بغداد- العراق اليوم:
يلعب طيران الجيش دورًا كبيرًا بحسم المعارك من خلال ضرب أهداف العدو، وتأمين طرق الإمداد وإيصال المؤون للمناطق الوعرة أو المحاصرة. لكن دور هذا السلاح الفعال بالحرب ضد عصابات داعش جعله سلاحًا استراتيجيًا أكبر بكثير مما يدرس بالكليات العسكرية. حيث كان لهذا السلاح اليد العليا بحسم المعارك من خلال الاستطلاع الدقيق، والتحقق من الأهداف المموهة وتدميرها وقطع خطوط إمداد العدو. إضافة إلى إيصال مواد الإغاثة للقرى المحاصرة. التقت مجلة يونيباث مع الفريق أول الركن حامد المالكي، قائد سلاح طيران الجيش العراقي، حيث يشرف بنفسه على سير العمليات القتالية ويتأكد من عودة جميع الطائرات وسلامة الطيارين على مدار الساعة.
ما هو دور طيران الجيش بالحرب ضد داعش؟
الفريق حامد: في البداية أود الأشارة إلى أن عقيدة طيران الجيش هي تقديم الدعم القريب للقطعات في المعارك التقليدية، حيث تكون خطوط المواجهه معروفة، والموضع الدفاعي محدد ضمن الخرائط. في هذه الحاله يقوم طيران الجيش بضرب أهداف العدو في أرض المعركة ويُجبر العدو على الإنسحاب. لكن لا توجد نصوص ودراسات دقيقة عن تكتيكات الطيران العمودي في حرب العصابات والمناطق الآهلة بالسكان. إضافة إلى أن قواتنا تقاتل عدو لديه القابلية على التغير السريع ويختبئ بين السكان ويتخفى بملابس المدنيين. هذا العدو الإرهابي لا يملك أخلاق المقاتلين ولا يكترث لحياة الأبرياء، يفجر المنازل على ساكينها من أجل أن يتهم القوات العراقية بالجريمة. يسفك دماء الأبرياء فقط ليزرع الرعب في قلوب السكان. لكن برغم ذلك كان دور طيران الجيش أساسي وفعال ولا تستغني عنه القطعات العسكرية في كل قواطع العمليات. لدينا طلعات جوية لاتقل عن 70 طلعة يوميًا. ومعدل الأهداف المدمرة للعدو تصل إلى 13 هدف يوميًا. فصقور طيران الجيش يحلقون فوق أرض المعركة وتدمير أهداف العدو وتقديم الدعم المباشر لقواتنا المتقدمة. فأزيز محركات الطائرة العمودية فوق مواقع جنودنا يزيد من معنويات المقاتلين ويجعلهم أكثر ثباتًا في الميدان.
هل لديكم ارقام عن طلعات طيران الجيش؟
الفريق حامد: بالنسبة لعام 2015، بلغت طلعات طيران الجيش حوالي 13670 طلعه بين طلعات قتالية أو نقل او دعم، تم خلال هذه العمليات قتل حوالي 11000 إرهابي، وتدمير حوالي 1450 عجلة وصهريج مفخخ ورشاشات ثقيلة وحوالي 180 مدرعة وتدمير 80 منزل مفخخ.. حيث يتم فحص وتدقيق أهدافنا من خلال الاستخبارات العسكرية والاستطلاع ويتم تأكيدها من خلال رجال العشائر على الأرض لمحاولة تجنب وقوع أضرار عارضة بين المدنيين.
كقائد لهذا السلاح الاستراتيجي، ماهي خططك لبناءه وتطويره؟
الفريق حامد: لقد بدأنا ببناء وتطوير سلاح طيران الجيش منذ 2010، حيث تم تشكيله وفصله عن سلاح القوة الجوية، كان لدينا عدد بسيط من الطائرات مثل أم آي 17 ويوروكوبتر بعدها وصلتنا بيل 407 كما خططنا لإقتناء طائرات حديثة. كان طموحنا الحصول على الطائرة الأمريكية المقاتلة أباتشي لكن للأسف كانت هناك معوقات للحصول على هذه الطائرة المتقدمة آنذاك، واستمرت المفاوضات التي وصلت إلى مراحل متقدمة في عام 2014 ولكن نتيجة للوضع الاقتصادي العالمي الراهن وارتفاع سعر المروحية الأباتشي، قمنا بتعليق المفاوضات، وقررنا اقتناء الطائرة الروسية المقاتلة أم آي 28 و أم آي 35. كذلك الحصول على الطائرات المسيرة الصينية التي غيرت مفاهيم المعركة حيث وصلت إلى 250 كيلو في عمق العدو. خططنا هي اقتناء طائرات حديثة متنوعة المنشأ وذات تقنية عالية بتدمير الأهداف واقتناء صواريخ موجهه بالليزر وبمدى مؤثر لضرب الأهداف البعيدة في خطوط العدو الخلفية ولها القابلية على الطيران في الليل والنهار.
