بغداد- العراق اليوم:
عمود جريدة الصباح حديث الاثنين / ابراهيم العبادي يفتخر الكثير من الساسة بانهم اداروا مهماتهم بنجاح كبير وفي ظروف معقدة ،استحقوا على اثرها القابا كبيرة ومديحا اكبر وذكرا طيبا تحفل به كتب التاريخ والمذكرات . منذ عام 1921 تاسيس المملكة العراقية لغاية اليوم ،ظل العراق ينتظر رجلا حكيما يقود هذه البلاد الى بر الامان ،يحقق تنمية عادلة وينجز نهضة شاملة ،ويترك في ذاكرة العراقيين ذكرى عطرة وسيرة محمودة ،لن ابخس حقوق القليل من الرجال الذين حاولوا جهدهم ادارة بلد صعب القياد بطريقة سلسة وديمقراطية بلا قمع ولاحروب ولاطغيان او استبداد ،لكن حال العراق الراهن ينتظر فعلا مثل هذا الرجل الموهوب القادر على الاقلاع بالبلاد في اجواء الهياج والصراع واليأس والانقسام والبلادة والاحباط. لست داعية الى الزعيم الاوحد والقائد الملهم والمستبد العادل ،انما مناسبة الحديث واشتراطات الوضع السياسي العراقي ،تجعلنا نحلم برئيس للوزراء تتوافق عليه الكتل السياسية وتتعهد بمساندة مشروعه للنهوض بالبلاد ، شخص لايطمح بغير ان يخلده التاريخ العراقي المثقل بالسوداوية والقليل من الصفحات البيضاء ،رئيس وزراء يتعهد باربع سنوات من العمل الشاق الذي يعيد البلاد الى مصاف الدول الاخرى ،قانون يحكم الجميع ،وهيبة للدولة وسلطاتها ،وادارات تسابق الزمن من اجل بلوغ الجودة في عملها وشعب يستهلك ماتنتجه ارضه وتصنعه اياديه ،ودولة غايتها ان تعيش بسلام ووئام بلا محاور ولا استقطابات ولاخضوع ولاابتزاز من الجيران وجيران الجيران . بانتظار ان تسفر المداولات عن اسم المرشح العتيد القادم من الكتلة الاكبر او الاوسط لافرق ، يشكك الكثير من المراقبين بنجاح الحكومة القادمة مالم تحظ بدعم برلماني قوي وفترة هدوء واستقرار امني وسياسي لتتفرغ لمهمتها الاكبر ، تحفيز الاقتصاد وتحريك عجلة الخدمات والاعمار ،وحتى ينجح من يقود هذه الحكومة عليه ان يكون رجل تسويات واقناع بين الاقطاب السياسية والمذهبية والقومية ، ،ورجل يحفظ دروس من سبقوه في النجاح والفشل ، فلايكرر نفس الاخطاء ولاينبغي ان يكون رهينة اطقم استشارية بائسة وحواشي عائلية متنفذة ،ولجان حزبية تلهث وراء مشاريع الاستنفاع . العراقيون يحنون الى الصرامة الادارية والحزم الوظيفي والشجاعة السياسية ،والرؤية المستقبلية الواعدة التي تبشرهم بغد قريب افضل من حالهم الكئيب ،كل هذه المواصفات يتخيلها المواطن العراقي وهو ينتظر اطلالة رئيس الوزراء القادم حاملا اولوياته الحكومية الرئيسة وخطته الواضحة لمعالجة الفساد الذي ينخر الدولة واجهزتها من اقصاها الى اقصاها ، فالدول لاتنهار امام غزو غاشم وعدوان ظالم ولاتنحني امام التهديدات الامنية والازمات المالية والاقتصادية اذا كانت مؤسساتها عاملة بلا فساد ولامحسوبية ،ووزرائها ومدرائها من بين الاكفأ والانزه ،وجنرالاتها وقادة حربها وأستخباراتها وامنها من الذين يقدرون الشرف العسكري ولاتمتد ايديهم الى دينار المناصب ولادرهم الجنود . المهمة اذن شاقة وعسيرة وفرص النجاح فيها محدودة مالم يتعهد الجميع ،سياسيون ومواطنون عاديون ،ومثقفون ورجال دين واعلاميون ،وتكنوقراط وعمال وفلاحون ، على مساندة من يتقدم لشغل هذه الوظيفة الاصعب والاخطر ،لان الغيظ المكبوت ينذر بالكثير من الاخطار والمكاره ،ولحظة العراق الراهنة مفتوحة على كل الاحتمالات مالم تسد عقلانية عالية تدفع عن البلاد مصيرا حالكا . ان هذه المعطيات والاشتراطات تحتم على القوى السياسية ان تفكر كثيرا بالمصلحة العراقية العليا قبل المصالح الشخصية والفئوية والحزبية ، وحنكة وحكمة الساسة امام اختبار كبير يراقبه اربعون مليون عراقي ،في قلب كل واحد منهم آلام وآمال ومطامح ويقارنون انفسهم مع غيرهم بشعور عالي من الحرمان النسبي والاغتراب السياسي ،وكلها مؤشرات خطيرة على السياسيين اخذها بجدية وحذر ودونما استخفاف.
*
اضافة التعليق