بغداد- العراق اليوم: مهاجمًا على الدوام الى الساعة العاشرة من صباح يوم أمس، هكذا انتهت رحلة حياة كاظم عبود، الاسطورة الكروية والنضالية التي دفعتها سنوات الجور والظلم والطغيان من المستطيل الاخضر الى سفاح جبال كردستان العراق القاسية التضاريس، حاملاً بندقيته، مسدداً ضرباته القاصمة لمرمى الديكاتتورية الصدامية. كاظم عبود لاعب المنتخبات العراقية المختلفة، وصاحب الهدف الشهير في مرمى المنتخب البولندي في ملعب الشعب الدولي، رحل بعيدًا عن دياره وعن المستطيل الاخضر في بودابيست عاصمة هنغاريا التي اختارها لينهي حلماً كروياً عراقياً لم تسمح له الايام ليكتمل. انه كوكب مر مسرعًا، لكن ضوئه بقي، وسيبقى ماثلاً على الدوام، فمثل هذه الكواكب لن تنطفئ مهما مر زمن على مرورها. قصة هذا اللاعب تحكي قصة جيل عراقي كامل، كانت مرحلة الستينيات والسبعينيات اوج عطائه وانطلاقته في وقت كان العراق يتهيأ لدخول نادي الامم المتحضرة، لو لا ان قفزت عصابة التكارتة البربرية، فحولت الاحلام الى كوابيس، ودفعت اجيال متعددة، اعمارها ثمنًا لازالة هذا الكابوس الذي جثم على الصدور . نعم، انه كاظم عبود القادم بقوة وبمهارات حباه الله بها، قل نظيرها، وبثقافة موسوعية وادراك ووعي قل ان تجد له نظيراً في وسطه الرياضي، كاظم (أبو جواد) الذي كانت تحيطه اعين الحاسدين والغابطين، وبينهما عيون الخائفين عليه، والذي كان ثمرة ناضجة من ثمار اليسار العراقي المزدحم بكل ما هو اصيل ومفيد. كان قد بدأ مشواره الكروي في الفرق الشعبية البغدادية، ثم مضى متنقلاً بين الاندية وصولاً الى نادي البريد الذي قفز به هو ورعيل اول من اللاعبين الى صفوف الدوري الممتاز ليتشرف فيما بعدان يحمل شارة منتخب العراق، ويمثل تطلعات جماهيره الرياضية ذات الامتدادات الكبيرة. لقد امتاز كاظم عبود عن اقرانه بقدرة فائقة في الاداء، واستثمار حقيقي لمواهبه، لكن الظروف لم تسمح لأن تكتمل مسيرته الكروية، بعد أن امسك البعث الفاشي بزمام الامور في العراق. ففضل كاظم ان يبتعد بعدما حاصرته السلطة الدكاتورية، وأجبرته على خلع فانيلة الاندية والمنتخب، بسب نشاطه السياسي المعلن والمكثف، لاسيما في اتحاد الشبيبة الديمقراطي، ليرحل من هناك نحو كردستان ملتحقاً بحركة الانصار المسلحة التي واجهت الدكاتورية، واضطر وهو اللاعب المرهف على ان يصبر على وجع اعدام ثلاثة من اشقائه، اضافة الى اعدام ولده الذي لم يكمل عامه الخامس عشر، في سبيل هذه الرسالة السامية دون ان تؤثر فيه الضربة، فيغير موقعه من الهجوم الى الدفاع، او يغادر حلبة المواجهة ابداً، لقد كان (أبو وصال) ذلك الرجل الصامد المناضل الذي الهبته سنوات الجور، فجعلته كتلة نشاط سياسي وثقافي ورياضي في مجابهة عسف الدكتاتورية. وحين انتهت الدكاتورية لم تنته معاناة كاظم عبود الذي قوبل بجفاء ونكران لنضاله وتضحياته العظيمة تجاه وطنه حتى وهو في أشد حالات مرضه العضال، ليرحل مرةً اخرى بصمت النخيل الشامخة، والتي رغم كل الفؤوس الصديقة والعدوة ظلت تواجه الالم بسقوطها واقفة. تحية لروح كاظم عبود، المناضل الوطني، والرياضي المبدع، والانسان الحر قبل كل شيء وقبل كل عنوان.
الراحل كاظم عبود
كاظم عبود يرحل بصمت غريباً وحزيناً
*
اضافة التعليق