ماهي التحديات التي تواجه هذه الخطط؟
الفريق حامد: تحديات كثيرة، أولها الميزانية الإقتصادية، وثانيًا سوء فهم استخدام الطائرات العمودية المقاتلة من قبل القوات البرية، كذلك المقاومات االأرضية التي يمتلكها العدو تمثل تحدي كبير أمام طائراتنا، بالإضافة تمترس داعش داخل المدن واستخدام الأبرياء كدروع بشرية جعل اصطياد أهداف الطائرات العموية صعب جدًا. لذلك نتفادى تدمير الكثير من أهداف داعش المهمه حفاظاً على سلامة أرواح المدنيين. إضافة إلى معضلة تداخل خطوط التماس، ليس هناك خط أو جبهة معلومة لدى الجميع مما تجعل مهمة الطيار بتحديد الأهداف شبه مستحيلة. إذ تجد قرية ما في عرض الصحراء يقع نصفها بيد العدو، والنصف الثاني بيد القوات العراقية. كذلك التغيير المفاجئ للعدو لكونه عصابات صغيرة تتخذ المدنيين دروعًا بشرية.
ما هو الفرق بين طيران الجيش والقوة الجوية؟
الفريق حامد: الفرق بين الصنفين هو أن طيران الجيش يملك الطائرات العمودية، بينما القوة الجوية تملك الطائرات المقاتلة ذات الأجنحة الثابتة. مهمة القوة الجوية هي ضرب الأهداف البعيدة في عمق العدو ولديها القدرة للوصول لأهدافها بسرعة فائقة، حيث أن طائرات الأف 16 تصل إلى 1600 كيلومتر في الساعة وتضرب اهدافها من ارتفاعات شاهقة قد تصل إلى 40 ألف قدم، لكن الأف 16 لاتستطيع إسناد القوات المدافعة أو المهاجمة بنفس القدرة التي تقوم بها الطائرة العمودية التي تصطاد أهدافها بدقة وبتكلفة أقل بكثير من الأف 16. فطيران الجيش يملك القدرة المتفوقة بمسح أرض المعركة ورصد وتدمير دفاعات العدو في مسرح العمليات، مما يعطي للقوات البرية التفوق الكبير على العدو. بالإضافة إلى قدرة طيران الجيش على نقل القوات والذخيرة للخطوط الأمامية أو للمناطق المحاصرة. نحن نكمل بعضنا ولدينا تنسيق على مستوى عالي مع القوة الجوية.
كيف يتم اختيار الطيارين وماهي الدورات التي يخضعون لها؟
الفريق حامد: يتم اختيار الطيارين من المتفوقين من خريجي الإعدادية ومن بين طلاب الكلية العسكرية. يخضعون إلى فحص طبي وبدني دقيق، ومن ثم يكملون دراسة البكالوريوس للعلوم العسكرية. بعدها يدخلون كلية طيران الجيش التي تم تأسيسها في عام 2010، التي يديرها مدربون عراقيون أكفاء حيث تعتبر كلية طيران الجيش العراقية من أفضل الكليات الموجودة في المنطقة والعالم. في السنة الأولى يدرسون دراسة نظرية ويتعلمون أسس الطيران، وفي السنة الثانية يباشرون بالتدريب العملي والطيران على طائرات التدريب الخفيفة ثم للطائرات المتوسطة، بعدها نبدأ بتقسيمهم إلى طائرات تخصصية ليبدأوا دراسة مفصلة على نوع الطائرة التي يتخصصون بها لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات.
هل أنتم راضون عن معداتكم أم تودون أن تحصلوا على تقنية أكثر تطورًا؟
الفريق حامد: لو ترك لي الخيار لبنيت طيرانًا يوازي قدرات طيران الجيش الأمريكي وسلاح الجو للدول الأخرى الحديثة. لكن هذا ما استطعنا الوصول إليه بعد معوقات كثيرة ومعاناة كبيرة، فما حققناه إلى الآن لا يلبي طموحاتنا، ولكنه جيد بشكل كاف لتلبية متطلبات المعركة. اليوم طيران الجيش يمثل قوة ضاربة في المعركة لايمكن الاستغناء عنها. في كل يوم تجد طيران الجيش يجوب ساحة المعركة، في العواصف الترابية وفي الليل والنهار. احيانا هناك هجمات كبيرة للعدو يستطيع طيران الجيش من صدها، لدينا قتال فردي بيننا وبين عصابات داعش في أماكن عديدة وأحيانا في عمق الصحراء وخلف العدو، لدينا عمليات نوعية في ضواحي الموصل وأحيانا تصل إلى الحدود السورية. أما عن مستوى الطموح، فأعتقد مازالت دون مستوى طموحي. فطموحي هو امتلاك طائرات متطورة ومتفوقة مثل طائرات الأباتشي وطائرة النقل بلاك هوك وطائرة الأم دي. اليوم القدرة القتالية ليست في هيكل الطائرة، بل في ثلاثة أشياء رئيسية هي: الصاروخ والمسددة والكاميرا. هذه الأشياء هي التي تحدد فاعلية وقدرة الطائرة ودرجة تقدمها التكتيكي.
