بغداد- العراق اليوم: الفريق الركن احمد الساعدي
فجأة ودون سابق انذار او ترتيبات عسكرية على الارض اعلن في البيت الابيض ان الرئيس دونالد ترامب اوعز الى قيادة اركان الجيوش الامريكية الاسراع بالانسحاب من الاراضي السورية. كان قرارا مفاجئا وسريعا يعكس مجموعة من المؤشرات الامريكية في الداخل وترتيبات وتسويات امريكية في الخارج اهمها الحوار مع روسيا والبرنامج النووي مع ايران وحماية الامن القومي الاسرائيلي!. لقد دخلت القوات الامريكية الاراضي السورية تحت غطاء مجموعات عسكرية لحماية تشكيل كردي سوري تم انشاؤه ليقوم باداء ما لاتستطيع القوات الامريكية اداءه فوق الاراضي السورية وهي قوات سوريا الديمقراطية !. وقد خصصت واشنطن مبلغ 500مليون دولار لتدريب وتسليح وتمويل هذه القوات اذ خاض هذا التشكيل الكردي الامريكي معارك ضد داعش كان اشرسها المعارك التي جرت في عين العرب/كوباني حيث حقق الاكراد والعرب اول انتصار على داعش وبهذا الانتصار بدأت مؤشرات النزول واضحة في وتيرة العمليات المسلحة ووجود داعش على الارض. وفي العودة السريعة لهذا الانسحاب نؤكد ان الولايات المتحدة الامريكية ادركت الاختلاف الكبير في شروط البقاء والاستمرار بالمهمة العسكرية في العراق ابان اسقاط النظام في 9 نيسان 2003 والاستمرار في المهمة السورية منذ عام 2015 بوجود قويتن وارادتين مهمتين في الاوضاع المضطربة بسوريا هما روسيا وطهران !. كانت الولايات المتحدة تخوض حروبا غير معلنة في سوريا ضد الروس والايرانيين وحزب الله عبر شرق المتوسط وفي المقدمة منع الامدادات العسكرية الواردة الى الحزب من طهران والدعم الروسي عبر قواعده العسكرية السورية في سوريا. الهدف الاساس خلق توازن رعب مع طهران في المتوسط وخلق توازن رعب مماثل مع الروس في اقدم كنائس الشرق الاوسط في سوريا مثلما يخلق هذا التوازن حالة استقرار ستراتيجي في العلاقة مع القوى السياسية والعسكرية الكردية المناوئة للحكومة السورية!. المفاجئة الامريكية الداخلية التي دفعت الرئيس الامريكي الذهاب الى خيار الانسحاب المفاجئ كما يظن مراقبون الضغط السياسي والاعلامي للديمقراطيين ضد ترامب بقراره الاستمرار في الخيار العسكري والبقاء في سوريا .. لابد ان نتذكر ان حملة الديمقراطيين ابان ولاية اوباما الاولى قامت على اساس الانسحاب من العراق ونجح الديمقراطيون في ذلك وسقط رهان الجمهوريين وجاء اوباما ونفذ وعده وانسحب الامريكيون من العراق نهاية عام 2011. من هنا يلح الديمقراطيون على تعبئة انصارهم في الولايات الامريكية ذات النفوذ الجمهوري على الانسحاب من سوريا لاحراج الجمهوريين والرئيس ترامب شعبيا تمهيدا لانتخابات الكونكرس الامريكي وربما يحقق الديمقراطيون فوزا ساحقا على الحزب الجمهوري بذات الشعارات والعناوين والاهداف التي قامت عليها حملة اوباما الرئاسية وهي الانسحاب من سوريا. من هنا يكون قرار الانسحاب من سوريا عبارة عن ترتيبات عاجلة لاعادة تنظيم صفوف الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري وتفتيت عنوان الحملة الديمقراطية ونزع فتيل صاعق تفجير الوجود الجمهوري وتحقيق الاغلبية في مجلس الشيوخ الامريكي!. ونقولها .. اذا نجح الديقراطيون تحجيم النفوذ الجمهوري في الكونكرس والشيوخ بحملة الانسحاب من سوريا سينجحون بالتأكيد الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة بعد سنتين