بغداد- العراق اليوم: نشر مركز "المستقبل" الامريكي للابحاث والدراسات المتقدمة، تقريرا تحدث فيه عن تصاعد دور القبيلة في الانتخابات العراقية المقبلة المقرر اجراؤها في 12 ايار المقبل. وقال المركز، في تقريره، إن "المنافسة المحتدمة التي تسبق الانتخابات التشريعية المرتقبة في مايو 2018، كشفت عن هيمنة القبائل على العملية السياسية، وصعودها بقوة كفاعل مؤثر في التوازنات السياسية، إذ قامت القبائل بأدوار حشد الناخبين، وتنظيم وتمويل الدعاية الانتخابية، وقيادة حملات الترويج للمرشحين، وتشكيل القوائم الانتخابية، واختيار مرشحين من بين صفوفها، بالإضافة إلى فض النزاعات التي تنشب بين المرشحين، وهو ما يُعد مؤشرًا على صدارة الانتماءات الأولية والولاءات الفرعية في الانتخابات التشريعية المقبلة". واضاف: "ويتكون المجتمع العراقي من عدد كبير من القبائل والتي تنقسم إلى عدة عشائر، وعددٍ من الأفخاذ، ولكل قبيلة قيادة هرمية تتكون من شيخ بمثابة الرئيس أو الزعيم، ويأتي في مستوى أدنى منه شيخ العشيرة، ومن ثم رؤساء الأفخاذ والبطون، ويمكن وصف القبيلة بأنها كيان اجتماعي يقوم على أساس رابطة الدم ووحدة النسب بين أفراده، ولها قيم وأعراف تُعد بمثابة القوانين لتنظيم شئون أفراد القبيلة فيما بينهم، وتحدد شكل العلاقة بينها وبين القبائل الأخرى، كما يشترك أفرادها في التاريخ والثقافة واللهجة والتقاليد المشتركة التي تشكل عنصر تماسك لهم". وتابع المركز في تقريره: "وتتمتع القبائل في العراق بوضع استثنائي؛ إذ تتوزع انتماءات القبيلة الواحدة -في بعض الأحيان- بين أكثر من قومية، وهو ما يرجع إلى الأوضاع السياسية المتقلبة التي مرت بها الدولة العراقية في مراحلها المختلفة، والتعايش الذي حدث بين القبائل والأفراد من قوميات مختلفة فحدث الاندماج دون اختفاء الهوية القومية لهؤلاء الأفراد، ومن الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لم تقتصر على القبائل العربية فحسب، بل امتدت إلى الأكراد والتركمان". واستدرك: "كما لم يقتصر وجود القبائل على البوادي والأرياف فحسب، بل امتد إلى المدن أيضًا، وهو ما حدث نتيجة تصاعد حركة الهجرة من الريف والبادية إلى المدينة بحثًا عن فرص عمل، وبصفة خاصة خلال العقود الماضية التي شهدت البلاد فيها أوضاعًا سياسية واقتصادية واجتماعية مضطربة. وقد أدت هذه الهجرات إلى انتقال التقاليد والأعراف والامتدادات القبلية والعشائرية مع السكان الجدد". وفي هذا السياق، يوضح المركز الامريكي، ان "دور وتأثير القبائل في العراق تنامى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتصاعد الصراعات الداخلية، حيث تحولت القبيلة إلى كيان سياسي وإداري يحمي حقوق أفراده ويحقق لهم المكاسب، وظهر ما يُسمى بالمشيخات العشائرية والقبلية، وأصبحت الانتماءات الأولية هي المسيطرة على جزء كبير من المشهد السياسي. وصحيح أن دور القبائل في العراق لم يختفِ منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921، إلا أن دورها ودرجة تأثيرها اختلفت من مرحلة لأخرى وفقًا للتطورات والظروف السياسية التي تمر بها بغداد. وتمارس القبيلة في الوقت الحالي عددًا من الأدوار السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والقضائية، إلا أنه سيتم الاهتمام هنا بتأثير القبيلة على العملية الانتخابية". مؤشرات تصاعد دور القبائل ويقول مركز "المستقبل" في تقريه، أن "الأحزاب والقوى السياسية تحاول التأثير في العملية السياسية والمسار الديمقراطي الذي نشأ بعد عام 2003 بالاعتماد على القبائل، وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى مؤشرات تصاعد دور القبائل في التأثير على العملية الانتخابية وذلك فيما يلي: 1- حشد أصوات الناخبين: حيث تقوم القبائل بحشد أصوات المؤيدين من أبنائها وأنصارها لصالح مرشح بعينه أو قوى سياسية معينة، وهو ما دفع الأحزاب السياسية إلى أن تُنشئ في مقار مكاتبها بالأرياف أقسامًا خاصة للعشائر، وبهذه الطريقة يحصل مرشحو الأحزاب على الأصوات من خلال علاقتهم بالقبائل والعشائر وجذورهم وانتماءاتهم القبلية، كما يحاولون الاستفادة من النفوذ العشائري في مدن العراق الكبرى مثل بغداد والموصل والبصرة وغيرها، ولا يختلف الأمر بالنسبة للأحزاب والحركات السياسية في إقليم كردستان، إذ تحاول هي الأخرى الاستفادة من إمكانات القبائل في كسب الأصوات الانتخابية على الصعيدين المحلي