بغداد- العراق اليوم: سليم الحسني أنت بريء من سرقة مصرف الزوية، فأفراد الحماية هم من قاموا بذلك، ولا دخل لك فيه. لكن براءتك من هذه الحادثة، تزول أمام نكبات كبيرة ساهمت انت فيها مع الطبقة التي اشتركت في العملية السياسية. وقد كان لك الدور البارز في مفاصلها الحساسة، لقد صنعتَ الأخطاء التي يصعب علاجها، ولا يزال الشعب العراقي يدفع ضريبة ما كتبته بيدك ووقعت عليه بقلمك. كنتَ الرجل الأول في تثبيت المحاصصة في النظام السياسي في العراق. وقد ساندتَ بقوة توجهات القيادات الكردية في توفير مقدمات الانفصال والتي صارت مشكلة مزمنة بين الإقليم والحكومة المركزية. وقفتَ في النقاشات الساخنة حول طريقة اختيار رئيس الدولة التنفيذي، وكانت لك حركتك النشطة والمؤثرة في حرمان المواطن العراقي من إعطاء رأيه بحاكمه، وجعلتَ ذلك خاضعاً للتوافقات الحزبية والفئوية والطائفية. كنتَ انت الداعم الأول لفكرة الالتفاف على الاستحقاق الانتخابي عام ٢٠٠٦، ووضعت السكين على الكيان الشيعي، فحززته بهدوء، ثم جاءت التجارب التالية، لتجعل هذا الكيان يتقسم ويتجزأ على نفس الخط الذي صنعته، حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن. صحيح أنك قدمتَ استقالتك من منصبك كنائب لرئيس الجمهورية، وكذلك من منصبك الوزاري في حكومة العبادي، وهو موقف تشكر عليه. لكن الذي تكشّف بعد ذلك، أنها لم تكن استقالة ندم واعتراف بالمشاركة بالأخطاء الفادحة التي تسببت بها مع شركائك من طبقة الفشل في العملية السياسية. لم تكن استقالة من أجل التصحيح وتشجيع اصحابك على الانسحاب من على صدر الشعب العراقي، فلقد أبقيت على كامل امتيازاتك بما في ذلك مئات الأفراد من أفواج الحماية. لم تكن استقالة، إنما كانت مناورة رجل عرف كيف يستميل القيادات الدينية والسياسية. وأشهد أنك نجحتَ في ذلك أيما نجاح، لقد نلتَ رضاهم، ودفعتهم أن يبادلوك دعماً. الأستاذ عادل عبد المهدي المحترم بعودتك هذه وبالشكل الملتوي والمعقد الذي سارت عليه خطوات العودة، ستكون قد بدأتَ مرحلة جديدة من الخراب السياسي في العراق. وستكرر فيها حضورك المتقدم وريادتك لخراب جديد بعد الذي كان في زمن كتابة الدستور وما تلاه. كنتُ أقرأ مقالاتك، واتابعها وأعجب بقسم من أفكارها، وأقول مع نفسي أن الأستاذ عادل عبد المهدي يعيش مرارة الندم ويستشعر عظمة الفاجعة، ويقدّر حجم الكارثة التي ساهم بصنعها مع أصحابه في العملية السياسية. وكنتُ أقول لقد اختار المكان المناسب والمهمة المناسبة ليعالج ما صنعه، وذلك من خلال الكتابة والتنظير. عندما أعلنتَ أنك ستتوقف عن الكتابة، فأن ذلك يعني أنك شطبتَ على ما كتبت، وأحرقتَ أوراقك المنشورة، فقد قررتَ أن تترك مساحة التنظير وكرسي المثقف، لتعود الى أجواء الصفقات السياسية، وقد كان إعلانك صادقاً، لأنك تعرف أن الأجواء التي ستعود اليها، هي النقيض لأجواء المثقف. ربما ستقف بعد أسابيع في الواجهة، على أعلى المنصات، وفي مقدمة الصفوف، هكذا سيعرض التلفزيون المشهد، لكنك تعرف جيداً أن ما تعرضه شاشة التلفزيون هو من زاوية معكوسة، وأن العدسة الصادقة مخفية عن عيون الشعب، ولو قدر لهذه العدسة أن تعرض مشاهدها، لظهر وقوفك في الخلف، خلف اشخاص الكتل والكيانات، تسمع منهم التعليمات وتضطر الى إقرارها وإمضائها وتنفيذها. ستؤدي القسم الدستوري بالله العظيم ويدك على القرآن الكريم، ستردده بلسانك فيما يحنث به قلبك، وانت تعلم ذلك، وتجربتك أثبتت ذلك، فهذا قسم كاذب، وأن القسم الصادق هو في الغرف المغلقة وعبر الاتصالات السرية، حين يأمرك هذا ويطلب منك ذاك ويوجهك ثالث ويلومك رابع، وعليك ان تستجيب. بعد أشهر وربما سنوات قليلة، ستعود للكتابة، لكنك لن تستطيع أن تكتب سطراً واحداً، لأنك ستجد أن الحروف التي تكتبها مقلوبة. بعد أشهر وربما سنوات قليلة، ستحاول أن تنشر، لكنك ستتوقف سريعاً، فليس هناك من يقرأ مقالاً بقلم: عادل عبد المهدي. ٢٨ أيلول ٢٠١٨
*
اضافة التعليق