اذا ما اصر ترامب التواجد فوق الاراضي السورية!. الا ان رأي اخر في الحزب الجمهوري يرى غير مايراه الرئيس ترامب وهذا الراي تمثله فئة اقتصادية غالبةيقوم على نظرية ان الاحتياطي النفطي العالمي يقع في سوريا!. راي سياسي اخر يقول ان الولايات المتحدة الامريكية لن تتخلى عن اصدقائها في قوات سوريا الديمقراطية ونحن نشك في ذلك شكا كبيرا والتجربة الامريكية في الحروب المشابهة تدل ان الامريكيين تخلوا عن قوات الكونترا في نيكاراغوا والجيش الحليف لهم في الحرب الامريكية الفيتنامية من اجل اجراء " تسوية " تحقق اهداف العمل العسكري او الخروج من ورطة الحروب العسكرية الطويلة كما جرى الامر في فيتنام والصومال!. ميدانيا.. شكل الانسحاب الامريكي طعنة نجلاء في خاصرة قيادات وقواعد وعناصر قوات سوريا الديمقراطية وتركوا مكشوفين امام خيارات احلاها مر منها اللجوء الى الحكومة السورية وتسليم السلاح او القتال الى جانبها او الذهاب الى روسيا لتقديم دعوة الاحلال محل القوات الامريكية او الذوبان بين المدنين وهو ما ترغب به كخطوة اولى الحكومة والاجهزة الامنية السورية!. هنالك رأي مختلف بدأ يتنفس مع تصاعد عمليات لداعش شرق الفرات ووجود عشرات من العناصر في الصحراء الغربية العراقية وهو مااشرنا له في مقال سابق. قناعتي ان الانسحاب الامريكي يخفي حربا جديدة قد تندلع في المنطقة تستدعي عودة الامريكيين الى الساحة السورية والعراقية لفرض مايسمى الامر الواقع!. اما الامر الواقع فهو تجديد الاتفاقية الاطارية مع بغداد بعد ان اثير جدل في البرلمان العراقي ضرورة التخلي عنها والغائها بسبب سيطرة القوى السياسية الجديدة الرافضة للوجود الامريكي مثل فتح وسائرون والامر الاخر ربما يخفي الانسحاب تفاهمات جوهرية بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة والروس وايران من جهة اخرى. عقلانيا .. لايمكن لواشنطن ان تترك مكانا جوهريا وستراتيجيا قدمت مئات الملايين من الدولارات وانشأت قواعد اشتباك وقواعد وجود في سوريا من اجله من دن ترتيبات وتفاهمات .. لهذا تقول المعلومات ان الرئيس ترامب توصل الى تفاهمات مع الحليفين الروس والايراني بشأن التخلي عن اسقاط الاسد مقابل تخلي طهران عن الاستمرار بتخصيب اليورانيوم وتقليل حدة العداء لاسرائيل والانخراط باستئناف العلاقات المشتركة بما في ذلك اعادة الاموال الايرانية المجمدة في البنوك الامريكية والتفاهم على سلاح حزب الله في الساحة اللبنانية مقابل لجم العداء السعودي وضبط ايقاعه في اليمن ولبنان !. اما العرب فلن يكرروا خطأهم العراقي بالتخلي عن سوريا وهي تعبر الانسحاب الامريكي الى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي حيث اكدت المعلومات التي املكها وجود شركات استثمارية عربية في سوريا تعمل حاليا على وضع خرائط لبناء ابراج عملاقة في دمشق بغية تنشيط الاقتصاد السوري واعادة ادماج سوريا في المنظومة الاقتصادية والتجارية والعمرانية والاستثمارية العربية وصولا الى عودة سوريا عضوا في الجامعة العربية. ان الانسحاب الامريكي وفر القاعدة الواقعية للشروع في ادماج سوريا بالمنظومات التي ذكرناها واندماج العرب في المسألة السورية وما زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير الا خطوة تعقبها خطوات رئاسية لاحقة سيشهدها مطار دمشق في المرحلة المقبلة. بغداد 2018/12/21
*
اضافة التعليق