بغداد- العراق اليوم:
لم تمضِ سوى ساعات على انتهاء العملية الانتخابية في البلاد، ولم تظهر النتائج المؤكدة، ولم يجرِ تقييم عملي لكامل اداء التجربة الانتخابية، حتى سارع عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة، اللائحة التي تذيلت نتائج محافظات بغداد والوسط والجنوب، والأضعف من حيث التصويت وكثافة المؤيدين، الى النجف للقاء زعيم التيار الصدري الذي بدوره يدعم تحالف (سائرون للاصلاح)، الذي تصدر النتائج فعلياً بعد اداء انتخابي مثير للدهشة والاعجاب، ولائحة انتخابية ضمت عناصر وطنية وشخصيات لامعة في التاريخ السياسي لاسيما شخصيات اليسار العراقي. زيارة الحكيم المفاجئة والسريعة، حسبها البعض للتهنئة فقط، فيما قرأها البعض على أنها رسالة تحالف منه مع سائرون تحت أي ظرف، لكن المعلومات المتوافرة فيما بعد أكدت أن الزيارة لم تكن لهذا ولا ذلك، أنما كانت لاغراض أخرى. وأوضحت هذه المصادر أن " الحكيم عرض بالفعل تحالفاً مع الصدر بضمان بعض الامتيازات له ولكتله، وأن الصدر استمع من الحكيم لعروض مبكرة للغاية، ومنها آلية توزيع الحصص في الحكومة وغيرها من العروض". واشارت المصادر الى أن " الحكيم صرح أو لمح لا فرق الى رغبة تياره بالاحتفاظ بوزارة النفط التي يتحكم بها منذ اربعة اعوام على اقل تقدير، عبر رجاله الذي زرعهم فيها". والمحت المصادر الى رفض صدري قاطع لهذه المطالب، حيث اكد الصدر في مؤتمر صحفي بعد ذلك على ضرورة اخلاء الوزرات من الوزراء الحزبيين لصالح حكومة تكنوقراطية حقيقية تخدم المواطن، و لاتقدم أي مصالح ذاتية على مصلحة الشعب العراقي. فيما رأى مراقبون أن " الحكيم بدأ رحلة مكوكية للحفاظ على وزارة النفط بالدرجة الاساس، لانها الدجاجة التي تبيض ذهباً له ولتياره، من خلال سيطرة بعض رجال الحكمة هناك، ومنهم احمد الفتلاوي وحيدر الحلفي اللذان يديران الوزارة عملياً من خلال السيطرة على كل مفاصلها الادارية والمالية". ولفتت الى أن " هذا السعي لا ينبع الا من رغبة في ابقاء وضع الوزارات تابعة للاحزاب والهيئات الاقتصادية التي تتحكم فيها، وهو ذات الامر الذي اشار اليه الصدر لاحقاً في تغريدة له حين أشار الى انه يرفض تحويل وزارات الدولة الى ملك لاحزاب وجهات وهيئات اقتصادية في اشارة واضحة الى ما دار البحث عنه. فيما قارن مراقبون أخرون بين لهفة الحكيم وسعيه المحموم لضمان بقائه في دائرة السلطة والاموال واستباقه حتى نتائج الانتخابات، وسعيه باتجاه الصدر الذي تحول من صانع للملوك الى ملك الآن، كي يبقى الى جانب أي عملية تفاوضية تبقيه مع الوزارات التي يحقق منها منافع مالية واقتصادية كبيرة، وبين موقف العبادي رئيس الوزراء والفائز الثالث في هذه الانتخابات، والذي يمتلك كتلة نيابية وازنة، حيث ظل الرجل مرابطًا، متريثاً، محتفظاً بكياسته، متمتعاً ببرودة اعصاب حقيقية، مفضلاً أن يرى ما تفضي اليه الامور دون التورط بحراك سياسي غير ناضج. ففيما سعى الحكيم بذاته الى التودد الى الصدر والتقرب منه، ومحاولة كسب رضاه في منح الحكمة ما تريد فضل العبادي ان ينتظر ما ستؤول اليه الأمور وتنجلي، وهو الأمر الذي دفع الصدر ذاته الى السعي باتجاه العبادي واللقاء به وعرض التحالف عليه بشكل رسمي، مع ضمان ما يريد العبادي وكتلة النصر- وهو ولاية ثانية لإستكمال مشروع الدولة الذي بدأه العبادي قبل اربع سنوات، وأنجز منه ما أنجز. نحن لسنا هنا بتقييم تجربة العبادي في الحكم، فلهذه التجربة من ايجابيات وسلبيات ما لأي تجربة حكم مماثلة، لكننا فقد اردنا ان نعرض الفرق بين لهاث الحكيم على كعكة السلطة والوزارات الدسمة، وتأني العبادي، بما يضمن له إحتراماً وتقديراً كافيين لأن يحملا الصدر على مغادرة الحنانة والمجيء الى بغداد، واللقاء مع العبادي بعد منتصف الليل، ليعرض عليه قبول منصب رئيس الوزراء .. فشتان ما بين الموقفين، موقف من يبحث عن امتيازات خاصة وذاتية، وموقف من يبحث عن رؤية واضحة للأمور ليضع خطاه في المكان الصحيح، ويرى ما يجب ان يرى في سبيل تغليب مصالح الشعب على المصالح الذاتية الضيقة.
*
اضافة التعليق