هل قام طيران الجيش بأيصال المؤن ومواد الأغاثة للمناطق المحاصرة؟
الفريق حامد: نعم هذا أحد الواجبات الرئيسية المناطة بطيران الجيش. حيث تقطعت الطرق بسبب الهجمات الإرهابية ولم تعد هناك أي وسيلة للوصول لتلك المناطق سوى طيران الجيش. في كثير من الأحيان يقوم طيارينا بمهمات خطرة جدًا بإيصال المواد الغذائية إلى مناطق قريبة من خطوط المواجهه وفي مرمى أسلحة العدو، لكنهم يعرفون أهمية إيصال الماء والغذاء وإنقاذ حياة المواطنين. لذلك كنت أرسل طائرات عمودية قتالية لحماية طائرات النقل حيث تشتبك الطائرات المقاتلة مع العدو لتفسح المجال أمام طائرات النقل من إنزال الشحنات للمناطق المحددة. لقد نفذنا عمليات كثيرة مماثلة في سنجار وآمرلي وأطراف بيجي والثرثار وعامرية الفلوجة وحديثة والبغدادي وفي جرف الصخر. ولولا هذه المهمات البطلة، لهلك الكثير من المواطنين.
ماذا تعني لك الشراكة الدولية في الحرب ضد داعش؟
الفريق حامد: لقد بدأنا نلمس ثمار الشراكة الدولية حيث عملنا كفريق لتقسيم عبء العمل، حيث قسمنا الأهداف بين طيران الجيش والقوة الجوية وطيران التحالف. وهذه الشراكة ساعدتنا على تدمير ما يقرب من 60 في المائة من قوة العدو. فقوات التحالف تملك تقنيات عالية كان لها دور كبير بضرب أهداف العدو الحيوية. ولدينا تنسيق مباشر مع القوات الصديقة عن طريق قيادة القوات المشتركة حيث يتواجد شراكئنا في عدة مناطق، وهم جزء أساسي في الحرب ضد داعش ولايمكن الإستغناء عنهم. فتنظيم داعش هو العدو ليس فقط للعراق ولكن للبشرية جميعًا. فهؤلاء الإرهابيون أظهروا عدوانهم بالفعل ضد العديد من الدول وينتشرون في جميع أنحاء العالم سواء كخلايا نائمة وممولين ومجندين ومروجين. ويجب أن يتحد العالم معًا لمحاربة أنشطتهم حيثما وجدوا؛ وإلا فلن يتوقف الإرهاب.
لديك نصيحة للجيل الجديد من الضباط الشباب؟
الفريق حامد: أنا فخور جدًا بأبنائنا الضباط الشباب الذين أثبتوا بطولاتهم وإيمانهم بوحدة العراق والدفاع عنه. فقد كانت لهم صولات شجاعة في ساحة المعركة بتدمير أهداف العدو وإسناد القطعات البرية أثناء تقدمها لتحرير المدن. لقد أصبح طيارو الجيش مثالًا لبقية ضباط الجيش العراقي بشجاعتهم وتفانيهم بأداء الواجب. إنهم يعرِّضون حياتهم للخطر يوميًا، سواء بتوصيل المساعدات الضرورية بالطيران أو بتدمير أهداف داعش. لقد ضرب طيارونا مثالا لباقي الضباط العسكريين العراقيين بشجاعتهم وإخلاصهم. إنني أريدهم أن يشرفوا علم أمتنا من خلال الترفع عن الطائفية ومعاملة جميع العراقيين باحترام وكرامة. لقد تأسس الجيش العراقي على أساس الإخلاص للوطن والذي لعبت فيها جميع الفصائل العراقية دورًا مهمًا في جعل جيشها جيشًا رائعًا. ويجب علينا أن نواصل المهمة بحيث تشمل جميع العراقيين. إن المدنيين في منطقة الحرب هم شعبكم – فافعلوا ما بوسعكم لحمايتهم وتقديم المساعدات الضرورية لهم. وعندما تتمثل مهمتكم في إخلاء المدنيين من ساحات المعركة إلى مناطق آمنة، فتعاملوا معهم باحترام واجعلوهم يشعرون بالفخر بكم والراحة معكم. فهم عيونكم وآذانكم؛ وبدونهم لا يمكنكم تدمير موارد العدو الحيوية بنجاح. أنا اقف لكم بأجلال، فأنتم تجعلونني – أنا وجميع العراقيين – فخورين.
العراق اليوم يعيد نشر هذا الحوار الذي اجري مع قائد القوة الجوية من قبل مجلة عسكرية امريكية متخصصة.