأطرقجي (وهو رئيس اتحاد الصناعات العراقي منذ 2002 إلى 2008) عوامل التوقف، وتردي واقع الحياة الصناعية في العراق إلى ثلاثة أسباب، هي “أولا: بسبب الطاقة الكهربائية، ثانيا فتح الحدود من قبل الحاكم المدني بول بريمير – وإلى الآن – على مصراعيها أمام البضائع التي تدخل العراق، وثالثا تعليق بريمر ملف تفعيل التعرفة الكمركية رقم 177 لسنة 1955 التي وقع العراق عليها في بروكسل مع (الكاد)، وكانت مستمرة إلى حد 2003، وهذه التعرفة علقها بريمر وبدل ذلك وضع تعرفة مقدارها 5 % تحت تسمية (إعمار العراق) وهي تسري على كل البضائع المستوردة”.
“بؤس البيئة التشريعية”
وبين أن “هذه التعرفة ليست – في الحقيقة – تعرفة كمركية وإنما هي رسم إضافي على التعرفة، لكن الذي عُمِل به أنه تم إلغاء التعرفة الكمركية وتم التمسك بالـ 5 %، وسابقا كان العراق يدفع – ما يسميه الأطرقجي – (ضميمة) بنسبة 10% على الرسم الكمركي، فُعلت في زمن صدام تحت مسمى (المجهود الحربي)، وحين جاء بريمر حركها تحت تسمية (إعمار العراق)، وهي عبارة عن رسم إضافي”، مضيفا أن “الوضع الكمركي استمر على هذا المنوال لحين صدور قانون التعرفة الكمركية رقم 22 لسنة 2010، وبعد صدور القانون أخذ مجلس الوزراء يعرقل تنفيذه، ويمدد به، ومازال هذا القانون إلى الآن غير منفذ بالشكل الصحيح، في حين أن القانون لا يعدل ولا يلغى إلا بقانون لكن مجلس الوزراء فرض نفسه فوق القانون، فمرة يطلب مجلس الوزراء عدم تنفيذ القانون لمدة سنة ثم يؤجله لمدة 6 أشهر، ثم أصدر قرارا بفرض رسوم كمركية على بضائع دون أخرى، وبقيت المسألة شائكة إلى يومنا هذا”.
وشدد الأطرقجي على أنه “يجب أن تكون عملية الاستيراد منظمة وفق قانون، فالعراق عضو منظمة التجارة العالمية ومن مبادئها عدم استيراد بضائع تؤثر على الانتاج الوطني المحلي، لكن في العراق اليوم غير معمول بهذا المبدأ”.
“الدولة تسرق نفسها”
و قال رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية الأردنية خير ابو صعيليك إنها “تشجع تدفق السلع وانسيابية حركة النقل وتبادل الطاقة، متابعا إن “تفعيل قرار مجلس الوزراء العراقيّ المتّخذ عام 2017 القاضي بإعفاء قائمة السلع الأردنية من الرسوم الجمركية هو دليل على الجدية و توفر الارادة السياسية لدى قيادة البلدين”.
وكان رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، قد التقى في وقت سابق نظيره الأردني عمر الرزاز على الحدود العراقية الأردنية، لتنفيذ اتفاق التعاون وافتتاح المنطقة الصناعية المشتركة، في موازاة ذلك علق هاشم الأطرقجي أن “هذه المناطق الصناعية لها آثار سلبية وهي خطوة لتسهيل عدم تشغيل المعامل في العراق، وتعطيل الصناعة العراقية، كما إنها تفتح المجال للدول المجاورة أن تغزو بضائعها الأسواق العراقية وتستمر السوق العراقية كمَنفذ للبضائع لهذه الدول، والمفترض تشغيل الصناعة العراقية، فهناك هناك 192 شركة عراقية متوقفة عن العمل”.
كما ذكر أن “الميزانية الخاصة بوزارة الصناعة والمعادن لا تكفي لتشغيل 10 شركات، وسنويا تنفق الدولة 17 مليار دينار تعطى على شكل رواتب لعمال الشركات العراقية الذين هم بدون عمل وبدون إنتاج، وكلها ديون من بنك الرافدين وبنك الرشيد”.
“حلول حزينة”
وفي سياق العمل بالحلول قدم اتحاد الصناعات العراقي – بحسب الأطرقجي – مبادرة صناعية منذ سنة 2012، قائلا “حتى الآن لاتوجد أي نتيجة رغم أننا اجتمعنا مع هيئة المستشارين برئاسة ثامر الغضبان عشرة اجتماعات، وما زالت هذه المبادرة في رفوف الأمانة العامة لمجلس الوزراء”.
وأوضح أن “المبدأ الذي نريد الوصول إليه هو تحقيق (الاقتصاد الاجتماعي)، وهو مبدأ يمزج بين الربح المادي وتشغيل الأيدي العاملة الوطنية، فالاقتصاد الاجتماعي حاليا هو السائد في كل دول العالم”. وأضاف أنه “بعد 2003 بلغ عدد المشاريع الصناعية المسجلة لدى اتحاد الصناعات العراقي وهي تشمل القطاع الخاص، والمختلط، والتعاوني 54 ألف مشروع، أما المشاريع المسجلة في مديرية التنمية الصناعية – إلى الآن – فهي أكثر من 72 ألف مشروع”. وكل هذه المشاريع تتطلب من الدولة أن تلتفت لها، وتقوم بتشغيلها في سبيل إحياء الصناعة الوطنية والقضاء على البطالة بجميع أشكالها.
*
اضافة التعليق