والدولي. ويضيف المركز: "وفي إطار الاستعداد للانتخابات، تُقام العديد من المؤتمرات التي يسعى المرشحون للظهور فيها بجوار زعماء القبائل بغية الحصول على تأييد قبائلهم، وتراعي هذه المؤتمرات كافة التقاليد والأعراف القبلية، فمثلًا قد يرتدي المرشح الملابس الخاصة بالمنطقة أو القبيلة، ويقوم بإعلان ولائه لها، والحرص على تمجيد دورها وتاريخها، والتعهد بالدفاع عن مصالحها. وتم استخدام اسم القبائل والعشائر في الدعاية الانتخابية للعديد من المرشحين، حيث حملت بعض لافتات المرشحين شعار أنه الممثل الشرعي الوحيد لقبيلة معينة، كما قامت بعض القبائل بإعلان تأييدها لمرشح معين". 2- تشكيل القوائم الانتخابية: رأت بعض القبائل والعشائر أنها تمتلك طاقات وكفاءات علمية وشخصيات اجتماعية لها أهمية وثقل في المجتمع، وبإمكانها القيام بدور فاعل في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما دفعها إلى الاتفاق مع عدد من أفرادها على الدخول في القوائم الانتخابية والسيطرة عليها، وفي هذا الإطار، ظهرت بعض القوائم الانتخابية وهي تضم عددًا كبيرًا من المرشحين من قبيلة بعينها، فعلى سبيل المثال، قام "حزب بيارق الخير" الذي يتزعمه وزير الدفاع السابق "عبدالقادر العبيدي" بإطلاق قائمته التي ترشح فيها الكثير من أبناء قبيلة العبيدي في عدد من المحافظات. 3- إعلان قوائم مرشحي القبائل: لم تكتفِ القبائل بدفع مرشحيها للسيطرة على القوائم الانتخابية الخاصة بالأحزاب، بل قامت بإعداد قوائم انتخابية خاصة بها، وهو الأمر الذي سبق وأن حدث في الانتخابات المحلية لعام 2013، حيث أعلنت بعض القبائل في المحافظات الجنوبية والوسطى عن تشكيل كتل وقوائم انتخابية بأسمائها، مثل "تجمع الفرات الأوسط" بالنسبة لعشائر الفرات الأوسط، و"كتلة مجلس شيوخ عشائر الجنوب" بالنسبة لعشائر الجنوب. ويردف المركز الامريكي قائلا: "وقد اعتمدت بعض القبائل على آليات ديمقراطية في اختيار ممثليها لخوض الانتخابات، حيث يتقدم الراغب في الترشح باسمه لشيوخ ووجهاء القبيلة، ويتم تنظيم انتخابات داخلية لأبناء القبيلة يتم من خلالها اختيار المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات الرسمية، ومن ثم يتم اعتبار الفائزين المرشحين الرسميين للقبيلة، وبالتالي يمكنه حصد أغلب أصوات قبيلته، ويرى بعض المحللين أن نتائج الانتخابات الداخلية يمكن أن تكون مؤشرًا على مقدار الأصوات التي قد يحصل عليها المرشح في الانتخابات الرسمية، بيد أنها قد لا تُعد مؤشرًا كافيًا، فقد لا يمتثل المرشحون الخاسرون لقرار القبيلة القاضي بعدم خوضهم الانتخابات، وهو ما سيُفتت الأصوات، كما أن الانتخابات الداخلية تقتصر المشاركة فيها على الرجال دون النساء". 4- فض النزاعات بين المرشحين: تحمي القبيلة مرشحيها، وتتدخل لفض النزاعات التي قد تنشب بين المرشحين أثناء المناظرات التليفزيونية أو غير ذلك من الخلافات، كما تتدخل في حال تعرض المرشح المدعوم من قبلها لما يمكن اعتباره إهانة من قبل أي شخص. فعلى سبيل المثال، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقطع فيديو لشاب يقف بجوار لافتة لإحدى المرشحات في انتخابات مجلس النواب المقبلة ووصفها بأنها "جميلة"، وقام بتقبيل الصورة وهو الأمر الذي اعتبرته القبيلة إهانة لابنتهم، وقامت بالتعرف على الشاب، وفرضت غرامة مالية عليه كنوع من العقوبة على تصرفه. 5- توظيف التواصل الاجتماعي: تقوم القبائل والعشائر بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لدعم مرشحين معينين، حيث توجد العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحمل اسم القبيلة، وتروج لمرشح وتدافع عنه وتسانده، وتعرض نسبه ومكانته وتاريخ عائلته في القبيلة، وعادة ما تؤثر هذه الصفحات على سلوك الناخبين لا سيما في المجتمعات البسيطة. وختم المركز بالقول: "يمكن القول إن تنامي دور القبائل العراقية خلال السنوات الماضية وتصاعد تأثيرها على مجريات العملية السياسية جاء بسبب تدهور الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو ما أدى إلى تزايد قوة الفاعلين المحليين، وعلى رأسهم القبيلة، لسد الخلل الناتج عن ضعف مؤسسات الدولة، ويتطلب بناء المسار الديمقراطي خلال الفترة المقبلة اتباع خطط وسياسات تهدف لترسيخ الهوية الوطنية وترجيحها على حساب الهويات والولاءات الفرعية وبناء دولة المواطنة والمؤسسات مما يضمن وحدة البلاد".
*
اضافة التعليق