بغداد- العراق اليوم: إذا لاتمتلك برنامجًا سياسيًا متكاملًا، ولم تنجح في تكوين رؤية سياسية شاملة عن الواقع السياسي، وتريد ان تخوض المعترك الانتخابي وتحجز موقعك في هذه العملية، فما عليك سوى أن تجند جيشاً الكترونيًا من مرتزقة " الكيبورد"، وتحديداً من اولئك الذين لا يخافون الله ولا ضمائرهم، والذين لا تهمهم سوى مصالحهم، فتبدأ بتسقيط خصومك، أو من تعتقدهم أنت هم: خصومك!، والواقع أنهم يجهلونك ولا يعرفون أين تقع على الخارطة، لكن هذا ما يجري. حيث تجند هذه الجيوش، وتبدأ بضرب العملية السياسية في الخاصرة، حيث يستخدم" التسقيط" والتسقيط وحده في أقناع الناخب، ومحاولة التأثير عليه، وتغيير قناعاته، وأستبدال خياراته، من خيار ما الى خيار سيرشحه دون وعي، وهو مخدر بكم هائل من التضليل والخداع، والصور النمطية عن الأخر المختلف، أو على الاقل غير المكتشف. في هذه التجربة الطويلة نسبيًا من تاريخ العراق ما بعد 2003، لاحظ المتابع والمراقب للمشهد السياسي، منحنى اخذ يتصاعد بشكل متواصل مسجلاً ارتفاعاً في نسب اتكاء الأحزاب والقوى السياسية المتنافسة على مسند التسقيط كمشروع وبرنامج دون غيره، يقابله منحنى ينخفض في تقديم هذه القوى برامج ورؤى حول الواقع واصلاحه وتغييره. بمعنى أننا أزاء استبدال في الاستراتيجيات التي تعمل عليها القوى السياسية، حتى التي كانت تصنف معتدلة أو قوى ذات تأثير ثقافي واجتماعي اتجهت لشديد الأسف نحو هذا الاتجاه، وهي بذلك تحاكي الشائع، ولا تخالف السائد، فيما يمكن القول بأن " كسر النمطية السياسية والانتخابية" أصبح نادراً للغاية، ولم يعد الناخب ذاته يبحث عما يثيره أو ينفعه من برامج، قدر بحثه عن من يثير فيه الكثير من السخط والكثير من السخرية من الجمهور، وأصبحت أقوى القوائم والائتلافات الانتخابية، هي تلك التي تمتلك في خزائنها أكثر "كمًا" من فضائح وسقطات مسجلة ضد خصومها لتستخدمها كسلاح فتاك في الساحة التنافسية، وسط غياب عملية الضبط التي يفترض ان تتولاها المفوضية العليا للانتخابات، وكذلك القضاء العراقي الذي يجب ان يكون الضامن لنزاهة ومصداقية الأجواء التنافسية وعدالتها بين الجميع كما تقتضي مجريات العدل والانصاف. لم ننجح لغاية الآن وبعد كم معقول من التجارب الانتخابية في ضبط ايقاع هذه القوى " التسقيطية" ولم نستطع أن نضمن الحدود الدنيا لإجبارها على تقديم خيارات عقلية تحترم وعي الجمهور، وتخاطب ضميره الوطني، بقدر ما سمحنا لها في دغدغة عواطف الناخب الطائفية والقبلية والمناطقية والجهوية، فيما انزلقت وسائل الاعلام التي يجب أن تمارس دورها التصحيحي الى أن تكون الشريك الاعظم في عمليات التسقيط والابتزاز واشاعة هذه الثقافة، كما تفعل الآن قنوات الشرقية لصاحبها سعد البزاز ودجلة لصاحبها جمال الكربولي كنموذج فاقع لما اشرنا اليه مطلع حديثنا. أن ابقاء الوضع التنافسي بهذا المسار، اصبح يشكل خطورة ما بعدها خطورة ليس على العملية الانتخابية وحدها، بل على السلم الاجتماعي، وعلى استقرار البنية السكانية في البلاد، حيث ان حملات التسقيط ليست معلقة في الفراغ كما يقال، بل تستهدف اشخاصاً وشخصيات وجهات سياسية او اعلامية أو اجتماعية تضررت بسبب هذه الأفعال، وتتسبب ايضاً بمشاكل كبيرة لن تنتهي اثارها بمجرد انتهاء موسم المعركة الانتخابية، ابدًا، قدر ما تبقى اثارها على المجتمع، وستتسبب حتماً في صراعات طائفية او أثنية أو قومية. المطلوب فعله الآن مواجهة هذا المسار، وتصحيحه من قبل الجهات ذات العلاقة، والا فأننا ازاء كارثة حقيقية لا تقل خطورةً عن اعادة هذه القوى الى الواجهة مجدداً. ايها المتنافسون اتركوا ( برامج) التسقيط، واهتموا بنقديم برامجكم الوطنية والإقتصادية والإجتماعية اسوة بالحزب الشيوعي العراقي الذي لا يعرف للتسقيط والتشهير طريقاً، إنما يقدم البرامج الكبيرة التي تمنح اي شيوعي عراقي فخراً ومباهاة يستحقها.
*
اضافة التعليق